حصل نون بوست على بيان أطلقه معتقلو سجن مزرعة طرة المنتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، تعليقا على الأزمة القيادية الحالية التي تشهدها الجماعة.
وعرض بيان المعتقلين تساؤلات تتعلق بالثورة والنهج السلمي الذي تلتزم به جماعة الإخوان رسميا. كما خاطب المعتقلون قادة الجماعة ومسؤوليها في الداخل والخارج، مؤكدين على استعدادهم البقاء في السجن على الخروج في “صفقة مشبوهة”، تحدثت بها بعض الأصوات.
وكانت قيادة الإخوان المسلمين المصريين قد دخلت في جدال علني كان عنوانه السلمية والعنف، ليكشف عن أزمة أعمق تتعلق بشرعية القيادة الحالية للجماعة.
وإلى نص البيان كما ورد نون بوست عن مقربين من المعتقلين
تابعنا بترقب وشغف ذلك الخلاف الذي ترددت أصداؤه في الأيام الأخيرة، ورأينا أن لزامًا علينا أن نشرح موقفنا بوضوح وأن نبعث برؤيتنا التي نؤمن أن تضحياتنا في سبيلها لم تكن هدرًا ولم تذهب هباءً منثورًا، وباعتبارنا شركاء في الثورة والنضال.. من حقنا نسأل:
من صاحب الثورة الحصري حتى يتحدث وحده باسمها؟ من يجرؤ يا سادة أن ينظر في عيون الأطفال وهم يبكون آباءهم الشهداء الذين سبقونا إلى الله ثم يتولى بعد ذلك إلى الظل ويذهب إلى أهله يتمطى ثم يخرج علينا معلنًا أننا محتاجون إلى تعريف جديد للثورة والسلمية؟
مخطئ من يظن أنه يستطيع العودة بالزمان إلى الوراء، ومخطئ من يزعم أن مسار الثورة يحتاج – من حيث المبدأ – إلى مراجعة، مخطئ ألف مرة لأن الشهداء حسموا بدمائهم المسالة منذ اللحظة الأولى وهم يرتقون، والمبدأ إذن غير محتاج إلى شرح ولا إلى توضيح، وتطبيقه لا يحتاج أيضًا إلى دفاع ولا إلى تبرير، فبرغم أن الثورات ليس من طبيعتها أن تنضبط، لكن ثورتنا رغم ذلك اتكأت في مبدئها وممارساتها على معيار منضبط صاغه علماء الأمة في بيان أوجب ثورية المسار وحدد الإطار وشرح التفاصيل، فخرج بيان نداء الكنانة ليسع الثوار فيه اجتهاد جديد لم يكن مثله لهم من قبل، اجتهاد جديد جعل الثورة فريضة، والإيمان بها واجبًا، والقيام بها واجبًا، والقعود عنها معصية وخذلان، فأين إذن ذلك المسار الذي يستحق المراجعة وكيف يحتاج المبدأ بعد هذا إلى إعادة تأصيل؟!
إننا نتوجه من هذا المنطلق إلى أساتذتنا الكرام وإخواننا الأفاضل ممن لهم حق وفضل علينا فنقول: لن يمنعنا حبنا لأشخاصكم وتقديرنا لذواتكم واعترافنا بتضحياتكم واحترامنا لسبقكم وطول أعمالاكم أن نقول لكم بملء أفواهنا “لا” إذا رأينا انحرافًا عن مسار ثورتنا، لأن نياتكم الحسنة وحدها لن تشفع لكم أمام التاريخ ولن تغفر لكم أمام الأجيال القادمة التي ستضع أعمالنا جميعًا في ميزان المحاسبة.
أما دماء الشهداء! هل تسمعون؟ دماء الشهداء ستظل لعنة تطاردنا جميعًا، كل ليلة إذا تخيلنا – بدافع نبيل- أننا نرتدي عباءة الحكمة الزائفة في الوقت الذي فيه على وجه الحقيقة جلباب الذلة والمسكنة.
