روى محمد حسنين هيكل في برنامجه “مع هيكل”، الذي كان يبث على فضائية الجزيرة، قصة حوار سريع جرى بين الرئيسين الروسي “بوتين”، والعراقي “جلال الطالباني” بعد الاحتلال الأمريكي؛ حيث حاول الأخير التذاكي – والعهدة على الراوي – فقال لنظيره الروسي بأنه لا يريد أن يضع كل بيضه في السلة الأمريكية، وأنه يريد أن يضع البعض منه في السلة الروسية، فرد “بوتين” بأنه لا يضع بيضه إلا في سلته.
بغض النظر عن روايات هيكل محل الجدل، فقد كتب عنها الكثيرون، على غرار المؤرخ سيار الجميل، في تفكيك هيكل ثم بقاياه، أو التشكيك في حكاية لقائه بألبرت أينشتاين، وغيرها من المقالات حول علاقته بالانقلاب في مصر مما كتبه سليم عزوز، على سبيل المثال لا الحصر، فإن ما رواه هيكل يختصر واقع سياسات الأنظمة العربية التي مازالت تجول ببيضها بين القوى الدولية وتوزعه هنا وهناك، بدل الاحتفاظ بمصالح الشعوب التي يُفترض أن تُمثلها، وهي المالك الحقيقي لذلك البيض.
وإذا كان من المنطقي أن تبحث القوى الدولية عن توافقات بينها، ومن المنطقي أيضًا أن تأخذ الدول العربية هذا البعد بعين الاعتبار، لكن غير المعقول أن تجعل منه أساسًا لحل المشاكل والتعويل عليه، وانتظار الضوء الأخضر في كل حركة، فهذا يدلل على المستوى الكارثي الذي بلغته الأنظمة العربية، وأسوأ منه أنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، وأصبحت وكيلة على بيض دول أخرى ضعيفة، فتحمله إلى السلال الإقليمية والدولية، أو تبذل المليارات من أجل تكسيره لتسويد عيون تلك القوى.
لكن عندما ندرك أننا بحديثنا عن البيض العربي، فإننا نتحدث عن دجاجات عربية يزول العجب حينئذ، فمن الطبيعي أن تنتظر ما تفعله الديكة الإقليمية والدولية، لأنها تعاني من أزمة شرعية تدفعها للتعويل على البعد الخارجي لضمان استمراريتها، والخطأ الكبير الذي ترتكبه المعارضة السورية ومختلف القوى الثورية هو تكرارها نفس السلوكيات التي تمارسها تلك الأنظمة الآن، وعلى أهمية الغطاء الدولي، فإن الحقائق والوقائع على الأرض هي التي ستحدد وتفرض سلوك تلك القوى في النهاية، ولعل رضوخ القوى الدولية للمصالح الإيرانية في سوريا، وعدم إصدارها في المقابل ردود فعل معارضة لما أقدمت عليه السعودية أيضًا في اليمن يؤكد هذه الحقيقة.
تأسيسًا على هذا، فإن الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة بعد الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية، وعودة بعض الدول العربية إلى المسارعة للبحث عن حلول لقضايا مختلفة، كان في مقدمتها الأزمة السورية، وتعدد الاتجاهات وتقاطعها بين موسكو وواشنطن، لا يمكن التعويل عليه لزحزحة الأوضاع، وإذا حصل ذلك فبكل تأكيد لن يكون لصالح الشعب السوري؛ لأن الوفد العربي الأخير، الذي زار بوتين مؤخرًا، أمعن في تكسير بيضه، وليس لديه مشكلة في فعل ذلك ببيض دول أخرى، وروسيا والدول الغربية هي الأخرى تبحث عن ملئ سلتها أيضًا.