ماهو مستقبل أفغانستان في وجود داعش والملا أختر والظواهري؟

31

بايع زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري”، الملا “أختر محمد منصور” الأمير الجديد لحركة طالبان، كما نعى الظواهري في كلمته الملا عمر الذي أعلنت طالبان وفاته نهاية الشهر الماضي، ذاكرًا “مناقبه، وحسناته”.

هكذا كانت صياغة الخبر في أغلب الصحف العالمية التي تحدثت عن البيعة القاعدية لحركة طالبان، ذاكرة بعده مضمون الرسالة الصوتية التي بثتها مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة.

لكن وسائل الإعلام العالمية مرت مرور الكرام على بعض الكلمات في هذا التسجيل الصوتي؛ ولو توقفت قليلًا لتحليلها لعلموا أن القاعدة في أفغانستان بايعت الملا أختر، الزعيم الجديد لطالبان، مترقبة وغير مطمئنة للمستقبل.

نعم لقد بايع الظواهري الملا أختر بيعة على السمع والطاعة، ولكن هذه البيعة جاءت مقيدة في كلمته الصوتية، حيث أكد أنها تلزم تنظيم القاعدة إذا ما التزم الزعيم الجديد لطالبان بأحكام الشريعة الإسلامية، حسب قوله.

ولكن أكثر جملة أثارت بعض نقاط الشك ويجب على الباحثين الوقوف عندها هي ما قاله أمير القاعدة “نبايعكم على البراءة من كل حكم أو نظام أو وضع أو عهد أو اتفاق أو ميثاق يخالف الشريعة، سواء كان نظامًا داخل بلاد المسلمين، أو خارجها من الأنظمة أو الهيئات أو المنظمات التي تخالف أنظمتها الشريعة، كهيئة الأمم المتحدة وغيرها”.

هذه الكلمات المختارة بعناية بينت بما لا يدع مجالًا للشك أن الظواهري غير مطمئن تمامًا للنهج الجديد الذي يمكن أن تسلكه حركة طالبان بعد وفاة الملا عمر، خاصة وأن الملا أختر حامت حوله العديد من الشكوك بسبب عدم إعلانه لموت الملا عمر، الذي رجحت بعض المصادر أنه توفي منذ سنوات.

كما أن الزعيم الجديد قد أسند بيانات تهنئة للشعب الأفغاني والأمة الإسلامية بالعيد موقعة باسم الملا عمر، في حين ثبت أنه قد فارق الحياة في تلك الفترة، وهنا يقول أحد كوادر حركة طالبان “لقد كتمت القيادة نبأ وفاة زعيمنا منذ سنتين وقامت بنشر بيانات باسمه، بعضنا يشعر بأنه خُدع، وهذا يعزز الشكوك بأن باكستان تتلاعب بالحركة”.

فطالبان، التي أعلنت عن وفاة زعيمها مكرهة، تعيش الآن أصعب الفترات بسبب الحرب الجديدة التي تخوضها مع تنظيم الدولة الإسلامية ومع الحكومة الأفغانية في نفس الوقت، كما أن كثيرًا من المتعاطفين والمقاتلين في الحركة قد سحبوا ثقتهم من القيادة الجديدة بسبب إخفائها لخبر مقتل الملا.

هذا بالإضافة إلى المفاوضات التي أطلقتها الحركة مع الحكومة الأفغانية برعاية باكستانية، وهو ما اعتبره بعض المعارضين داخلها انحرافًا للمسار العام الذي كان يمثله الملا عمر؛ والمتمثل في رفض كل أشكال المفاوضات وانتزاع الحقوق بقوة السلاح لإعادة حكم الإمارة الإسلامية.

أما علاقة القيادة الجديدة لطالبان بباكستان أصبح أمرًا ظاهرًا لا يخفى على المتابعين، وفي هذا السياق قال الجنرال الباكستاني في الاحتياط، محمود شاه، “إن منصور يقود طالبان منذ سنتين وقام بعمل جيد، وهو لذلك قادر على خلافة الملا عمر، وربما يكون حتى أفضل منه”، وكفى بهذه الشهادة دليل إدانة للمناوئين للملا أختر والرافضين لتوليه المنصب الجديد، خاصة بعد تعيين مساعدين له هما، “الملا هيبة الله أخوندزاده” الوجه الديني المتنفذ، و”سراج الدين حقاني” الزعيم الشهير لشبكة حقاني، والمعروف بقربه من تنظيم القاعدة ومن باكستان، ولعل أكبر الأدلة التي تقوي الشكوك حول علاقة أختر بباكستان ما أكده عدد من قادة طالبان أن الملا منصور ومساعديه يعتبرون مقربين لا بل “مقربين جدا” منها.

