أعادت أخبار اللقاءات، التي جرى آخرها في يونيو الماضي، بين دبلوماسيين إسرائيليين وأتراك الحديث حول عودة العلاقات بين البلدين وإمكانية التوصل لتفاهمات في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة والأوضاع الداخلية لكل منهما.
تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على السياق السياسي للمباحثات الحالية بين البلدين وعلى عوامل وعوائق التقارب، والوقوف على واقع العلاقات الاقتصادية المتنامي بالرغم من الأزمة الدبلوماسية، وكذلك تقف على طبيعة وواقع العلاقات العسكرية.
وتخلص الورقة إلى نتيجة مفادها أنه ليس من المستبعد أن تتوصل تل أبيب وأنقرة إلى اتفاق يتكلل بعودة السفراء، لكن حالة غياب الثقة المتبادلة وإمكانية حدوث تطورات معاكسة كفيلة بعدم عودة العلاقات إلى سابق عهدها.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن الواقع يشير إلى إمكانية تقدم العلاقات حتى في ظل الأزمة الدبلوماسية نظرًا للاعتماد على القطاع الخاص، ولكن العلاقات ستشهد تطورًا أضخم في حال تم تطبيع العلاقات رسميًا، وعسكريًا يظهر أن إسرائيل لم تستطع، في ظل الأزمة، تعويض مكاسب حصلت عليها في ظل علاقات جيدة مع تركيا لذا فهي تسعى بكل الطرق لعودة العلاقات.
تشير أخبار اللقاءات الدبلوماسية المباشرة بين تركيا وإسرائيل إلى جهود تُبذل من أجل عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما بشكل طبيعي؛ لتسهيل التنسيق المشترك تجاه عدد من القضايا الإقليمية التي تمس الطرفين، خاصة ما يتعلق بإيران والأوضاع في سوريا، ومن أحد أهم اللقاءات التي جرت بين الطرفين، الاجتماع الذي عقد في العاصمة الإيطالية روما في يونيو الماضي بقيادة مسئولين رفيعي المستوى هما فريدون سينيرلي أوغلو، مستشار وزارة الخارجية التركية، ودوري غولد، القائم بأعمال وزارة الخارجية الإسرائيلية.
ولا تزال العلاقات التركية الإسرائيلية مجمدة على المستوى الرسمي منذ أن هاجم الجيش الإسرائيلي سفينة “مافي مرمرة” في المياه الإقليمية قبالة شواطئ غزة في 31 مايو 2010، حيث وضعت تركيا ثلاثة شروط من أجل تحسين العلاقات؛ تمثلت في تقديم الاعتذار، وتعويض أسر الضحايا، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وعبرت هذه الشروط عن عدم رغبة تركيا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في تلك المرحلة.
وقد كان لجهود الرئيس الأمريكي باراك أوباما دور مهم في اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مارس 2013 عن حادث سفينة مرمرة خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، وكانت المباحثات قد بدأت بين الطرفين قبل الاتصال للاتفاق على صيغة الاعتذار، كما شكل الاعتذار دافعًا لبدء جولة جديدة من المفاوضات للاتفاق على الشروط الأخرى، وقد تم الإعلان عن التوصل لمسودة اتفاق في مايو 2013، لكن المباحثات لم تلبث أن تعثرت بعد أن عقدت جلستا حوار في أنقرة في أبريل وفي القدس في مايو 2013، واستمرت المباحثات إلى أن وافقت إسرائيل، في فبراير 2014، على تعويض أسر الضحايا بمبلغ 20 مليون دولار، لكن عملية التعويض لم تتم إلى الآن.
ويجدر بنا الإشارة إلى أن اتصال الاعتذار تزامن مع إحكام تنظيم الدولة سيطرته على أول مدينة في سوريا وهي مدينة الرقة، كما كان التنسيق بين تركيا ومصر في ذلك الوقت على قدم وساق، لذا فإن إسرائيل قد تنازلت عن شيء من غرورها حتى لا يسبب ذلك لها خسارة المزيد من النقاط في ظل تقلب الأوضاع الإقليمية، ولعل هذا يحثنا على النظر في الميزان الإقليمي في كل مرة تسعى فيها تل أبيب للتقارب مع تركيا.
