أكثر من شهر مر على وفاة النائب العام المصري هشام بركات متأثرًا بجروح بعد استهداف موكبه أثناء مروره في شمال شرق العاصمة القاهرة ولم تعلن الجهات المختصة في مصر عن الجهة التي تقف وراء تنفيذ الاغتيال.
الحادثة التي هزت الرأي العام المصري مازالت تفاصيلها حتى الآن غامضة بسبب إصدار المستشار علي عمران القائم بأعمال النائب العام في مصر قرارًا بحظر النشر في التحقيقات التي تجريها النيابة العامة، في شأن واقعة اغتيال المستشار هشام بركات، وعلل مصدر قضائي ذلك بأن قرار النشر جاء حرصًا على سلامة التحقيقات والعدالة التي تنشدها النيابة العامة، إعلاءً لمبدأ سيادة القانون.
كل هذا التكتم فيما يخص قضية الاغتيال أثار العديد من نقاط الاستفهام فيما يتعلق بتفاصيل الاغتيال وكيفيته والجهة المنفذة للعملية.
تفاصيل عملية الاغتيال بقيت مجهولة إلى الآن بسبب تضارب الروايات الرسمية مع روايات شهود العيان؛ فالروايات الرسمية تنوعت؛ فهناك من يقول إن النائب العام قُتل جراء ضغط الانفجار، في حين تقول رواية أخرى إنه توفي جراء نزيف حاد قد تعرض له في المستشفى.
هذه الروايات الرسمية عارضتها روايات شهود عيان أكدوا أن القتيل نزل من السيارة عند الانفجار ولم يُقتل وقتها بل كان على قيد الحياة مستلق على الأرض بعيدًا عن موقع التفجير، في حين أكد مصدر آخر أن سيارة مجهولة توجهت مسرعة وصدمت النائب العام ما خلف له إصابات بليغة.
هذا التضارب في الروايات وتصريح السائق الخاص بالنائب العام لفضائية “إم بي سي مصر” زاد المشهد تعقيدًا، حيث قال ناصر رفعت سائق السيارة “إنه عند وقوع الحادث استطاع هو والنائب العام الخروج من السيارة، حيث قال له “وديني المركز الطبي العالمي”، وأضاف أن المستشار هشام بركات، خرج من السيارة، وكان يتحدث معه بشكل طبيعي، قائلاً “وديته مستشفى النزهة لأن المركز الطبي ده كان مشوار”.
هذه التصريحات المتباينة وعدم تبني أي تنظيم مسلح في مصر لعملية الاغتيال دفع المجلس الثوري المصري إلى دعوة الأمم المتحدة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في حادث مقتل النائب العام المستشار هشام بركات على غرار لجنة التحقيق الدولية في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، معللين ذلك بأن العديد من الشهادات عقب استهداف المستشار هشام بركات أثبتت أن الروايات الرسمية كلها لم تكن دقيقة وكانت محاولات تلفيقية مرتبة ومنظمة، وأن النيابة العامة تعمدت إخفاء والتستر على أي شهادات وأدلة حقيقية معلنة بخصوص محاولة استهداف بركات وذلك في مؤتمر صحفي عقده المجلس الثوري بمدينة اإسطنبول التركية في الـ 15 من شهر يوليو الماضي.
وأشار المستشار وليد شرابي نائب رئيس المجلس الثوري إلى أن كل الشواهد تؤكد أن عملية اغتيال النائب العام مدبرة من قِبل النظام من أجل استثمارها في الفتك بخصومه السياسيين .
هذه التصريحات للمجلس الثوري المصري جاءت كرد للاتهامات التي وجهها النظام المصري لجماعة الإخوان المسلمين بوقوفها وراء حادثة الاغتيال بسبب مواقف النائب العام المعارضة للحركة وقراراته التي اعتبروها جائرة في حقهم.
وبنفس الوقت تصاعدت الشكوك حول مسؤولية هذه السلطة ذاتها عن الجريمة، هذه الشكوك تتركز حول الدقة المتناهية التي تمت بها العملية والكمية الكبيرة من المتفجرات التي استعملت والتي لا تستطيع أي تنظيمات مسلحة الحصول عليها أو تفجيرها بهذه السهولة في منطقة شبه عسكرية وتتمتع بحماية أمنية خاصة نظرًا لاحتوائها على مساكن عدد من القيادات الرسمية الكبرى.
الحقيقة أن كل الاحتمالات واردة في هذه القضية الشائكة ولكن من المؤكد أن تنظيم ولاية سيناء ليس المسؤول عن عملية الاغتيال لسبب بسيط هو عدم تبنيه لعملية بمثل هذا الحجم، في حين أنه لا يتحرج عند تبنيه أي عملية يقوم بها عناصره مثل تبنيه لعملية استهداف عدد من القضاة في شمال سيناء.
أصابع الاتهام في القضية موجهة لكل الأطراف، معارضة وحكومة، بسبب التضارب الكبير في التصريحات الرسمية وتصريحات شهود العيان وحتى تبني من يطلقون على أنفسهم المقاومة الشعبية بالجيزة مسؤوليتها عن الحادث عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي يبقى أمرًا مستبعدًا خاصة بعد نفي الحركة الأم امتلاكها حسابًا على الفيسبوك وعدم تقديمها لتفاصيل أو توثيق للعملية.
ولكن يبقى السؤال المطروح: من المستفيد من عملية اغتيال النائب العام المصري؟ وهل سيشهد هذا الملف سنوات لتوجيه التهم للمسؤولين عن الحادثة مثل ما حدث في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري؟