تفاقمت أزمة النفايات في لبنان منذ إغلاق المطمر الرئيسي الذي كانت تدفن به الشهر الماضي، مما دفع بأطنان القمامة المتكدسة إلى مختلف شوارع وأحياء العاصمة اللبنانية بيروت وأجزاء كبيرة من محافظة جبل لبنان.
عجز الحكومة عن حل أزمة النفايات أدى إلى تصاعد الغضب المجتمعي الذي خرج إلى الشارع في صورة تظاهرات منددة بتقاعس الحكومة عن حل هذه الأزمة، كما تطور الأمر إلى احتجاج عام على أداء الحكومة في ملف الخدمات.
أطلق المحتجون من الشباب اللبناني حملة تحت اسم “طلعت ريحتكم” في ظاهرها الاحتجاج على ظاهرة تراكم القمامة وفي باطنها الاعتراض على تردي الأوضاع المعيشية في لبنان نتيجة الفساد الحكومي الذي طال كافة القطاعات التي تمس حياة المواطن اللبناني، بحسب القائمين على الحملة الذين أكدوا أن أزمة النفايات ما هي إلا مثال لما يحدث في مختلف القطاعات الخدمية.
من جانبها وعدت الحكومة اللبنانية مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات على لسان وزير البيئة اللبناني محمد المشنوق بأن تقوم شركات نظافة متخصصة بمهمة جمع النفايات من كافة المناطق اللبنانية خلال 15 يوما وهو ما لم يحدث، ما أثار غضب الشارع اللبناني الذي طالب بإقالة الوزير، حيث حذر البعض من المخاطر الصحية التي ستسببها عملية تحلل هذه النفايات في درجات حرارة الصيف المرتفعة.
التظاهرات متواصلة منذ أسابيع عدة استجابة لدعوات حملة “طلعت ريحتكم” والتي عكست حالة سخط لدى الشباب اللبناني من الفساد الحكومي الذي ظهر في أبسط الملفات كملف “النظافة”، وقد حرص القائمون على التظاهرات على عدم رفع أي شعارات من شأنها إحداث انحياز طائفي أو سياسي، حتى لا تكون ذريعة في تسيس مطالبهم لصالح طائفة أو حزب بعينه.
تحولت مطالبات المتظاهرين فجأة إلى إسقاط الحكومة التي لم تستطع بعد مرور أسابيع على بدء الاحتجاجات أخذ خطوات جدية من شأنها القضاء على أزمة النفايات المتراكمة في الشوارع، إذ طفت على واجهة التظاهرات مطالبات بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات وفق قانون انتخابي عادل.
رفع المتظاهرون في وقفاتهم الاحتجاجية شعارات ضد السلطة الحاكمة متهمين إياها بالإهمال والتخاذل في معالجة ملفات الفساد التي خرجت رائحتها للعلن، وهو ما دعاهم إلى المطالبة بإسقاط هذه الحكومة ليس هذا فحسب بل ومسألة أعضائها عن هذا الفساد المستشري في كافة جوانبها.
رفع سقف مطالبات المحتجين في ساحة رياض الصلح التي يقيم فيها المتظاهرين وقفاتهم كل عدة أيام إلى حد المطالبة بإسقاط النظام أدى إلى الدخول في مصادمات مع قوات الأمن التي أحاطت تظاهراتهم بالحواجز الأمنية، فقد قامت قوات الأمن اللبناني بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه يوم السبت على اعتصام وسط بيروت لآلاف المحتجين، وهو ما دفع الاحتجاجات على تراكم النفايات إلى التحول إلى حركة احتجاجية عامة على النظام شملت التنديد بالعديد من الملفات الفاسدة خاصةً ملف الخدمات مثل الكهرباء والمرتبات، وذلك بعد تأكيد نشطاء من حملة “طلعت ريحتكم” على أن الحملة لم تكن تطالب بإسقاط الحكومة ولكن هدفها الرئيسي كان المطالبة بحل أزمة النفايات، لكن فشل الحكومة وتعاملها الأمني الأخير مع التظاهرات هو السبب الرئيسي في تبني الشباب لمطلب إسقاط الحكومة.
اشتبك المتظاهرون مع قوات فض الشغب الشرطية مما أدى إلى إصابة ما يزيد عن 20 شخص، فيما أكد متحدث باسم الصليب الأحمر اللبناني إن أحد المصابين في حالة خطرة، حيث استخدمت الشرطة اللبنانية الطلقات المطاطية ومدافع المياه الرشاشة في محاولة لتفريق المتظاهرين الذين ردوا على عنف الشرطة بإلقاء الحجارة وزجاجات المياه والألعاب النارية، فيما سادت حالة من الكر والفر بين عناصر الشرطة والمتظاهرين في الشوارع الجانبية المحيطة بساحة رياض الصلح بالقرب من مقري الحكومة ومجلس النواب.
