منذ انتهاء الحرب الأخيرة على قطاع غزة في يوليو 2014، أثبت الشباب الفلسطيني أنه لا يقاوم الاحتلال فقط بالسلاح، وأن ضرب الحجارة على الدبابات لا يُكلّف العدو شيئًا إلا مزيد من الرصاصات تزهق أرواح مزيدًا من الشباب الفلسطيني، أثبت الشباب أن للمقاومة شكلًا آخر غير السلاح والحجر، وغير المظاهرات السلمية وغير السلمية، وإنما هناك أشكال عديدة لمقاومة ما فرضه عليهم المُحتل من أساليب حياة معينة لا يتم الخروج فيها عن الحدود التي رسمها الإسرائيليون، وهذا لا يقلل من أهمية المقاومة المُسلحة، إنما يلمس وبشدة حرية الشاب الفلسطيني على أرضه وشعوره بالتمرد على كل القيود التي قيّد بها العدو الصهيوني حياته، يرى الشباب أن التمرد هو وسيلة من وسائل المقاومة إن كان في صالح حرية الشعب، فهو وسيلة للهروب من حروب الضغط النفسي التي تلعبها إسرائيل منذ أكثر من 65 عامًا.
بدأ شكل المقاومة الجديد من غزة عن طريق الأنفاق السرية تحت الأرض، وهي طريقة جديدة لتهريب السلاح والمؤن من الأراضي المصرية إلى داخل القطاع، بدأ استخدام الأنفاق في عام 1989 كوسيلة لتهريب أو تخزين احتياجات المقاومة من سلاح واحتياجات الشعب من المؤن الغذائية والطبية، وكوسيلة من وسائل المقاومة غير المباشرة مع العدو.
أنواع الأنفاق
الأنفاق الهجومية: والتي تستخدمها المقاومة لتنفيذ عمليات احتكاك مباشرة مع الاحتلال على مسافة صفر.
أنفاق الإمداد: وهي التي تستخدمها المقاومة لتزويد عناصرهم بالسلاح والعتاد والمؤمنة، أو التي يتم من خلاها تهريب السلاح عبر الأراضي المصرية.
أنفاق التخزين: التي تقوم المقاومة بتخزين الصواريخ والعتاد داخلها وعادة ما تكون هذه بعيدة عن مناطق التماس مع العدو في وسط المدن.
نحن لا نقاوم بالسلاح، بل بالتزلج
“معن حماد”، الفلسطيني الأمريكي الذي وُلد في فلسطين وترعرع في الولايات المتحدة قرر عند عودته للضفة، أنه لن يقاوم الاحتلال بالحجارة أو بالسلاح ولا بالاشتراك في المظاهرات، بل قرر هو ومن معه من شباب الضفة الغربية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالتزلج.
يقول معن لموقع “ميدل إيست آي” إن رياضة التزلج بالنسبة إليه هي شكل من أشكال التمرد، فقد كان في صغره يستخدمها كوسيلة للتخلص من الضغط النفسي الواقع عليه، أو لمكافأة نفسه على إنجاز حققه، أما في الضفة الغربية فيقول معن إن الشباب الفلسطيني قد واجه حربًا نفسية أكثر مما قد واجه هو في حياته في الولايات المتحدة، لذا وجد عند عودته للضفة أن شباب فلسطين يستخدمون رياضة التزلج بنفس الغاية، وهي مقاومة الضغط النفسي، كما يشير معن في فيلمه الوثائقي الذي عرض فيه رياضة التزلج في الشوارع الفلسطينية إلى أن الشباب يريد أن يتمرد على كل ما فرضته إسرائيل من قيود على حياتهم، فهم يمارسون الرياضة التي منعتها إسرائيل عليهم، فليس من السهل الوصول لمستلزمات رياضة التزلج أو ألواح التزلج في الضفة الغربية، نظرًا لمنع إسرائيل لها لدواعٍ أمنية.
كما أن مشهد تزلج الشباب في مدينة “القلقيلية”، أكثر المدن المحافظة في الضفة الغربية، يُعدّ تمردًا بحد ذاته بحد قول معن، فالشباب يتمردون ليس فقط على أنفسهم بل على مجتمعهم الذي لم يعتاد مثل هذه الرياضات، كما يوضح معن أن لا فرق بين الفتاة والشاب في تلك الرياضة كما يحصرها المجتمع الأمريكي على الذكور فقط، فقد رأى بعض الفتيات أكثر إقبالًا على تلك الرياضة من الشباب.