أما الثوار المرابطون في الميادين والطرقات فإليهم نقول: إن طريقنا وطريقكم واحد ونحن به مؤمنون، ونعلم أنكم ضحيتم كثيرًا ولا زلتم تفعلون، ونعلم أنكم مثلنا في سجن كبير هو الأرض من حولكم بما رحبت، وكان بوسعكم أن تجلسوا في بيوتكم قاعدين غير أولى ضرر، وكان بوسعكم أن ترضوا ضمائركم بكلمات يومية تكتبونها في “نضال ثوري” آمن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تتحدثوا طويلاً عن التضحية والنضال – نظريا – بالتفصيل وأنتم متوسدون الآرائك، لكنكم لم تفعلوا، لكنكم تركتم أطفالكم وبيوتكم ورابطتم في ميادين الثورة من أجل قضية عادلة.
إننا فخورون بكم حقًا من أعماقنا، وأن نداء الكنانة حين دعاكم لم يكن يعبث بكم أو يدغدغ عواطفكم ثم يترككم في الميدان متورطين، كما أنكم لستم المسؤولين أبدًا عن المقاومة حين تأتي ومعها بعض الخسائر، سل الفعل أولاً قبل أن تحاكم ردة الفعل، هذه يسأل عنها من استباح الغدر واستحل السفك ونشر الفتك، الانقلابيون هم من يتحملون “وإن من أشعل النيران يطفئها، وإن من بدأ المأساة ينهيها”.
إننا لا نريد منكم أن تفكروا بنا، فكروا في مهمتكم أنتم، فأنتم جذوة الأمل المشتعل في أعماقنا ولن نسمح لأنفسنا أبدًا أن نكون ورقة يضغطون بها عليكم للمساومة على مائدة المفاوضة، أولى لنا وأولى ثم أولى لنا فأولى أن نظل في السجون بكرامة وشرف من أن نخرج في صفقة مشبوهة يلحقنا بها العار إلى يوم الدين.
أما الغيورون الذين يرقبون تفاصيل المشهد في حيرة فنقول لهم لا تقلقوا مما قد يبدو لأول وهلة “ماء عكر تلقي فيه شباك الصيد الخبيث”، لأن هذا العكار على السطح يبطن أسفل منه في الأعماق موجًا عاتيًا يتداع وسيشتد وحتمًا سيفيض، لأن جماح الثورة لن يكبحه أبدًا زر يضغطه أحدهم ذات مساء، لأنها لم تنطلق بقرار، فكيف إذن يا سادة يوقفها أي قرار،
لقد أثبتت تلك الأحداث التي أسفر عنها هذا الخلاف أن الغضب أصبح أقوى من الصبر والثأر أسبق من الصفح، ومن يتوهم أن بوسعه الوقوف أمام جسارة موج الثورة فسيغرقه عنفوانها وتبتلعه دوامتها في ثوان، لقد كشفت تلك الأحداث أنه لم يعد بوسع أحد أن يملي خياراته من علو، وأن الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم الآن، فمصر كلها مختطفة، ومصر كلها ذات ثأر وأبناؤها المخلصون جميعًا في خندق واحد.
بقيت نقطة أخيرة تجدر الإشارة إليها، إن تماسك التنظيم كان ولايزال قيمة حاكمة في الجماعات الكبرى التي استعصت على الزوال، لكن القيمة الحاكمة تظل – مهما تأصلت – محرد خادم للرسالة التي من أجلها تنشأ الجماعات، واليوم رسالتنا جميعًا هي الثورة، الثورة بكل متطلباتها ولوازمها، فإذا عجز التنظيم في لحظة من اللحظات أن يخدم أهداف الثورة، فإن القيمة تنقلب عبئًا على الرسالة، وساعتها ستتراجع تلك القيمة ولن يأبه بها الكثيرون بعد إذ أصبحت عبئًا يكبل الحركة والتقدم، ولن يستطيع أحد حينها أن يمنع العقد الفريد من أن ينفرط لؤلؤه المكنون لؤلؤة إثر أخرى، ووقتها لن يرحمنا التاريخ أيضًا إلا إذا كان منا اليوم رجل رشيد، ونثق أنهم كثيرون.
معتقلو سجن مزرعة طرة
فجر 26 أغسطس 2015