في مشروع للتصوير الاحترافي “VSCO Artist Initiative”، ساهمت المصوّرة المصرية “نور الرفاعي” بلقطات لها عن المجتمع النوبي الذي يتواجد في جنوب مصر، في تصوير تقاليد وعادات ذلك المجتمع الذي يختلف عن بقية المجتمع المصري والتي احتفظ بها على الرغم من التغييرات الاجتماعية والسياسية التي شهدها ذلك المجتمع على مدار القرن الماضي.
النوبيون هم من أقدم الشعوب الحضارية في العالم، تمركزوا حول نهر النيل لآلاف السنوات منذ بداية وجودهم، فيما يُعرف الآن بجنوب مصر وشمال السودان، كانت النوبة القديمة تنقسم إلى ثلاث مناطق جغرافية وهى المنطقة الشمالية التى يسكنها النوبيون “الكنوز” وتشمل 17 قرية ويتحدثون اللغة الماتوكية، والمنطقة الوسطى ويسكنها العرب وتضم ست قرى ويتحدثون اللغة العربية إلى جانب تعلمهم النوبية، والمنطقة الجنوبية ويسكنها النوبيون الفاديجا وتضم 19 قرية.
تعرّضت النوبة لتغيرات جغرافية وسياسية غيّرت شكل خريطة مصر في بداية الستينات من القرن الماضي، إذ تعرّض أهلها للتهجير القسري وأُجبروا على إخلاء منازلهم وأراضيهم للرحيل إلى “كوم أمبو”، نظرًا لظروف بناء السد العالي على نهر النيل، ليبدأوا بعدها رحلة الشتات خارج أراضيهم، بدأ تهجير النوبيين في عام 1902 على فترات متقطعة عندما بدأ المصريون العمل في “خزان أسوان” لحل مشكلة فيضان النيل، إلا أن التهجير تم في صورته الكاملة في عام 1963، عندما بدأت الحكومة المصرية في العمل على بناء السد العالي، حيث تم تهجير 44 قرية نوبية، من مساحة 350 كم2، أكدّ عضور الجبهة المصرية النوبية خالد الزعفراني، على الشتات الذي عاشه النوبيون بعد تهجيرهم من أراضيهم، إذ إن المهنة الأساسية للنوبيين كانت الزراعة، وبعد أن تم تهجيرهم لأراضٍ صحراوية لا تصلح للزراعة، اضطر 90% من الشباب النوبي الهجرة لدول الخليج بحثًا عن العمل، وهربًا من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها، بعد أن صُنِفوا في مصر على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة.
عرضت المصوّرة “نور الرفاعي” لقطات مختلفة عن الحياة النوبية في بلاد النوبة الجديدة، صوّرت فيها العادات والتقاليد التي احتفظ بها أهل النوبة بعد مائة عام من التعرض للاضطهادات والحياة المُهمّشة التي فرضها عليهم المجتمع المصري.
الحاج إلياس وزوجته خارج أحد البيوت التي وفرتها الحكومة المصرية في “كوم أمبو” للمُهَجرين، تلك البيوت لا تناسب طبيعية الحياة النوبية ولا ثقافة النوبيين، وبعيدة عن نهر النيل الذي اعتاد النوبيون الحياة حول ضفافه.
الحاج “عيسى” وهو يلعب على آلة الدف، في غرفة يسميها غرفة الذكريات في وادي “توشكى”، جمّع فيها الآثار والتحف الفنية التي كان يمتلكها والده قبل التهجير.
تصل درجة الحرارة في “كوم أمبو” إلى ما يزيد عن الـ 45 درجة مئوية، فالوقوف في الشارع شبه مستحيل للبائعة الجائلين؛ مما يجعلهم يستظلون بالشجر بجوار بضاعتهم.
صبي يحمل عنزته في سوق السبت في “كوم أمبو”، حيث يشتري النوبيون احتياجاتهم الأسبوعية من سوق السبت المُسمى بسوق “كلاباشا”.
تجارة الفخار على وادي النيل، حيث تشتهر النوبة بصناعة الفخار وتشكيله أشكالًا عديدة، منها أوانٍ تحفظ ببرودة الماء.
صورة لبقايا قرية نوبية توضح شكل البيوت النوبية الأصلي.
سيدة نوبية تجلس في باحة المنزل الذي يتكون من غرف تطل على باحة واسعة في وسط المنزل، ممسكة بالنرجيلة “الشيشة” في يدها وبجوارها حفيدتها.
تمتلك سيدات النوبة الماشية، وتحيطها برعايتها اليومية، كما تمنحها بقايا طعام الأسرة اليومي كما في الصورة.
جزيرة “سهيل”، إحدى الجزر في غرب أسوان، التي رحل إليها المُهجَّرون الذين رفضوا البيوت التي عرضتها عليهم الحكومة المصرية في “كوم أمبو”.
تحتوي جزيرة سهيل على العديد من المقتطنيات الفنية التي يأتي السائحون لرؤيتها، منها لوحة “المجاعة”؛ وهي لوحة منحوتة وجدت بالقرب من أسوان، والتي تتحدث عن سبع سنوات من الجفاف والمجاعة في عهد الملك زوسر، في الجزء العلوي من اللوحة، يقدم زوسر القرابين لثلاثة آلهة مصرية خنوم وساتيس وأنوخيت، كما يُعتقد أنها نحتت في عصر البطالمة.
