قبل 9 أشهر تقريبًا وجد الحوثيون أنفسهم في قلب العاصمة صنعاء، بعد أن كانوا في شمال الهضبة الشمالية، شيئًا لا يذكر، وإن ذكروا فمن المستحيل أن يصلوا إلى مقر الحكم للدولة اليمنية، التي حاربتهم 6 حروب، في عقر دار الجماعة، لتنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتتغير المعادلات بأمر غير متوقع أو ربما محسوب عند البعض.
فبقدرة قادر صارت الجماعة الحوثية، بعد أن حالفت رأس النظام السابق وقواته الخاصة هي المتحكمة بمؤسسات الدولة وصاحبة القرار الأول فيها، بعد أن فرضت أتباعها ومسلحيها بالقوة، وضيقت الخناق على كل الأحزاب والجماعات السياسية، وكأنها أنهت العمل السياسي دون قرار معلن، وعطلت الأجهزة التابعة للحكومة إلا ما يتماشى مع توجهاتها العشوائية، التي أتت على كل شيء في البلاد، وضربت 50 عامًا من الجمهورية في عرض الاستبداد والرأي الواحد مرة أخرى.
بعد 21 سبتمبر من العام الماضي، ظن الحوثيون أن الحرب في بقية المدن اليومية مجرد نزهة، وأن الجميع صاروا يأتمرون بأمرهم، لأنهم يمتلكون الصوت الأول في البلاد اليوم، بعد أن امتلكوا صرختهم الخاصة وزواملهم، كما يسخر نشطاء، فأردوا بذلك القضاء على أحلام اليمنيين في التغيير واللامركزية، وقد وصلوا في مؤتمر حوار وطني يقضي بحكم الفيدرالية التي تتناسب كثيرًا، وفق خبراء، للحكم القادم في اليمن، الذي سيضمن الحقوق والحريات للشعب اليمني كافة من صعدة حتى سقطرى.
ليأتي خروج الرئيس عبدربه منصور هادي من العاصمة صنعاء، وبداية التحالف لضرباته المركزة في 26 مارس على قواتهم، بعد أن اتحدت مع قوات الحرس الجمهوري الموالي للرئيس المخلوع صالح، ليأتي قاصمًا لغرورهم وصلفهم معًا.
نعم، جاسوا خلال الديار في مدن الجنوب والوسط، أتوا على الأخضر واليابس، قتلوا الصغار والكبار، لكنهم في الأخير خرجوا مطرودين من مدن الجنوب، واستعرت المقاومة في مدن الشمال لتحاصرهم في مدن بعينها، مع وجود بدايات للمقاومة في إقليم آزال بمحافظاته الزيدية (ذمار، صنعاء، صعدة، وعمران)، التي تُعد الحاضنة الرئيسة لهم، مع بقاء ممارساتهم اللامسؤولة، فبدأ الناس يضيقون ذرعًا بتصرفاتهم التي لا تراعي إلًا ولا ذمة بالمواطنين، وخاصة البسطاء منهم، ممن ضاقت بهم السبل وينتظرون الفرج فقط من الله في السماء، أو أن تصل المقاومة إلى أراضيهم لتخلصهم من شر وجدوا أنفسهم فيه ذات يوم.
الكثير من أبناء صعدة ومناطق الهضبة الشمالية، خصوصًا من المشايخ والمسؤولين في الدولة، غدوا اليوم مشردين في دول الجوار ودول أخرى، بعضهم خرج في الماضي حين كانت صعدة تحت حكم الجماعة، وبعضهم خرج بعد استيلائها على صنعاء، والكثير منهم التحق مؤخرًا بركب الحكومة المتواجدة في الرياض، ينتمون إلى قبائل ما حول صنعاء وعمران والجوف وصعدة نفسها.
هؤلاء يراقبون الحرب، عايشوا تفاصيلها ومسيرتها، حاولوا تحاشيها في البداية، بعد أن سلموا كل شيء للسيد والزعيم، يكتمون أنفاسهم كما يكتم الحوثي أنفاسه أيضًا، إلى أين تنتهي الحرب؟ وقد بدأ الحديث عن معركة تحرير صنعاء، التي ستكون تكلفتها باهظة وكبيرة بالنسبة لهم على الأقل، فقد شاهدوا بأم أعينهم كيف قضى الحوثي على كل الأعراف والتقاليد، بل وقضى على الدولة بكاملها، وسرق منهم الجيش برمته وأدخل اليمن في حرب لم تشهدها من قبل ولا من بعد ربما، أحرق مدن الجنوب والوسط، وها هو يمضي في غروره منفذًا أيضًا خطط الرئيس المخلوع في حرق اليمن بكاملها، فهم ربما يرون بأن من الضرورة تسليم صنعاء سلميًا، والقبول بالهزيمة أيضًا وتسليم كل المدن إلى الدولة وأجهزتها المختلفة.
أمر ثان إذا استعصى عليهم عودة الانقلابيين إلى رشدهم، فلا طريق أمامهم إلا العودة إلى الداخل والانخراط في صفوف المقاومة وحسم المعركة سريعًا، والقضاء على أحلام الحوثي وصالح نهائيًا، وإلا لوجدوا أنفسهم هناك عالقين منتظرين الخراب وحسب، وهو أتٍ لا محالة إذا استمر الوضع كما هو عليه.