وفيما مازال الخلاف مستمرًا حول النقطة الثالثة، وهي فك الحصار عن غزة، فقد تم الإعلان عن إيجاد عدة صيغ للتفاهم؛ حيث تعهدت إسرائيل بتسهيل حركة مرور البضائع لقطاع غزة، وأنها لن تمنع وصول الدواء والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن لم تعط أي معلومات أكيدة عن الكميات.
وفي ظل هذه الخلافات السياسية بين الدولتين فإن العلاقة عبر المسار الاقتصادي لم تتأثر بل على العكس تزايدت بنحو كبير، ويستعرض الباحث تاليًا كلا من السياق السياسي للمباحثات الحالية، ونقاط التقارب والتباعد، وكذلك واقع ومستقبل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين.
السياق السياسي للعلاقات التركية الإسرائيلية
لم تكن إسرائيل في عهد حكومتها السابقة ميالة بقوة لتحسين العلاقات مع تركيا، حيث رأت أن فرص تحسين العلاقات مع تركيا في ظل قيادة أردوغان وداود أوغلو ضئيلة جدًا، وخاصة بعد فوز أردوغان بالرئاسة، فيما كان لحرب التصريحات بين البلدين دور في تعزيز شعور التباعد، واستمر هذا لفترة قريبة حيث لم يفوّت الرئيس التركي رجب أردوغان فرصة مشاركة نتنياهو في مسيرة تضامن باريس بعد أعمال القتل التي وقعت في مبنى مجلة “شارلي إبدو”، مستغربًا من جرأته على الذهاب إلى باريس، ليرد وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أفيجدور ليبرمان، واصفًا أردوغان بأنه “بلطجي معاد للسامية”، كما أعلن داود أوغلو خلال الحملة الانتخابية أن بلاده لا يمكن أن تكون علاقاتها جيدة مع دولة تقتل المدنيين الأبرياء.
ولما سبق، فقد انهمكت تل أبيب في فترة وزير الخارجية السابق أفيجدور ليبرمان في خطين، أحدهما إيجاد البدائل عن تركيا والعمل على استثمار خلافات أنقرة مع بعض جيرانها مثل اليونان، حيث حصلت على موافقة اليونان في مايو 2011 على فتح مجالها الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي لاستخدامه في التدريبات العسكرية، كما حاولت تكثيف علاقاتها مع عدد من دول البلقان ورومانيا وبلغاريا وخاصة في المجال العسكري، ولكن معظم التقارير التي كانت ترد من إسرائيل كانت تؤكد أن هذه العلاقات البديلة لا يمكن أن تعوض البعد الإستراتيجي للعلاقات مع تركيا ذات الحدود المشتركة مع إيران وبعض الدول العربية، ولعل هذا الأمر هو أحد العوامل التي تفسر الحرص الإسرائيلي على التقارب مع تركيا.
أما الخط الثاني فهو اتخاذ تدابيرًا قاسية ضد أنقرة؛ من بينها دعم الاعتراف بما يسمى مجزرة الأرمن، والتعاون مع المتمردين الأكراد ودعمهم في كل المجالات الممكنة، وتنظيم حملات دبلوماسية ضد أنقرة
وكذلك الحال بدا حرص تركيا واضحًا على عدم المضي في تطبيع العلاقات ما لم تقم إسرائيل بتنفيذ شروطها، وقد كان أحد مظاهر ذلك امتناع وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو عن المشاركة في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير الماضي، وذلك بسبب قيام منظّمي المؤتمر بتخصيص المقعد الذي سيجلس فيه خلال جلسات الاجتماعات، إلى جانب المقاعد المخصّصة للوفد الإسرائيلي المشارك في المؤتمر.
وفي الآونة الأخيرة، ومع الحديث الذي يدور عن إمكانية التقارب، مازالت إسرائيل تقوم بالتحرك في جوار تركيا، حيث كانت أول زيارة لنتنياهو بعد فوزه بالانتخابات في مارس إلى قبرص، وكان جدول الزيارة، التي تمت في 28 يوليو 2015، يحتوي على ملفات أمنية واقتصادية منها تطوير حقل الغاز البحري ” أفروديت”، وهو موضوع من شـأنه أن يثير حفيظة تركيا في ظل الخلاف حول القضية القبرصية
عوامل ومعيقات التقارب
ومع ما سبق يمكن سرد مجموعة من عوامل التقارب التي هيأتها الظروف الداخلية والإقليمية لكل من تركيا وإسرائيل فيما يلي:
– وجود رغبة إسرائيلية وتركية في إعادة العلاقات للاستفادة من مزايا العلاقة على كافة الأصعدة.
