يُطلق عليه الغرب زواج الأطفال، ويطلق عليه العرب زواج القاصرات، إلا أن الموضوع تطوّر في مصر ليدخل في نطاق أوسع وأشمل وأكثر إجرامًا، زواج القاصرات في مصر قد دخل في نطاق شبكات منظمة وموسّعة للإتجار بالبشر، بعد أن كان يقتصر منذ الثمانينات على مشروعات فردية للوساطة بين الفتاة أو أهلها وبين المُشتري العربي الثريّ، أصبح نطاق العمل الحر في تلك الشبكات أكتر شمولًا وحرية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير التي شهدتها مصر في عام 2011، لتشتهر قرى بعينها في مصر بإباحة زواج القاصرات، منها مدينة “الحوامدية” التي تقع على بعد 60 كيلومترًا جنوب القاهرة، والتي اشتهرت في مصر والعالم العربي بمباركة الأهل لزواج ابنتهم القاصرة من ثريّ عربي يشتريها بالمال، من الممكن أن يسميها البعض سوق النخاسة المصري، أو سوق بيع “اللحم الرخيص”.
على الرغم من تحديد القانون المصري في عام 2008 الحد الأدنى للزواج في مصر هو 18 عامًا، تبلغ نسبة زواج القاصرات في مصر 15% من نسبة الفتيات المتزوجات، إلا أن الإحصائيات لا تكون دقيقة بالدرجة الكافية، إذ إن الأمر لا يقتصر في تلك القرى على الزواج الطبيعي فحسب، فيمتد لزواج المُتعة أو ما يسميه العلماء زواج بنية الطلاق؛ حيث تعلم المرأة أو وليها فيه بنية الطلاق بعد مدة محددة، فيتمتع الرجل بالفتاة لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع، ويُطلّقها بحثًا عن أخرى، أو ليتم بيعها مجددًا لرجل آخر، في عمليات يسميها الوسطاء في هذا المجال عمليات البيع من أجل الجنس، فهو مجرد زواج مؤقت بعقد عرفي لا يدوم أكثر من أسبوع، قانون العدة لا يعترف به أهل الفتاة أو الوسطاء، فبمجرد طلاقها من الممكن أن تتزوج رجل آخر بعقد عرفي حتى يُطلقها هو الآخر.
الزواج المؤقت في مصر: تجارة بمباركة الأهل
تأتي السعودية في المرتبة الأولي للتعاقد مع وسطاء أو مكاتب محاماة مصرية للحصول على فتاة قاصر للزواج العرفي أو لزواج المتعة، تحتل الكويت بعدها المرتبة الثانية وتأتي في المراكز التالية الإمارات والبحرين، يكون موسم الصيفية هو الموسم المزدهر لعمل تلك المكاتب، إذ يتوافد الأثرياء العرب على مصر لقضاء العطلات أو للسياحة، تختلف الأسعار طبقًا لمواصفات الفتاة، حيث يُدرج الراغبون في بيع وشراء ابنتهم لرجال الخليج العربي الأثرياء مواصفات الفتاة عند أحد الوسطاء أو مكاتب المحاماة، ليختارها المُشتري ويتمتع بها لفترة من الوقت، كما أشارت تقارير صحافية أجراها المجلس القومي للأمومة والطفولة على ضحايا تلك الزيجات في أن سعر الفتاة البكر يكون مرتفعًا في العادة ويكون ما بين 10.000 جنيه مصري ويصل إلى 25.000 جنيه أحيانًا، أما الفتاة غير البكر لا يرتفع سعرها عن 10.000 جنيه.
يتم التواصل بين عائلة الفتاة والرجل الثري عن طريق وسيط أو مكتب محاماة، حيث يمكن للوسيط أن يأخذ الفتاة من إحدى القرى الفقيرة في مصر وهي بعمر الـ 12 عامًا ليوصلها للزائر الثري في القاهرة بغرض زواج المتعة، والذي يكون أحيانًا لليلة واحدة وأحيانًا يمتد إلى أسبوع على حسب رغبة الزائر، ويمكن أن يحصل الوسيط على مبلغ 100 دولار لتلك العملية، تُقسّم بينه وبين أهل الفتاة، حيث يتقاضى الوسيط أحيانًا ثلثي ذلك المبلغ، أما عن الزيجات الصيفية فيرتفع أسعارها لتصل إلى 2500 دولار كسعر مبدأي وإلى 9000 دولار كسعر نهائي إذا أراد الزائر أن يتزوجها ويعود بها إلى بلده.
في تقرير للمجلس القومي المصري تقول مديرة وحدة مكافحة الإتجار بالأطفال إن بعض الفتيات عندما يبلغن الـ 18 من العمر يكون عدد زيجاتهن المؤقتة قد وصل إلى 60 زيجة، إلا أن تلك الأعداد الواردة من الممكن أن تكون مبالغ فيها أو غير دقيقة نظرًا لصعوبة الوصول لضحايا تلك الزيجات بطريقة قانونية، ولتكتم الفتاة أو أهلها على الموضوع خوفًا من الفضيحة، أما عن التقارير العالمية فذكر تقرير الخارجية الأمريكية السنوي عن الإتجار بالبشر أن نسبة كبيرة من الرجال السعوديين والكويتيين يسافرون إلى مصر سنويًا لزواج المتعة من فتيات لم يبلغن الـ 18 عامًا.
