أكثر من 60 دولة تقاتل تنظيم داعش ومازالت الولايات المتحدة الأمريكية تدعو دولاً أخرى للانضمام إلى أكبر تحالف عسكري ضد جماعة جهادية مسلحة في التاريخ الحديث.
التحالف الستيني الذي بدأ أولى ضرباته في الـ 19 من سبتمبر الماضي والذي شاركت فيه مئات الطائرات القتالية والتجسسية والرادارات والأقمار الصناعية وقادته الولايات المتحدة الأمريكية وشاركت فيه عدة دول عربية، كان هدفه القضاء نهائيًا على تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة المناطق التي سيطر عليها مسلحوه.
آلاف الطلعات الجوية التي راح ضحيتها أكثر من 10 ألاف قتيل حسب ما صرح به نائب وزير الخارجية الأمريكية توني بلينكين لصحيفة الديلي تلغراف في شهر يونيو الماضي ولم يزل التنظيم يشاكس الأمريكيين.
كل هذه الخسائر وتدمير مئات العربات المصفحة والدبابات وتعطيل أكثر من 20 في المائة من القدرات القتالية للتنظيم (إحصائية شهر فبراير) ومازالت الولايات المتحدة تحشد الدول لمقاتلته ومساعدتها استخباريًا.
فقد ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت يوم الخميس من أوزباكستان الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش تاركة الخيار للأوزباكيين في اختيار طريقة المساهمة في قتال التنظيم.
السؤال المطروح، ما هي الإضافة التي يمكن أن تقدمها دولة مثل أوزبكستان لهذا التحالف الستيني؟ وهل يمثل هذا الاستنجاد الأخير إعلان هزيمة له؟ وما هي الخطة المستقبلية للتحالف الدولي بعد عامه الأول؟
الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الدنمارك وغيرها من الدول شاركت في أكبر تحالف في التاريخ بترسانة عسكرية ضخمة وبإمبراطورية إعلامية موجهة بهدف القضاء على تنظيم ديناميكي حير كبار العسكريين والباحثين بسبب التكتيكات العسكرية التي ينتهجها والسياسة الإعلامية التي يوجهها.
كل هذه الدول القوية والغنية لم تغن الولايات المتحدة عن طلب الإعانة من دولة فقيرة نظامها شمولي وسلاح جوها ضعيف نسبيًا وكل ما يملكه طائرات روسية ورثها من الاتحاد السوفييتي يرى خبراء أنها لا تقدر إلا على حماية الحدود الأوزباكية.
فمنذ أول أيام القصف الجوي تواترت البيانات من الدول المشاركة تهنئ العالم وتبشره بقرب زوال “داعش” وأن الحرب محسومة إنما هي أشهر قليلة ويتخلص العالم من “الإرهابيين”.
كانت وكالات الأنباء في الأشهر الأولى تنقل الأخبار التي مفادها القضاء على عشرات المقاتلين من التنظيم واستهداف كبار قيادييه وتحطيم آلياته ومخازن أسلحته وغيرها من الأخبار التي كانت معظمها صحيحة ولم ينكرها التنظيم.
ولكن وبعد إسقاط الطائرة الأردنية في مدينة الرقة السورية وقتل قائدها معاذ الكساسبة حرقًا بطريقة وحشية بدأ التنظيم يُسمِع صوته وينفي ويرد ويتحدى ويدخل في حرب إعلامية كانت الأنجح في تاريخه بشهادة خصومه، ثم بدأت أمريكا توسع تحالفها وانضمت دول جديدة الى التحالف الدولي، فالتنظيم يتمدد رغم القصف الجوي والحرب الاستخبارية على الأرض.
في الحقيقة خاض داعش حسب العديد من المراقبين أذكى حرب استنزاف في تاريخه في الأشهر الأولى لبداية القصف؛ فقد تحصن عدة مقاتلين من التنظيم بمدينة عين العرب واتخذوا منها ساترًا وخاضوا ضد الفصائل الكردية المسلحة حرب شوراع دامت أربعة أشهر ألقت خلالها قوات التحالف مئات الأطنان من القنابل وشنت مئات الغارات من أجل استعادة مدينة كوباني.
ذكاء التنظيم كان بسبب استدراج التحالف في الأشهر الأولى لتكثيف القصف عليه وعلى مواقعه في عين العرب وريفها في حين تقوم عناصره في المدن الأخرى بقتال الفصائل المسلحة والجيشين العراقي والسوري بهدف انتزاع مدن جديدة وربح الوقت من أجل إخلاء مقراته وتغيير مخابئه وتغيير الخطط.
وفي الشهور الأربعة التي استغرقتها معركة عين العرب (كوباني) تعرض مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في البلدة وحولها إلى أكثر من 600 غارة جوية شنها التحالف موقعًا دمارًا هائلاً في البنية التحتية.