كل هذه المعلومات المتعلقة بالزعيم الجديد للحركة جعلت من أنصار تنظيم داعش في العالم يقومون بحملة إعلامية كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي للطعن في الملا أختر، واتهامه بالعمالة لصالح المخابرات الباكستانية، بل وصل الأمر لاتهامه شخصيًا بقتل الملا عمر بعد تلقيه الأمر من باكستان أو بدافع الزعامة.

وفي سياق اتهام “أختر” بالخضوع والعمالة لباكستان قال رحيم الله يوسفزاي، الصحفي الباكستاني المتخصص في حركة طالبان، “إن الملا منصور لعب دورًا فاعلًا في تنظيم مباحثات موري، وفي السياق الراهن، فإنه مناسب تمامًا لكابول وإسلام آباد”.
الحقيقة أن تواتر الدعاوي، التي مفادها العلاقة الممتازة التي تجمع أختر منصور بباكستان، يزيد من دعمها أن مصادر الأمم المتحدة تقول إنه خضع للاعتقال بباكستان ثم “أُعيد” إلى أفغانستان في سبتمبر 2006، ما يعني إمكانية تجنيده من قِبل المخابرات الباكستانية في تلك الفترة.

كل هذه الشكوك التي سرعان ما يستثمرها تنظيم الدولة الإسلامية، من خلال القول في أكثر من مناسبة “إن القيادة الجديدة لطالبان تقاتل المنتسبين إليه في أفغانستان بأمر ودعم باكستاني، من أجل ألا يكون لهم موطن قدم في أي شبر من الأراضي الأفغانية”، وهو الأمر الذي ترفضه داعش، التي أعلنت عن استعدادها لمقاتلة حركة طالبان إذا ما قاتلتها، وهو ما حدث فعلًا عندما أصدر التنظيم بيانات وصور وإصدارات مرئية توثق تصفيته لمنتمين للحركة قاموا بقتالها، ليصل بهم الأمر إلى تفخيخ وتفجير بعضًا منهم.

كل هذه المعطيات جعلت من الظواهري في كلمته الأخيرة يضيف في نص البيعة “البراءة من كل حكم أو نظام أو وضع أو عهد أو اتفاق أو ميثاق يخالف الشريعة، سواء كان نظامًا داخل بلاد المسلمين، أو خارجها من الأنظمة أو الهيئات أو المنظمات التي تخالف أنظمتها الشريعة، كهيئة الأمم المتحدة وغيرها”، ما يعني أن كل المواثيق التي سيبرمها الملا أختر منصور، وخاصة مع الحكومة الأفغانية الحالية والنظام الدولي وهيئة الأمم المتحدة، ستكون مرفوضة من قِبل القاعدة ويؤدي وجوبًا إلى فسخ البيعة وإمكانية الانخراط في قتال طالبان. 

من المؤكد أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت، التي ربما تكون سارة لطرف ومحزنة لطرف آخر، لكن الانشقاقات الأخيرة لقياديين كبار من طالبان والتحاقهم بتنظيم داعش، الذي كان أول من أعلن عن مقتل الملا عمر وليست الحكومة الأفغانية، يضعنا أمام فرضية واحدة، مفادها أن سيناريو الحرب بين الفصائل المقاتلة في أفغانستان في التسعينات قد يتكرر، ولا شك أن تنظيم الدولة الإسلامية، خصم طالبان الجديد، سيسعى إلى استغلال حالة عدم الرضا مع بدء انتشاره في المنطقة للخروج فائزًا، كما فعلت حركة طالبان سنة 1996، عندما وصلت إلى العاصمة كابل، وحكمت أفغانستان 5 سنوات قبل التدخل الأمريكي في 2001.