– شعور إسرائيل بأن الفرصة مواتية مع تراجع حزب العدالة وعدم قدرته على تشكيل الحكومة بمفرده.
– رغبة البلدين بعدم تسرب الصراع في سوريا إلى داخل حدودهما.
– شعور إسرائيل المحبط من الاتفاق الغربي مع إيران حول البرنامج النووي، ورغبة البلدين بعدم التأثر سلبًا من هذا الاتفاق.
– وجود رغبة وضغط أمريكي من أجل تحسين العلاقات بين البلدين والاستفادة من جهودهما.
– رغبة تركيا في تهدئة الملفات الخارجية في ظل الوضع الداخلي الحالي ودخولها في مواجهة جديدة مع داعش وحزب العمال الكردستاني، ورغبتها بعدم اجتماع نشاط كل من اللوبي الأرمني واللوبي الصهيوني ضدها، خاصة مع نشاط اللوبي الأرمني مؤخرًا.
– إمكانية الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية لمستوى متقدم، ورغبة إسرائيلية بعقد اتفاقيات مد أنابيب الغاز عبر تركيا، والحديث عن تقديمها لأسعار مغرية لتركيا.
– قناعة إسرائيل بأن الخصائص الجيوسياسية والطبوغرافية لتركيا أهم من البدائل في الدول الأخرى.
– دعوات المعارضة التركية وخاصة حزب الشعب الجمهوري لعودة العلاقات مع إسرائيل.
– خروج بعض الشخصيات اليمينية المعارضة للتقارب مع تركيا داخل الحكومة الإسرائيلية.
أما بخصوص النقاط التي من شأنها أن تعيق التقارب بين البلدين فهي:
– مماطلة إسرائيل بخصوص رفع الحصار عن قطاع غزة.
– وجود علاقات جيدة بين إسرائيل والأكراد، وخاصة حزب العمال الكردستاني.
– توجس إسرائيل من علاقات تركيا مع حركة حماس.
– حالة عدم الثقة الموجودة بين البلدين في ظل القيادتين الحاليتين.
– وجود قضايا متعارضة المصالح تركيا وإسرائيل في سوريا.
– موقف الرأي العام التركي المعادي للسياسات الإسرائيلية.
– الخلافات الأيديولوجية والقناعات الشخصية لكل من أردوغان وداود أوغلو من جهة، ونتنياهو من جهة أخرى.
– قيام مؤسسات إسرائيلية بالتحريض على حزب العدالة وعلى أردوغان شخصيًا خلال المراحل السابقة.
– استمرار تركيا في الدفاع عن ثورات الربيع العربي.
– تجربة إسرائيل المعروفة بكسب الوقت خلال المفاوضات دون تقديم تنازلات ملموسة.
يوضح الشكل التالي نتيجة استطلاع للرأي، نفذه مركز الدراسات في جامعة قدير خاص في تركيا في مايو 2015، وهو إجابة على سؤال “من هي أكثر الدول خطرًا على تركيا”، حيث جاءت إسرائيل في المرتبة الأولى بعدما كانت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في نفس الاستطلاع لعام 2013.
العلاقات الاقتصادية
انطلقت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وقد هيّأت عدة اتفاقيات ثنائية بينهما أفضل سبل تعزيز التبادل التجاري، وقد شهدت التجارة بين البلدين قفزة كبيرة لتزيد من 449 مليون دولار في عام 1996 إلى 2.1 مليار دولار في عام 2002، وقد استمرت هذه الوتيرة الاستثنائية مع زيادة التجارة الثنائية بمتوسط 14.6% سنويًا، خلال الفترة من 2002 إلى 2008، وعلى عكس المتوقع، لم تؤد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين في 2010 إلى أزمة اقتصادية بل ازدادت العلاقات التجارية، حيث نمت التجارة التركية الإسرائيلية بنسبة 19% منذ عام 2009، في حين نمت التجارة الخارجية الإجمالية لتركيا لنفس الفترة بنسبة 11%، فيما وصل حجم التبادل التجاري إلى قرابة 5.7 مليار دولار نهاية عام 2014.