الداعين إلى التظاهرات قرروا نقل اعتصامهم إلى ساحة الشهداء القريبة، في حين استمرت المواجهات في شارع مؤد إلى السراي الحكومي، وذلك في ظل حالة من الاستغراب من تعامل قوات الشرطة العنيف مع تظاهرات سلمية، حيث تجددت الاشتباكات مساء الأحد بين عناصر الشرطة ومتظاهرين ما أسفر عن سقوط 70 مصاب، إذا اتهمت الشرطة المتظاهرين بمحاولة اقتحام مقر الحكومة ببيروت.
القائمون على حملة “طلعت ريحتكم” أكدوا أنهم إنه لا علاقة لهم بهذه الاشباكات مع العناصر الأمنية، مؤكيدن انسحابهم من ساحة رياض الصلح حيث وقعت المواجهات الأخيرة متوجهين إلى ساحة الشهداء تأكيدًا على سلمية تظاهراتهم.
وفي أول رد فعل رسمي من رئاسة الوزراء هدد رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام بالاستقالة مع تزايد حالة السخط الشعبي على حكومته، بعدما أبدى تفهمه أسباب الاحتجاجات التي تعم العاصمة بيروت، وقال سلام في مؤتمر صحفي: “نحن نحمي حق التظاهر ونتفهم أسباب الاحتجاجات وستكون هناك محاسبة”، فيما أوضح أن الأمر وصل لهذه النتيجة بسبب تراكم القصور الحكومي في لبنان.
كما حمل سلام جميع القوى السياسية مسؤولية الأحداث في لبنان، مؤكدًا أنه لن يكون شريكًا في تحول لبنان إلى بلد فاشل في ظل هذا الوضع السياسي والاقتصادي القاتم، مهددًا باتخاذ ما أسماه القرار المناسب في حالة الاستمرار في هذا الحال.
من جهته صرح وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق إنه ضد إطلاق النار تحت أي ذريعة على أي متظاهر، وإنه طلب من القوى الأمنية المحيطة بالتظاهرات عدم إطلاق النار على المتظاهرين، بينما حمله المتظاهرون مسؤولية هذا العنف وطالبوه بالاستقالة الفورية بعد ما آلت إليه الأحداث، حتى أعلن الوزير عن نيته محاسبة كل من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، كما وعد بإيجاد حل لأزمة النفايات في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء يوم الخميس المقبل.
تعاني لبنان حاليًا من انقسام سياسي حاد بسبب صبغة الحكومة الطائفية والتي عجزت حتى الآن في إدارة أبسط الملفات الحياتية للمواطن اللبناني، حيث تتولى حكومة سلام المكونة من ممثلين لغالبية القوى السياسية بموجب الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل فشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في مايو الماضي، في الوقت الذي تقف فيه حكومة سلام عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة، فغالبًا ما تشهد جلسات مجلس الوزراء توترات بسبب الخلاف الحاد بين القوى السياسية على الإدارة السياسية والأمنية وكيفية تقاسم الحصص ما بينها، بينما يعاني المواطن من سوء الخدمة في الملفات الحياتية.
المشكلة الحقيقية في وجهة نظر المتابعين ليست في أزمة النفايات بعينها، بل في الانقسام الذي يعطل اتخاذ القرارات على طاولة عمل مجلس الوزراء في غياب ممارسة السلطة التشريعية لدورها في المسائلة. فرئيس الوزراء تمام سلام قال في تصريحاته الأخيرة توصيفًا للأزمة: “قصة النفايات هي القشة التي قصمت ظهر البعير لكن القصة أكبر بكثير وهي قصة النفايات السياسية في البلد والتي تلبسها كل المرجعيات والقوى السياسة”.
إذن هي قصة النفايات السياسية التي ما زالت تعيش في دوامة التعطيل السياسي لإقرار الفشل على الحكومة، حيث دفعت بعض التيارات السياسية بأنصارها إلى الشارع في محاولة لتلوين الاحتجاجات الحالية سياسيًا بحسب مراقبين، ومع استمرار حالة الفشل السياسي في لبنان التي تؤثر على أداء الحكومة الحالية لا يتوقع البعض صمود الحكومة الحالية أمام غضب الشارع، لكن جل ما يخشاه الشارع تسييس مطالبهم بالصبغة الطائفية والحزبية واستغلالها لتصفية الحسابات.