يُجمع أغلب المتابعين للوضع الجزائري على أن المعارضة لم تفلح في الاجتماع حول مشروع واضح، يمنحها زخمًا تقوى به على النظام، الذي ظل متماسكًا لعقود رغم كل الهزات، تشتت أيديولوجي، وتشتت آخر ضمن نفس العائلة الأيديولوجية، أفضى لما يُشبه السبات الدائم.
ولئن كان دائمًا فصل الصيف في الجزائر وغيرها فصل ركود سياسي، أخذ نظام الرئيس بوتفليقة المبادرة في أكثر من مرة، سواء فيما تعلق بالإصلاحات الدستورية التي لم تر النور بعد، أو التغييرات التي أحدثها في أحزاب الحكم أو أجهزة الدولة الأمنية، واكتفت المعارضة ببعض ردود الفعل تعليقًا وتقييمًا دون أن تقدم بديلًا حقيقيًا.
وبشكل متزامن، جدد عدد من أحزاب المعارضة توصيفهم لوضع البلاد الذين يعتبرونه هشًا، في حين مضى بعضهم نحو التهديد بالنزول إلى الشارع لفرض التعاطي الإيجابي للسلطة مع مطالب الإصلاح والتغيير، وهو ما تمت قراءته على أنه مراهنة على خريف وشتاء احتجاجيين، خاصة مع الوضع الصعب الذي يشهده الاقتصاد الجزائري كنتيجة لانخفاض أسعار البترول، ومع العودة المدرسية وما يرافقها من ضغط مالي على مختلف الشرائح الاجتماعية.
حمس: السلطة فشلت ولم تعتذر
في هذا السياق، دعت “حركة مجتمع السلم” السلطة، أمس، إلى الاستعداد للتغيير والتصحيح وفق الرؤية الاستشرافية والآليات المقترحة في وثيقة مازفران، التي وضعتها أحزاب المعارضة، والتي تطعن في شرعية المؤسسات، وتدعو إلى إقرار مرحلة انتقالية، مع تنظيم انتخابات مسبق، وهو ما تعتبره حمس كفيلًا بإنقاذ البلد من الانهيار دون تكاليف ولا أثمان.
وجاء في بيان لمكتبها التنفيذي الوطني، المنعقد الإثنين، أن الحركة استغربت بشدة تصريحات الوزير الأول وتوجهات الحكومة، إثر اعترافه بوجود أزمة اقتصادية واجتماعية وتعبيره عن الاستعداد للرجوع للاستدانة، وقالت إن الوزير أدلى بهذه التصريحات دون أي اعتذار عن هذا الفشل الواضح ودون تقدير لعمق الأزمة، التي لن تنفع معها الترقيعات المعلنة وسياسات الهروب للأمام، واعتبرت حمس تصريحات سلال اعترافًا صريحًا بالفشل في تسيير البلاد، ودعته إلى إعادة تقييم الموقف والدخول في مرحلة تغيير سياسي.
تنسيقية المعارضة تطرح إمكانية النزول إلى الشارع
من جهتها، أدرجت تنسيقية المعارضة النزول إلى الشارع ضمن مقترحات اجتماعها، المنعقد أول أمس بمقر حركة النهضة، الذي أفردت فيه حيزًا كبيرًا للتحذير من الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي الذي تمر به البلاد، مجددة دعواتها إلى السلطة بضرورة الإسراع في تنظيم انتقالًا ديمقراطيًا.
وتشير آخر التقارير الواردة من الجزائر إلى أن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي تدرس إمكانية تنظيم تجمعات وندوات جهوية في إطار العمل الميداني وذلك في غضون الأسابيع المقبلة، لتعريف الشارع بالوضع الذي تمر به الجزائر.
واعتبرت التنسيقية في بيانها الختامي أن ما أسمته اعتراف السلطة بفشلها في تسيير الشأن العام للدولة والوعود التي أطلقتها في عدة استحقاقات واللجوء إلى الحلول الترقيعية، ما هي إلا مناورة لربح الوقت واستغفال الشعب ومزيد من التعقيد للأزمة، عوضًا عن تحمل مسؤولية الفشل وإرجاع الأمانة للشعب.
ودعت تنسيقية المعارضة السلطة للشروع في التفاوض على الانتقال الديمقراطي؛ لتجنيب البلاد المخاطر المحدقة بها اليوم، خاصة وأن الوضع الخطير الذي آلت إليه يؤكد صدق طرح التنسيقية المتُضمن في أرضية مازفران، والداعي إلى استعجال حلًا سياسيًا تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية في البلاد.
وحذر قادة التنسيقية من تسارع وتيرة تدهور الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الجزائر نتيجة حالة الشلل التام، والاستقالة الميدانية لهرم مؤسسات الدولة من تحمل تبعات ما يجري في البلاد؛ باستخدام سياسة الهروب إلى الأمام واستنزاف قدرات البلاد المادية والمعنوية، بما يهدد بتفكيك البنية التحتية للدولة الجزائرية وجعلها في أجندة الأطماع الخارجية.
اتفاق في مضامين الجامعات الصيفية
وعلى صعيد آخر، اجتمعت أحزاب معارضة أخرى في ختام جامعاتها الصيفية على أن البلاد تحتاج تغييرًا، إذ نددت حركة النهضة بما أسمته سياسة الغلق والانفراد التي تقوم بها السلطة، حيث اعتبرت تلك السياسيات خطرًا على مستقبل الحياة السياسية في البلاد، محملة إياها مسؤولية انعكاسات ذلك، وثمنت النهضة دور المعارضة، خاصة ما تقوم به تنسيقية الانتقال الديمقراطي وهيئة التشاور، داعية السلطة إلى فتح حوار حقيقي من خلال مؤتمر جامع بين السلطة والمعارضة، ينتهي بتحقيق انتقال ديمقراطي سلس يعزز الحريات، كما حملت السلطة مسؤولية انعكاسات تدني أسعار البترول في الأسواق الدولية، واعتبرت الحكومة مسؤولة بشكل مباشر على الوضعية الاقتصادية وتدني مؤشرات النمو بسبب غياب الرؤية الاقتصادية.
وفي السياق ذاته، دعت جبهة الجزائر الجديدة الحكومة إلى الأخذ بزمام المبادرة؛ وذلك بتحويل نقمة انخفاض أسعار البترول إلى نعمة من خلال التحرر النهائي من تبعية البترول، مناشدة رئيس الجمهورية طرح مسودة دستور تكون جامعة لجميع أطياف المجتمع، مع الأخذ بكل المقترحات التي تؤدي إلى بناء نظامًا قويًا.
المعارضة الجزائرية كعادتها إذن تتفق في التوصيف، لكنها في كل مرة تعجز عن تحويل هذا الاتفاق إلى تكتل سياسي جامع ذي وزن، قادر على إحراج السلطة، وأيَا كان المدى الذي يمكن أن تبلغه أمواج المطالبة بالتغيير، تحتاج الساحة السياسية الجزائرية للقطع مع سياسة التشرذم، وسواء نجحت المعارضة في تحريك الشارع أم لا، آن لها أن تؤسس لآليات عمل مشترك تفرض بها على السلطة أن تحترمها.