ويعزى هذا التزايد، في ظل انقطاع العلاقات الرسمية، إلى نشاط القطاع الخاص والشركات غير الحكومية في البلدين، حيث لم يسر تجميد العلاقات على القطاع الخاص في تركيا، وبحسب منسقية الدبلوماسية العامة التركية، التي أصدرت بيانًا حول عدد من الادعاءات بشأن العلاقات مع إسرائيل، فقد أكدت عدم وجود أي مساهمات في هذه الزيادة من قِبل الدولة أو الحكومة، كما نفت تزويد تركيا للطائرات الإسرائيلية العسكرية بالوقود، ما عدا وجود اتفاق في مجال الطيران المدني بين شركات الطيران في البلدين بتعبئة الوقود من الطرفين لطائرات نقل الركاب، فيما تم كذلك نفي وجود أي اتفاقية أو تعاون رسمي في مجال الطاقة والنفط بين أنقرة وتل أبيب.
ويوضح الجدول التالي والشكل الذي يليه الزيادة في حجم التجارة بين البلدين منذ عام 2009 وحتى بدايات 2015.
من جهة أخرى، وبالنظر للتبادل التجاري في عام 2014، فإن هناك تعادل في الميزان التجاري بين البلدين، حيث تتساوى قيمة الصادرات والواردات بين البلدين بحدود 2.5 مليار دولار، وهي علامة على التكافؤ المالي على عكس العلاقات مع شركاء آخرين مثل روسيا، ففي العام نفسه كانت قيمة الصادرات التركية إلى روسيا 6 مليارات دولار، في حين استوردت منها ما قيمته 25 مليار دولار، مما أدى إلى عجز تجاري ضخم، وهذا التوازن بين تل أبيب و أنقرة من شأنه أن يغري البلدين، سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص، بالحرص على استمرار العلاقات التجارية.
وفي هذا السياق فإن المنتجات الكيميائية والأدوية والمشتقات النفطية تحتل نصيب الأسد في الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا.
وعلى صعيد الاقتصاد السياحي فقد ازداد عدد الإسرائيليين المسافرين إلى تركيا بنسبة 125%، من 83740 إلى 188608 بين عامي 2012 و2014، وبالرغم من أن هذا لا يزال بعيدًا عن نصف مليون سائح إسرائيلي توافدوا إلى تركيا في عام 2008، ألا أنه يؤشر على إمكانية تزايد الأعداد.
وفيما يتعلق بملف الغاز فقد أكّدت وزارة الطاقة التركية أن إسرائيل قد عرضت على أنقرة في فبراير 2013 مد خط أنابيب لربط حقول غاز إسرائيلية بساحل جنوب تركيا لتسويق إمداداتها من الطاقة في أوروبا، ولكن أنقرة لم ترد بسبب التوتر في العلاقات بين الجانبين، وكذلك الحال فإن ملف التعاون الإسرائيلي القبرصي بشأن الحقل البحري يرتبط بهذا الملف بشكل مباشر، ولكنه قد لا يعد عقبة كبيرة في ظل قناعات إسرائيلية بعدم القدرة على الاستغناء بقبرص عن تركيا التي هي حاضرة أيضًا في الملف القبرصي، كما يعد موضوع تصدير الغاز لتركيا أمرًا مربحًا للطرفين.
وتوضح الخريطة التالية موقع الحقل البحري “أفروديت” الذي يقع في المياه القبرصية والحقول الموجودة قبالة إسرائيل (24).
وفي ذات السياق فإن إسرائيل تحاول تقديم إغراءات لتركيا من خلال إعطائها سعرًا مخفضًا، في حال موافقة الأخيرة على مد أنابيب الغاز عبرها إلى أوروبا، وقد ذكرت بعض المصادر الصحفية التركية في بداية 2014 وجود مفاوضات بين أربع شركات تركية وأخرى إسرائيلية حول هذا الموضوع، وأنه في حال تم التوصل للاتفاق فإن تدفق الغاز سيبدأ في عام 2017، وهو العام الذي من المتوقع أن يبدأ فيه الإنتاج من حقل ،”Leviathan” وقد عرضت صحيفة وطن التركية خرائط لخطين محتملين أحدهما مباشر والآخر عبر قبرص، لكن لم يثبت صحة هذه التقارير حتى الآن.
العلاقات العسكرية
بدأت العلاقات العسكرية والأمنية بين تركيا وإسرائيل منذ وقت مبكر، وتزايدت في الستينيات للتنسيق لمواجهة الخطر الشيوعي والبعثي، حيث بنت إسرائيل إستراتيجيتها على تمتين العلاقات مع الدول الإقليمية غير العربية، وفي فترة السبعينيات بدأت إسرائيل بتزويد تركيا بالأسلحة إلى أن أصيبت العلاقات بحالات من الفتور خلال فترة الثمانينات، لتعود للتطور بعد اتفاقية أوسلو عام 1993.
