“قاتل الفن والحضارات”، هكذا تُسميها الصحف العالمية، والاسم الأشهر لها هو “داعش”، الدولة الإسلامية في العراق والشام، إلا أن الصحف العالمية بدأت في مهاجمة داعش بعبارة “قاتل الفن والحضارات”، أو مُدمّر الإرث التاريخي، لما أصدره تنظيم الدولة من صور وفيديوهات على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهر فيها حربها الضروس على المتاحف والمعابد وعلى كل ما يتعلق بمقتنيات تحتفظ بها سوريا والعراق منذ آلاف السنوات، “مهد الحضارات يتم تدميره”، عبارة لازمت الصحف العالمية والعربية عقب إصدار تنظيم الدولة الفيديو المشهور لأفرادها، في فبراير من العام الجاري، وهي تقوم بتدمير معبد في الموصل – العراق، يعود عمره لستة آلاف سنة للحضارة الإخشيدية والأخمينية، صارخين “الله أكبر” عقب تكسير ما أطلقوا عليه اسم “الأصنام” إحياءً لمشهد نبي الله “إبراهيم” وتكسيره لأصنام قومه.
يقول أحد أفراد تنظيم الدولة في الفيديو “إن مادام أمر الله قد نفذ في تكسير هذه الأصنام، فيجب أن ندمرها، حتى لو تساوي بلايين الدولارات عند العالم، هذه الأصنام لم تكن موجودة في عهد الرسول “محمد”، لقد استخدمها الناس لعبادة الشيطان”.
لا ينتهي تنظيم الدولة من تدمير المعبد بين ليلة وضحاها، الأمر يأخذ أيامًا وأحيانًا يستغرق شهورًا، للحصار وتنظيم المتفجرات والحفريات حول المعبد، للتأكد من إحكام نطاق المتفجرات حوله ليتم تدميره بشكل كامل، لا أحد يستطيع الجزم بالمكاسب المادية التي تحققها داعش من تدمير المعابد والمتاحف الأثرية، إلا أن الصور التي تم التقاطها بالأقمار الصناعية وأقوال أفراد التنظيم أنفسهم توضح عمليات سلب موسعة من قِبل أفراد التنظيم لأقدم المتاحف في العالم، قبل أن يتم تدمير الموقع بأكمله.
لم تكن تلك سابقة من نوعها في تاريخ العراق في سلب الآثار قبل تدمير الموقع بأكمله، لقد شهدت العراق ذلك من قبل على يد قوات الغزو الأمريكي عام 2003، لكن ما يبدو مختلفًا هذه المرة، هو نظامية عمليات السلب والنهب والتدمير التي يقوم بها أفراد تنظيم الدولة للمناطق التي تقع تحت سيطرتهم في سوريا والعراق، حيث إن الصور التي يتم التقاطها بالأقمار الصناعية للمواقع الأثرية بعد تدميرها تبدو وكأنها من على سطح القمر، فقد تم محوها كليًا من على سطح الأرض.
تُقدّر “اليونسكو” بيع ممتلكات هذه المعابد والمتاحف ببلايين الدولارات، مما يجعل أصابع الاتهام تشير إلى أن هدف تنظيم الدولة الأساسي من تدمير تلك المواقع الأثرية هو الربح المادي، إذ تعتبر اليونسكو أن بيع تلك الآثار،عن طريق التجارة المباشرة وغير المباشرة، أحد أهم مصادر التمويل المادي التي يتلقاها تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
تقول ليندا ألبيرتسون، مديرة منظمة البحث العلمي للجرائم المُرتكبة ضد الفن لموقع Business Insider في حديث لها عن جرائم داعش الحضارية، إن المسروقات المنهوبة من المتاحف تعبر طريق التهريب غير الشرعي نحو تركيا ودول البلقان في أوروبا الشرقية ومنها إلى أوروبا الغربية، وأيضًا الولايات المتحدة وبريطانيا، وهما أكبر سوق تجاري للآثار المنهوبة من الشرق الأوسط.
تجعل القوانين العالمية لحظر التجارة غير المشروعة للآثار تصدير تلك المقتنيات صعبًا، ولكن ليس مستحيلًا، لا يوجد حتى الآن بلاغ بتهريب داعش للآثار المنهوبة من العراق وسوريا، لذا تُرجح اليونسكو أن الآثار يتم تهريبها بشكل فردي خاص، أو عبر وسطاء بين داعش والبلاد الغربية، على الرغم من ارسال العراق قائمة بأسماء ومواصفات الآثار المنهوبة من متاحف الموصل للمجلس العالمي للمتاحف وكذلك الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا توجد قطعة واحدة مُسجّلة من المسروقات في المتاحف الأوروبية.
