نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية لقاءً مع المؤرخ الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط جون بيار فيليو، بمناسبة صدور كتابه الجديد “مستقبلنا ومستقبل العرب، قصة تحرر”، الذي يتناول فيه فترة الربيع العربي والضبابية التي تحوم حول سياقها التاريخي وهي فترة تميزت بالاحتجاجات الشعبية والثورات المغرقة في الدماء .
وقالت الصحيفة إن جون بيار فيليو، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في كلية العلوم السياسية في باريس، يتميز بمعرفته الدقيقة للإسلام المعاصر، وقد كتب هذا الكتاب ليدرس حالة الربيع العربي والسياق التاريخي الذي حدث فيه، والتداعيات المستقبلية للربيع العربي الذي شهد احتجاجات وثورات تحولت إلى حمام دماء.
وأضاف التقرير، أن الجيلين اللذين عايشا الفترة الممتدة بين 1970 و2010 في العالم العربي، كانا شاهدين على تحول سكاني هادئ، في حين أن أوروبا استغرقت قرنين لإحداثه، وأن هذا الجيل المتعلم الذي يتمتع بحس نقدي ويتواجد في المنطقة الممتدة بين الخليج العربي والمغرب يشترك في اللغة العربية وهو ما يسر انتشار الحراك الديمقراطي في المنطقة.
ولا يوجد أي تأثير لدولة على أخرى بل إن الأرضية في المنطقة كانت مهيأة لهذا الحراك، إذ إن عددًا كبيرًا من الشباب الذي يبلغ سنه بين 20 و 35 من العمر قد عايش حالات قمع لأفراد عائلته من قِبل الطبقة السياسية والعسكرية.
وأشارت الصحيفة إلى وجوب أخذ تاريخ المنطقة بعين الاعتبار؛ فمصطلح “الدستور” هو المؤثر الأهم في تونس، وهو اسم الحزب الوطني الذي تزعمه الحبيب بورقيبة، ولم يصوت التونسيون سوى مرة واحدة خلال فترة الانتقال الديمقراطي وذلك في أكتوبر 2011 لاختيار أعضاء المجلس الوطني التأسيسي لكتابة دستور البلاد، ولحسن الحظ فإن هذا الدستور التونسي لم يعرض على الاستفتاء، بينما شهدت مصر 3 استفتاءات بين 2011 و2014 وفي كل مرة يقع إقرار الدستور الجديد رغم التناقض الكبير بين أحكام هذه الدساتير الثلاثة.
وقد تمكنت تونس من صياغة عقدها الاجتماعي من خلال توفير بيئة جيدة ووحدة شعبية قادرة على مواجهة خطر التطرف، أما مصر فقد عادت إلى مستويات عنف غير معلومة النتائج ولم تشهد البلاد مثلها منذ حملة بونابارت 1798.
وذكر التقرير أن تونس ومصر، قديمًا طالبتا الإمبراطورية العثمانية بالإصلاح والتحديث في مجالات المالية والتعليم والصناعة, وشهدت تونس إعلان إلغاء الرق في سنة 1846 وإعلان أول دستور في المنطقة العربية في 1861، إلا أن الحماية الفرنسية في تونس والانتداب البريطاني في مصر حاولا فرض عملية تحديث قسري من أعلى هرم السلطة في حين واصل رواد النهضة العربية دعواتهم لإحداث إصلاح السياسي والفكري، وهو ما أدى إلى نشوب الثورة العربية في 1916، حيث دعمت فرنسا وبريطانيا العرب ووعدتهم بإقامة المملكة العربية مقابل أن يعينوها على تفكيك الإمبراطورية العثمانية.
وقالت الصحيفة إن ساركوزي دعم بن علي إلى آخر لحظة رغم الاحتجاجات الجارية، وأنه لم يستوعب حقيقة ما كان يجري في تونس، وقد قام في المقابل بدعم المجلس الانتقالي الليبي منذ إعلان إنشاءه، وذلك لحسابات سياسية قصد الظهور بثوب المحارب المنتصر، وفي الفترة الممتدة بين أغسطس وأكتوبر تحولت ليبيا إلى مستنقع من الدم؛ ما دفع ساركوزي إلى تجنب التورط في أماكن أخرى من دول الربيع العربي.
فرغم قيامه بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري على غرار المجلس الانتقالي الليبي وتمكينه من تمثيلية دبلوماسية، إلا أن ساركوزي حافظ على العلاقات الرسمية مع بشار الأسد، وبقيت التمثيليات الدبلوماسية للبلدين مغلقة إلى اليوم رغم وصول هولاند إلى الحكم في مايو 2012.
وقال التقرير إن مخيم الزعتري للاجئين السورين في الأردن، يشهد بروز وعي متقدم لجيل جديد من البالغين الرجال والنساء، فهم يخوضون حوارات راقية رغم الاختلاف بينهم ورغم الخسائر التي تكبدوها في وطنهم الأم، وأكد أنهم سيصلون إلى تحقيق أحلامهم رغم طول المعاناة واللجوء خارج سوريا.
فهذه الابتلاءات الصعبة التي يعيشونها مكنتهم من الاستيقاظ من أوهام النظام الذي قمعهم ونهبهم باسم أسطورة “القومية العربية”، التي لازالت تجد من يدعمها ويناصرها من الأوروبيين بدعوى أنها تقاوم الإمبريالية على حد زعمهم أو أنها علمانية معتدلة .
وأضاف التقرير أن الكتاب يرتكز حول نفي نظرية المؤامرة، وأن المعاناة الطويلة للشعوب العربية ليست لعنة حلّت عليها وإنما هو سعي منها لافتكاك حقها في تقرير المصير، وهذه الطموحات مهددة من النظم المستبدة ومن المتطرفين لأن كلاهما يخطط لرمي الشعوب العربية في مزبلة التاريخ ودفن أحلام الحرية والانعتاق .
واختتمت الصحيفة بالقول إن الكتاب لا يقدم نظرة تفاؤل أو تشاؤم وإنما يضع الأحداث في سياقها التاريخي، وأن ظهور تنظيم الدولة في المنطقة مرتبط بديناميكية الثورة المضادة التي ترفض تقديم أي تنازلات في سوريا واليمن ومصر، وأن تزايد إصرار الثورة المضادة على تموقعها يؤدي إلى تأزم الأوضاع الإنسانية والمالية التي عمقها هبوط أسعار البترول.
وقالت إن لا أحد يستطيع مواجهة تنظيم الدولة إلا الشعوب العربية نفسها، ولذلك فقد حان الوقت لكي تدعم الدول الغربية هذه القوى الشعبية، وتكف عن دعم هذه الأنظمة الديكتاتورية الآيلة للسقوط على المدى القريب والمتوسط.