تكثر تلك التجارة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل والأمية والفقر، مجتمع كالمجتمع المصري الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الأمية، يرى في كثير من المناطق أن التعليم يُعتبر رفاهية للفتاة، فهي ما إن وصلت سن البلوغ يجب عليها أن تتزوج، فهم لا يجدون فائدة من الانتظار بعد أن نضجت الفتاة وأصبحت امرأة، إلا أن الفقر في تلك المجتمعات لعب دورًا فعّالًا في إثراء هذه التجارة في تلك المناطق، فتُعتبر الفتاة فيه مصدر رزق لأهلها عن طريق الزواج المؤقت الذي يصل لكل فتاة في الصيف إلى ما يُقارب الخمس مرات، فحلم الأهل أن تستطيع الفتاة أن ترحل مع زوجها إلى بلده الأم حيث رغد العيش والاستقرار بعيدًا عن الحياة الفقيرة في مصر.
عندما تتزوج الفتاة تحت سن الثامنة عشر من قِبل رجل يكبرها في العمر بعقدين على الأقل، ترتفع مخاطر تعرضها للاعتداء الجسدي أو الجنسي، كما ترتفع نسبة مخاطر الحمل على حياتها الصحية وكذلك النفسية، مما يؤدي أحيانًا إلى صدمات نفسية لفئة كبيرة من ضحايا تلك الزيجات تؤثر على قدرتهم العقلية فيما بعد، نظرًا لأن الفتاة في ذلك العمر لا تكون مستعدة عاطفيًا وجسديًا للزواج أو التعرض للحمل، ولا يمكنها تحمل مسئولية منزل أو زوج، مما يجعلها مدمرة نفسيًا على النحو البطئ، وعلى الرغم من وعي الكثير من الآباء بتلك المخاطر، إلا أنهم لا يستطيعون تغيير القاعدة التي أنشأتها تقاليد المجتمع، فهو لا يرى فائدة من انتظار الفتاة في المنزل إذا وجد رجلًا ثريًا يرغب بالزواج بها ودفع مبلغ كبير من المال في سبيل ذلك.
تم تداول هذا الموضوع في مجلس الشورى المصري قبل حلّه في 2013، حيث اعتبر رئيس الهيئة البرلمانية لحزب “المصريين الأحرار” بمجلس الشورى السابق، هيلا سيلاسي ميخائيل، انتشار زواج القاصرات المصريات بخليجيين يمثل إتجارًا بالبشر، وإهدارًا لكرامة المصريين، ويخالف كل القيم والشرائع والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر، حيث أتى هذا الطلب بعد أيام على تفجر أزمة أمام حكومة رئيس الوزراء السابق، هشام قنديل، بعد نشر تقارير أفادت بأن وزارتي القوى العاملة والداخلية وافقتا على السماح بعمل مصريات كـ “خادمات” في عدد من الدول الخليجية.
أكدت إحدى ضحيات تلك الزيجات في برنامج تلفزيوني مصري أن أهلها أجبروها على الزواج من ثري خليجي مقابل 10.000 جنيه مصري، كما أكدت على أن هناك أكثر من 20 فتاة من نفس قريتها في محافظة “6 أكتوبر” تم تزويجهن بنفس الطريقة، بعد إذاعة ذلك اللقاء اكتشفت السلطات المصرية شبكات كاملة في المحافظة تروج وتعمل في الوساطة بين رجال العرب الأثرياء وبين الفتيات القُصّر، حيث اكتشفت السلطات أن 74% من المتزوجات في تلك المحافظة هن فتيات قاصرات.
بعد أن تم الأمر بمباركة الأهل، وفي كثير من الأحيان بإجبارهم لابنتهم على الزواج مقابل الضغط المادي الواقع على عاتقهم، هل أصبحت مصر محطة من محطات الانتقال أو “الترانزيت” لرجال العرب الأثرياء في الزواج الصيفي أو السياحي أو زواج المتعة؟ إذ إن الأمر لم يعد يتم تسويته في الكتمان، فقد انتقل سوق الرقيق إلى المحافل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فمن المألوف جدًا أن تجد صفحة على موقع فيسبوك بعنوان “مصرية وترغبين في الزواج من خليجي، ادخلي فورًا”، إن وقعت المسؤولية على عاتق الدولة التي تهاونت في حقوق الأطفال وفرض قوانين تمنع انتهاك حقوق القُصّر وعدم تتبع تلك الشبكات وفرض العقوبات الجزائية اللازمة على كل من الوسطاء والمشتريين، ماذا عن الأهل الذي دق الفقر أعناقهم لينسيهم شرفهم ونخوتهم؟