وأفادت إحصائيات نشرتها مواقع إخبارية استنادًا إلى صور من الأقمار الصناعية أجرتها الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 3 آلاف مبنى دمر وأصيب جراء الحرب والقصف.
وبعد استعادة المدينة الكردية كثف التحالف من وتيرة غاراته على المناطق الأخرى التي يبسط عليها التنظيم سيطرته ولكنه واصل تقدمه وانتزع تكريت ومناطق واسعة من الرمادي ومن بيجي قبل أن يستعيد بعضها الجيش العراقي المدعوم بالميليشيات الشيعية المسلحة.
القرار الأخير بطلب العون من أوزباكستان بالإضافة إلى التقرير الذي صدر في صحيفة نيويورك تايمز الأربعاء حول إجراء وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تحقيقات في احتمال لجوء مسؤولين عسكريين إلى إعادة كتابة تقارير استخبارية تقدم إلى الرئيس باراك أوباما لإعطاء نظرة أكثر إيجابية بشأن أداء التحالف العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ميادين القتال في سورية والعراق يؤكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن التحالف الدولي وإن نجح في حصد آلاف الأرواح من المقاتلين والمدنيين ودمر عشرات العجلات والسيارات وقتل قياديين كبار في التنظيم إلا أنه فشل في تحقيق أهدافه التي رسمها قبل بدء العمليات.
ففي الـ 19 من الشهر القادم يحتفل التحالف الستيني بسنته الأولى ولم يتمكن من القضاء على الدولة الداعشية والقبض على قاتلي الرهائن الغربيين وتقديمهم للعدالة، بل توسعت داعش وسيطرت على مناطق مختلفة في سوريا والعراق وعبرت الحدود وبايعتها فصائل مسلحة أخرى وانضمت تحت رايتها وقيادتها، بل إن مدنًا عراقية وسورية مثل الرمادي وبيجي وتدمر سيطر على معظمها التنظيم وطبق فيها أحكامه دون أن ننسى عاصمتيه السورية والعراقية “الرقة والموصل” اللتين مازالتا تحت سيطرته بالإضافة الى ما اعترف به المسؤولون في التحالف أن الـ 1000 مسلح الذين يقتلون شهريًا سرعان ما يعوضهم التنظيم بألف آخرين ينضمون إليه.
هذه المشاكل التي اعترضت التحالف سببها أن التنظيم بعد أن كانت قياداته العسكرية بعثية في نسخته العراقية أضيفت إليه قيادات عسكرية من كل أنحاء العالم بعد أن أعلن ما أسماه بالخلافة، وأغلب هذه القيادات المنضمة خبرت الحروب في المناطق التي شهدت توترات ونزاعات والبعض الآخر منهم كانوا أمنيين وعسكريين في جيوش نظامية.
لكن هذه الأسباب التي جعلت من الدولة الأقوى في العالم تخطب ود أوزبكستان الديكتاتورية والشمولية (والتي من المتوقع أن الأمريكان لم ولن يطلبوا منها أن تكون الاستعانة بهم لمشاركة سلاح جوهم بقصف أهداف محددة داخل العراق وسوريا بل الظاهر أنها إعانة استخبارية)، لم تكن الوحيدة بل زد على ذلك غرق المملكة العربية السعودية وحلفائها من المشاركين في التحالف الدولي في مستنقع الحرب في اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم لردع الحوثيين لتتشتت الجهود ولتصبح الستون دولة مشتتة الذهن، فحرب العصابات لا يمكن للطائرات أن تهزمها كما أن التدخل البري لا يمكن أن يكون الآن قبل الانسحاب الكامل من أفغانستان وإراحة الجنود وتهيئة الرأي العام الدولي والمحلي لحرب برية جديدة.
كما أننا اليوم أمام أغنى تنظيم “إرهابي” في العالم كما وصفه مسؤولون أمريكيون، فبعد أن كانت مفخخاته بالدراجات أصبحت اليوم بالهامرات وبعد أن كانت إصدارته تصور بالهواتف الجوالة أضحت اليوم بأحدث آلات التصوير الرقمية العالية الجودة.
التحالف الستيني اليوم في موقع هجوم ودفاع في آن واحد فرغم أنه لم يخسر طوال 11 شهرًا إلا طائرة واحدة لكنه في نفس الوقت خسر مئات الملايين من الدولارات وفقد المصداقية أمام شعوبه التي انتظرت أن ينتهي التنظيم في أشهر قليلة مثل ما حدث مع طالبان ومع نظام صدام حسين، لكن داعش خالفت التوقعات وصمدت وأسمعت وسُمِعت وسيطرت وتمددت لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية قائدة التحالف مجبرة على تغيير الخطة وتعويضها بالخطة “ب” التي ستكون بطلتها تركيا في الفترة القادمة.
فهل تغير تركيا النتائج وتقضي على التنظيم أم أنها ستدخل في حرب تدمر لها اقتصادها وسياحتها وتغرقها في أزمات سياسية لا تنتهي؟