يعمل معظم الرجال في جزيرة “سهيل” بالسياحة، حيث يأتوا بالسائحون من مدينة أسوان ويعرضوا عليهم جولة بالجزيرة التي تحتوي على العديد من الفنادق السياحية والمناطق الأثرية، كما يعرض عليهم أهل الجزيرة الضيافة في منازلهم الخاصة.
لوحة المجاعة
“التأمين الصحي لأهل الجزيرة هو حب الجميع لبعضهم ورعاية بعضهم البعض”، كسر محمد ذراعيه أثناء لعب كرة القدم، ساعده أهل الجزيرة في توفير المال اللازم لإجراء العملية الجراحية لتصحيح الكسر، حيث لم تستطع والدته بمفردها تحمل التكاليف.
السباحة في نهر النيل في جزيرة “سهيل”.
صبية تُمسك بيد جدتها في قرية “حيصا”، إحدى القرى التي لم يتركها أهلها وقت بناء السد العالي، حيث تم غمرها تمامًا بمياه الفيضان.
لم يترك أهل حيصا قريتهم بل أعادوا بناء بيوتهم في مستوى أعلى من مستوى المياه، لا يتعرض أهلها وبخاصة الأطفال إلى السائحين أو الغرباء، يتحدث أهل الجزيرة اللغة النوبية، يندر التحدث باللغة العربية بين كبار السن، ويتعلم الأطفال اللغة العربية عند وصولهم سن العاشرة، حيث يكون باستطاعتهم الدخول إلى المدرسة التي تبعد عن الجزيرة الكثير من الكيلومترات، لذا لا يدخلها الأطفال إلا عندنا يستطيعون المشي بمفردهم مسافات طويلة.
يذهب رجال جزيرة “حيصا” للعمل معظم اليوم في أسوان، تاركين الجزيرة للنساء والأطفال.
سيدة نوبية تغسل سجادها في مياه النيل أثناء سباحة ابنها، النظافة صفة أساسية في المجتمع النوبي بسبب حياتهم بجوار مياه النيل المتجددة والنظيفة دائمًا.
فتاة نوبية تنتظر نقوشات “الحنّا” لتجف
فن نقش الحنّا مشهور جدًا في جنوب مصر وبخاصة النوبة، تُستخدم الحنّا على الأيدي والقدم وأجزاء مختلفة من الجسم، يجتمع النساء قبل كل حدث أو مناسبة كالزواج أو ولادة مولود جديد لنقش الحنّا على أيديهم وأرجلهم، يعتبر النوبيون الحنّا من أكثر الفنون قربًا وودًا لهم.
العرس النوبي يحتاج أربعة أيام لدعوة الأصدقاء والأقارب، يتم دعوة كل القرى النوبية لحضور العرس، وتفتح البيوت أبوابها لاستقبال المعزومين وأصدقاء العريس.
يقوم المجتمع النوبي على قوة الروابط الاجتماعية بين الناس، ويمثل الزواج أقوى رابطة بين عائلتين، يتجمع الأصدقاء والضيوف في البيوت حتى تمتلأ، يقضون الوقت سويًا قبل العرس بأيام
قبل غروب شمس العرس، ينتظر “شلاوي” الضيوف القادمين من غرب الجزيرة عن طريق النيل.
سيدة نوبية تفسح مكانًا للضيوف القادمين للعرس عن طريق نقل الماعز لمكان آخر.
أقارب العريس يساعدون والدته في تحضير الطعام للضيوف، حيث يتم تحضير كميات كبيرة من الطعام في يوم العرس، يتم ذبح الماشية وتقديمها لأهل العريس والعروس.
النوب في اللغة المصرية القديمة يعني الذهب، كانت في النوبة أهم مناجم الذهب الذي شيد بها الفراعنة المعابد والقصور، على الرغم من مرور تاريخ مصر باحتلال مختلف الثقافات لها بداية من الهكسوس وحتى زمن العثمانين وصولًا بالاحتلال الغربي، ومحاولة الغزاة تغيير ثقافات المجتمع المصري ومحاولة التأثير عليها وأحيانًا طمسها، إلا أن أهل النوبة ظلّوا متمسكين بثقافتهم ولغتهم الخاصة بهم، من المألوف سماع أغاني الأعراس باللغة النوبية حتى يومنا هذا في جنوب مصر، على الرغم من تجاهل السلطات المصرية لمطالب أهل النوبة، واستمرارها في حصرهم في هامش المجتمع المصري وتصنيفهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، وتجاهل كل مشروعات التنمية من مدارس ومستشفيات ومراكز ثقافية وطرق للمواصلات في الجنوب المصري، إلا أن المصريين لم يعانوا من ردة فعل عنيفة من المجتمع النوبي حتى الآن.
لم يكن الرحيل مقبولًا عند النوبيين، ولم يكن طمس حضارتهم الثقافية أمرًا سهلًا عليهم، لذا بقيت قضية النوبة من أخطر القضايا التي لها صدى واسع في مصر، في مناسبات كثيرة كانت القضية مطروحة للنقاش سواء فى دورات متعاقبة لمجلس الشعب السابق أو فى سياسات حكومات مختلفة اتفقت جميعها على حجم المشكلة واتفقت أكثر على تجاهلها.