وقد شهدت الفترة التي تمتد ما بين عامي 1996 – 1998 انطلاقة غير مسبوقة في حجم ونوع العلاقات العسكرية بينهما، وتجسد ذلك في عقد الاتفاقيات العسكرية والأمنية، وقيام إسرائيل بتحديث مختلف أسلحة الجيش التركي، إضافة إلى تزويده بشتى أنواع الأسلحة، وإجراء المناورات الجوية والبحرية المشتركة، فضلاً على التنسيق العسكري والإستراتيجي، وتبادل الزيارات العسكرية على مختلف المستويات والأصعدة.
ويوجد بين البلدين 59 اتفاقية معلنة، بينها 16 اتفاقية عسكرية وأمنية تشمل صفقات شراء طائرات من دون طيار، ودبابات مدرعة من طراز “ميركافا 3” ومشروعًا مشتركًا لبناء صواريخ وتحديث طائرات “فانتوم”، وتحديث دبابات وتأهيل طيارين أتراك وتدريب طيارين إسرائيليين في الأجواء التركية.
وقد تدهورت العلاقات العسكرية عندما أعلنت تركيا عن تجميد ما لا يقل عن اثني عشر مشروعًا دفاعيًا مع إسرائيل بعد أزمة أسطول الحرية مباشرة بما في ذلك اتفاق بقيمة 5 مليار دولار لشراء دبابات ومبيعات قيمتها 800 مليون دولار لطائرات دوريات وطائرة رادار للإنذار المبكِر.
وقد حاولت إسرائيل العمل على توفير بدائل للساحات التدريبية فعقدت اتفاقية مع اليونان التي سمحت لسلاح الجو الإسرائيلي باستغلال قواعد سلاح الجو لإجراء التدريبات والمناورات الجوية، غير أن إسرائيل تخلت عن الاتفاق بعد سنتين من عقده بسبب تحطم مروحية عسكرية إسرائيلية ومقتل أفراد طاقمها الخمسة، الذين كان من بينهم قائد سرب مروحيات مهم في السلاح، كما أن الميزات التي تتميز بها تركيا من الناحية العسكرية لا تتوفر بنفس المواصفات في ساحات دول أخرى.
فعلى سبيل المثال وفر اتفاق للتعاون في مجال تدريب الطيارين، عملية التبادل ثماني مرات في السنة، حيث يفتح هذا الاتفاق المجال للطيارين الإسرائيليين للتدريب على الطيران لمسافات طويلة فوق البر التركي، كبروفة لعمليات القصف الخارجي لسلاح الجو الإسرائيلي في الأراضي السورية والإيرانية، كما يفتح أمامهم المجال لإجراء رمايات بالذخيرة الحيّة في حقل رماية “قونية”.
أما بحريًا فقد كانت تجري عدة مناورات بحرية مشتركة بين الطرفين، وفي هذا الإطار عملت إسرائيل على تكثيف التعاون مع اليونان إلى وقت قريب، حيث ذكر تقرير للإذاعة العامة الإسرائيلية أن مناورات بحرية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية واليونان وإسرائيل بدأت في 30 أبريل 2015 قبالة جزيرة كريت جنوب اليونان، بعد أن كان سلاحا البحرية الأمريكي والإسرائيلي يجريانها بصورة مشتركة مع تركيا.
ومن جهة أخرى عملت إسرائيل على التركيز على القطاع الخاص وقد أكدت مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية أن الصادرات الأمنية لتركيا لم تتوقف إطلاقًا بل شهدت ورود طلبات جديدة وهي قيد الدراسة، ويأتي في هذا السياق ما قالته مصادر في الحكومة التركية مطلع أبريل 2013 إن شركة “إيلتا” الدفاعية الإسرائيلية سلّمت تركيا أجهزة إلكترونية بقيمة 100 مليون دولار الأسبوع الماضي لأربع طائرات مزودة بنظام الإنذار والمراقبة المحمول جوًا والمعروفة باسم (أواكس)، لكن المصادر نفت أن يكون الاتفاق دلالة على تحسن العلاقات مع إسرائيل، محتجة بأن تركيا اشترت الأجهزة من شركة بوينج وأن الشركة الإسرائيلية هي مجرد وكيل لشركة بوينج.