لم يسمع معن عن رياضة التزلج في غزة، نظرًا للحصار الذي تطوقه إسرائيل حول القطاع، والذي يمنع وصول مستلزمات العديد من الرياضات إلى غزة.
الفيلم الوثائقي الذي صوّر فيه “معن حماد” رياضة التزلج في شوارع الضفة الغربية
رياضة الباركور
هي مجموعة حركات يكون الغرض منها الانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب بأكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة، وذلك باستخدام القدرات البدنية.
المقاومة في الهواء لا تكون فقط بالطائرات أو الصواريخ، استطاع شباب غزة من فوق مخلفات الدمار الباقية من الحرب الأخيرة في يوليو 2014 إبراز شكلًا آخر من أشكال مقاومة الحرب النفسية، وهي رياضة الباركور.
“الباركور يجعلنا أحرارًا، هذا الشيء الوحيد الذي يهوّن علينا الوضع في غزة”، أحد اللاعبين في مجموعة PK الخاصة برياضة الباركور في غزة.
محمد قريقع: المقاومة بريشة فنان
“محمد قريقع”، طفل برتبة فنان، في الثانية عشر من عمره، يجسد بريشته الملامح الجميلة للطفل الفلسطيني وأحلامه، كما يظهر الجانب الإنساني في معظم لوحاته التي يجيد إتقانها بألوان الزيت، يقول محمد “أرسم ما يجول في خاطري وما أراه بعيني، وأركز في كل رسوماتي على أحلامي كطفل وأحلام الأطفال الفلسطينيين، وأرسم الشهداء والأسرى والجرحى، فأنا ابن فلسطين ومهتم بإظهار صورتها الجميلة، كان محمد من ضمن أفضل عشرين شخصية تحت سن العشرين لعام 2014، كما حصل على العديد من الجوائز الدولية كدرع مهرجان المحرس للفنون التشكيلية من تونس.
الراب الغزاوي: مقاومة بالغناء
استخدام الراب مع روح المقاومة كوّن فرق شبابية تقاوم باللحن والغناء، تغني بالمقاومة ووضع الشباب الفلسطيني في دقائق معدودة، منها فرقة MC GAZA.
جرافيتي فلسطين: وأصبح للجدران أعين
زيادة على الروح الثورية التي جاء بها الربيع العربي، فقد ظهرت موجة جديدة من الثورة تمثلت في الرسوم الجدارية أو ما يعرف بفن “الجرافيتي”، وبرغم اعتياد الشعب الفلسطيني للكتابة على الجدران في شعارات معادية للاحتلال الإسرائيلي وأخرى تؤكد على حقه في الحرية، إلا أن “الجرافيتي” فن مختلف، ظهر مؤخرًا على جدران الشوراع في المدن الفلسطينية مثل رام الله والقدس، ليعبر عن حالة جديدة تجتاح الأراضي المحتلة التي وصلها تأثير الربيع العربي بطريقته الخاصة.
ويمتاز جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في أراضي الضفة الغربية وقرب الخط الأخضر، بانتشار الرسومات التي تحمل في ألوانها وخطوطها الهم الفلسطيني على طول هذا الجدار في حالة تعبير فريدة من نوعها تؤكد على رفض الفلسطينيين لهذا التقسيم الذي قرره الاحتلال، وقد شارك فنانون عرفوا ببراعتهم في فن الرسم الجداري بإبداعهم على هذا الجدار مثل الفنان البريطاني المجهول بانسكي والذي بلغ رصيده من الرسوم على هذا الجدار تسعًا.
أحد لوحات بانكسي، الفنان مجهول الهوية، في آخر رحلاته لقطاع غزة، لوحة تعبرعن برج مراقبة إسرائيلي كان قد حوله إلى أرجوحة مدينة ملاهي للأطفال الصغار.
المقاومة ليست فقط بالسلاح، وليست فقط بهدف تحرير الأرض، المقاومة أساسها تحرير الإنسان قبل الأرض، هذا ما أكده ويستمر على تأكيده الشباب الفلسطيني في مختلف أنواع المقاومة غير المسلحة وغير المباشرة مع العدو الصهيوني، بدون سلاح أو حجر، الحرب النفسية تظل سجالًا بين إسرائيل وفلسطين، ويستمر الفلسطنيون في مقاومتها بشتى الوسائل.