المتحف الوطني العراقي 2014
حضارات العالم القديم تحت سيطرة داعش
مدينة “تدمر”، وباللاتينية “Palmyra” مملكة عربية قديمة، هي إحدى أهم المدن الأثرية عالميًا، تقع في وسط سوريا وتتبع لمحافظة حمص، هي مدينة ذات أهمية تاريخية، حيث كانت عاصمة مملكة تدمر وهي اليوم مدينة سياحية، تبعد 215 كيلومترًا عن مدينة دمشق إلى الشمال الشرقي منها، وتقع على بعد 150 إلى الجنوب الغربي من نهر الفرات، و160 كيلومترًا شرق مدينة حمص.
هذا ما كنت ستجده من معلومات قبل شهر عن “تدمر”، أقدم حضارات العالم، التي يعود اسمها للمخططات البابلية التي وُجدت في مملكة ماري السورية على نهر الفرات.
وتلك هي صورتها التي اعتاد السياح على القدوم لرؤيتها قبل الحرب السورية، إلا أن داعش كان لها رأي آخر في تدمر، حيث دمرت داعش أقدم المواقع الأثرية في العالم، في هذا الشهر من العام الجاري، وهو متحف بعلشميين، ليكون آخر ضحية من ضحايا حرب التدمير الثقافية التي تخوضها داعش على أقدم حضارات العالم، وصنفتها اليونسكو كجريمة حرب، تم التفجير يوم الإثنين الماضي بعد حصار دام شهر للموقع الأثري، ونشر التنظيم صور التفجير يوم الثلاثاء المصاحب للتفجير.
كان تنظيم الدولة قد استخدم مسرح تدمر الشهير من قبل لعرض عملية إعدام 25 فردًا من الجيش النظامي.
خالد أسعد
خالد أسعد، وزير الآثار لمدة 40 عامًا، كرس حياته لدراسة تاريخ الأمم السابقة، بل وتعلّم لغاتهم الفانية من أجل دراسة أعمق لماضي أمته، كرس حياته من أجل التاريخ كما يكرسها أفراد التنظيم في القتال طلبًا للجنة، كان لخالد أسعد شهرة عالمية في المؤتمرات الدولية للتاريخ، اتهمته “داعش” بالوثنية وأعدمته في المكان الذي وُلد وترعرع فيه، في مدينة تدمر، بسبب رفضه لكشف الكنوز التي تحتوي عليها المدينة ومتحف بعلشميين، اتهمه التنظيم بأنه مدير لمعابد الوثنية الكافرة، تم قطع رأسه وتعليق جثته على أحد أعمدة المعبد ووضع رأسه عند القاعدة.
بعد وضع العبوات الناسفة في كل أركان المعبد وعلى كل أعمدته استطاعت داعش تدمير أقدم معبد في العالم بعد حصار دام شهرًا كاملًا.
لا تقل آثار سوريا والعراق أهمية عن الآثار الفرعونية في مصر، تخيل لو قرر أفراد تنظيم الدولة تدمير وادي الملوك والملكات، أو إقتلاع تمثال أبو الهول من مكانه، أو تدمير معابد الأقصر المشهورة، أو تخريب وتدمير الأهرامات، جرائم مشابهة لذلك ارتكبتها داعش في المناطق التي تقع تحت سيطرتها في سوريا والعراق، استطاعوا تدمير تماثيل ظلت واقفة لملايين السنين، تم اختفاء مواقع أثرية مذكورة في الإنجيل نفسه من على وجه الأرض، تلك المدن التي عبرها الإسكندر الأكبر منذ قرون لا تستطيع الأقمار الصناعية التقاطها بعد الآن.
تم تدمير أسد “اللات”، التمثال الموجود منذ القرن الأول قبل الميلاد، والذي كان يعتبره الإخشيديون إله “مقت العنف”، والذي يقف في مدخل المعبد ومواجهًا للمدينة في صورة مقت أي شره أو صورة للدم داخل المدينة.
خريطة توضح الأماكن التي دمرتها “داعش” حتى الآن