وللتدليل على أن العلاقات العسكرية قد انقطعت بين البلدين فقد ذكرت مصادر تركية أن نقل قطع غيار عسكرية من إسرائيل إلى تركيا، هو عملية إتمام لصفقة عسكرية سابقة كان على إسرائيل الوفاء بها بحسب الاتفاقيات السابقة، ولم تكن اتفاقية جديدة ولا مواصلة لأي اتفاقية تتعلق بالتعاون العسكري بينهما.
ومن المرجح أن العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين قد تضررت بشدة، ويدلل على هذا الرفض التركي بشكل قطعي لاطلاع إسرائيل على بيانات يجمعها نظام رادار حلف الشمال الأطلسي (ناتو) المقام في جنوب شرق تركيا، ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن انقطاع التعاون الأمني والعسكري مع إسرائيل يضر إسرائيل المعنية بالحصول على معلومات محدّثة حول الأوضاع في العراق وسوريا وإيران.
مستقبل العلاقات
لا يعني حدوث لقاءات سرية بين الطرفين أن الأمور تسير باتجاه إنهاء الأزمة تمامًا، فقد حصلت مثل هذه اللقاءات في عام 2013 لكن نتائج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة وعدم قدرته على تشكيل الحكومة بمفرده يمكن أن يكون لها دور مهم في تهيئة الأمور للتوصل لتفاهمات بين الطرفين.
كما أن العقلية البراغماتية التي يسير وفقها حزب العدالة والتنمية في إدارة تركيا والمنطلقة من الواقع الداخلي والخارجي لتركيا وكذلك الحال حسابات المصالح الإسرائيلية تجعلان من الممكن أن يخطو الطرفان تجاه بعضهما بشكل أكثر ليونة من أجل تحقيق مكاسب مشتركة قد تسبقها عودة قريبة للسفراء، لكن الباب يبقى مفتوحًا أمام تدهور العلاقات خاصة في حال قامت إسرائيل بالتصعيد ضد الفلسطينيين.
يشير التوافق الأخير مع واشنطن وتزامنه مع جلسات روما بين تركيا وإسرائيل إلى وجود حرص أمريكي على تحسين العلاقات، ويتوقع أن يتم التعاون والتنسيق في عدد من الملفات بمشاركة واشنطن، ومن هذه الملفات مواجهة تنظيم الدولة، وتبادل الآراء بشأن مستقبل سوريا.
تعد الفرص الاقتصادية التي تلوح في أفق العلاقات دافعًا جيدًا لتحسين العلاقات، ويتوقع استمرار العلاقات الاقتصادية في التصاعد خاصة أن العلاقات لم تتأثر سلبًا بالقطيعة الدبلوماسية ومن المحتمل أن تحدث طفرة في العلاقات في حال تم توقيع اتفاقيات بخصوص تصدير الغاز ولكن من المرجح أن هذا لن يتم قبل الاتفاق على صيغة تخفف أو تفك الحصار عن قطاع غزة، ومن المحتمل في هذا السياق أن يكون لتركيا دور فاعل مع إسرائيل ومع السطلة الفلسطينية في ملف الغاز المكتشف قبالة شواطئ غزة.
أما على صعيد التعاون العسكري فبالرغم من شح المعلومات في هذا الجانب فإن إسرائيل التي يبدو أنها تضررت من القطيعة ترنو إلى استعادة التعاون وتحقيق مكاسب جديدة من خلال تصدير معدات وأجهزة عسكرية للجيش التركي ومعاودة المناورات المشتركة مثل مناورات نسر الأناضول، ولكن هذا الأمر قد يأخذ وقتًا طويلًا من أجل إتمامه، كما أن الطموح التركي الذي يتجه نحو الإنتاج الذاتي في مجال التصنيع العسكري يحد من هذه الفرص أيضًا إلا أن هذا الأمر يمكن تجاوزه عبر الشركات الخاصة في البلدين.
وكخلاصة لما سبق، وفي ظل الأوضاع التي تمر بها المنطقة حاليًا فليس من المستبعد أن يحدث تقارب في العلاقات بين تركيا وإسرائيل لكنه لن يصل للحالة التي مرت بها العلاقات قبل أحداث سفينة مرمرة وستبقى حالة عدم الثقة المتبادلة تحكم العلاقة.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات