“سنتحرك حالًا!” .. ما الذي يحمله المهاجرون معهم في البحر؟

ترجمة وتحرير نون بوست
للنجاة والبقاء على قيد الحياة في خضم مقاساتهم لأيام المشي والتخييم البدائي الطويلة، يجب عليهم أن يركزوا على إحضار الأساسيات، كأدوية تسكين الألم، مسحوق لمعالجة تقرح الأقدام، الإسعافات الأولية، المواد الغذائية، ومستلزمات النظافة الشخصية، أما الأشخاص الحذقين فقد يحضرون معهم هاتفًا ذكيًا مع بطارية احتياطية وشريحة تعمل في البلدان التي سيمرون بها، لأنهم بدون مساعدة نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية GPS، قد ينتهي بهم الأمر للسير في دوائر مفرغة، وخاصة في الليل، وهي الوقت المفضل للكثيرين للسفر لتجنب الوقوع في قبضة الشرطة.
يضطر عشرات الآلاف من المهاجرين، الذين يقضون أسابيعًا متنقلين على أقدامهم وبالمركبات والقوارب بغية الوصول إلى أوروبا وهربًا من الحرب والاضطهاد والفقر، إلى حساب وزن ما يحملونه معهم في حقائبهم الشخصية بعناية ودقة، وعادة ما يحمل الرجال الخيام وأكياس النوم، بينما تحمل النساء الأطفال الرضع.
رغم أن معظمهم يترك أمتعته الشخصية خلفه مع أقاربه على أمل استردادها في وقت لاحق، يعمد البعض أحيانًا إلى جلب حفنة من مقتنياتهم الشخصية إلى الطريق الطويل، وهنا حاولت وكالة الأسوشيتد برس الاستفسار من المهاجرين الذين يعبرون الحدود من صربيا إلى هنغاريا (المجر) عن الأغراض التي يحملونها معهم، وعن الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة لهم من بين تلك المقتنيات.
وفاء بقاعي، 25 عامًا، طالبة
بانتظار شقيقها للقدوم إلى المخيم الصربي للمهاجرين لعبور الحدود، عرضت علينا بقاعي مقتنياتها التي تتميز بسمتها الوجدانية والعاطفية، وصورًا توثق ماضيها الذي عاشته في دمشق- سورية.
رغم أنها تركت كل شيء تقريبًا خلفها مع أقاربها، بيد أن بقاعي تقول بأنها جلبت معها ركائز عاطفية لتحافظ على نبض الحياة في ذكرياتها، “وطني تدمّر ولم يعد آمنًا”، تقول بقاعي، وتضيف “تركت كل شيء، بيتي، ملابسي، أصدقائي وعائلتي”.
على عكس العديد من المهاجرين على الأقدام، الذين يحملون صورهم الثمينة إلكترونيًا فقط على هواتفهم الذكية، تقلّب بقاعي الصور الحقيقية من خلال ألبوم صور طفولتها، والذي يضم صورها بالزي المدرسي، وصور رحلاتها مع الأسرة إلى الشاطئ السوري.
على الرغم من انعدام قيمتها النقدية، بيد أن أغلى مقتنيات بقاعي، تتمثل بصدفة المسقلة التي اشترتها في شبابها من السوق الذي يقع بحانب قلعة دمشق الأثرية التي تعود إلى العصور الوسطى، فهذه الصدفة تنقل عقلها ووجدانها إلى القلب النابض لدمشق القديمة، وإلى سوق الحميدية الطويل في قلب جدران المدينة القديمة للعاصمة السورية.
“أتذكر دمشق في كل مكان، وفي كل مدينة أذهب إليها” تقول بقاعي بينما تقبض على الصدفة بيديها.
محمد العبد الله، 36 عامًا، مهندس معماري
“لن أذهب إلى أي مكان دون قرآني”، يقول محمد العبد الله من سكان بغداد، والذي أمضى ثلاثة أسابيع مسافرًا مع نجله بشار البالغ من العمر 17 عامًا، من العراق إلى الحدود الهنغارية عبر تركيا واليونان والبلقان، “أصلي كل يوم الصلوات الخمسة المفروضة، وأقرأ القرآن على ضوء القمر”.
يفتح العبد الله حقيبته ويسحب منها نسخة من القرآن الكريم بحجم كف اليد، الغلاف بالٍ ومتجعد جرّاء تلفه من مياه الأمطار التي أغرقته طول مسيرتهم، وبعض الصفحات ملتصقة ببعضها وبالكاد تستطيع فتحها دون تمزيقها، ولكن مع ذلك، يفتح العبد الله الكتاب الكريم بحذر شديد، ويقرأ المقطع المفضل من القرآن لنجله بشار.
ولكن بالنسبة للأخير فإن والده بطئ جدًا، وللدلالة على ذلك يسحب بشار هاتفه الذكي، ويفتح تطبيق القرآن الكريم، ويجد ذات السورة في غضون ثوانٍ، “صفحاتي لا تتلف ولا تتمزق بتاتًا”، يقول بشار.
مقداد مرعي، 25 عامًا، مصمم رسومات على الحاسوب
المهاجر المولود في دمشق، قضى حتى الآن أسبوعين مسافرًا من مخيم اللاجئين في تركيا إلى هنغاريا على أمل الوصول إلى ألمانيا، وبالنسبة لمرعي، ألمانيا لا تمثل فقط أقوى اقتصاد في أوروبا، بل إنها أيضًا المكان الذي يأمل أن يعالجه من تحدياته الصحية.
في حقيبته الصغيرة للغاية، يحمل مرعي مجموعة واسعة من المسكنات، والأهم من ذلك، يحمل دعامة للعنق، وهو يعزو آلام ظهره المزمنة، بما في حالة الانزلاق الغضروفي التي يعاني منها، للساعات الطويلة التي قضاها خلف المكتب أثناء دراسته في مصر وعمله في تركيا.
“تركيا بلد جيد، ولكنه لا يدر إلا القليل من المال، وأنا بحاجة للمزيد من المال لمعالجة مشاكلي الصحية” يقول مرعي أثناء ارتداءه لدعامة الرقبة، التي يستخدمها بالغالب عند محاولة النوم في الخيمة المكتظة مع مجموعته التي يسافر ضمنها، ويضيف قائلًا “آمل أن يكون الدواء أفضل في ألمانيا، كما آمل بأن يكون الأطباء أفضل، بحيث يمكنهم مساعدتي”.
حسين الشمالي، 20 عامًا، طالب
في حقيبته، يحمل الطالب الجامعي من مدينة إدلب في الشمال السوري ما يأمل أن يكون مفتاح نجاحه في المستقبل، سجلات ووثائق التعليم الذي حصل عليه.
الشمالي يفتح بعناية الأكياس الواقية من المياه التي يستخدمها لحماية هويته المدرسية القديمة، وثائقه الأكاديمية، وشهادة التعليم الثانوي بالفرع العلمي، ويأمل عندما يصل إلى ألمانيا، أن يعترف النظام الجامعي هناك بسنوات دراسته الثلاثة باختصاص الهندسة المدنية، ليسمح له باستكمال دراسته ما بعد الجامعية في اختصاص الطب.
“لا أعرف حقًا الكيفية التي سيتعاملون بها مع شهاداتي، ولكنني آمل أن تكون هذه الأوراق كافية”، يقول الشمالي مشيرًا إلى عدة صفحات مطوية بدقة مكتوبة باللغة العربية.
يأسف الشمالي بشدة لوقوع الحرب الأهلية في سورية والتي اضطرته لإنهاء تعليمه قبل التخرج، ويأمل أن يستطيع العودة إلى سورية في يوم من الأيام كطبيب، ولكنه يقول بأن أفراد الأسرة الذين مولوا رحلته من تركيا إلى هنغاريا عبر اليونان والبلقان، يتوقعون منه أولًا أن يرسل لهم المال من ألمانيا، وهذا يعني بأن تعليمه يجب أن يتزامن مع حصوله على وظيفة في المقام بمستشفى بألمانيا، وذلك إن كان هذا مسموحًا وفق النظام الألماني، كما يأمل الشمالي.
“الكثير من الأشخاص أنفقوا آلاف الدولارات لكي أصل أنا إلى هنا”، يقول الشمالي الذي كان يتصبب عرقًا أثناء عبوره لمركزين بسيطين يحددان الحدود بين صربيا وهنغاريا، ويردف قائلًا “لا بد لي من رد الجميل، هذا ما يتوقعونه مني”.
بيهات ياسين، 45 عامًا، راعي أغنام
الكردي، الذي يعيش ما بين سورية والعراق في سعيه خلف قطيع أغنامه، يقول بأنه كان محظوظًا لفراره غربًا قبل وصول تهديد الدولة الإسلامية، “أنا واثق بأن العديد من أصدقائي هم في عداد الموتى اليوم” يقول ياسين، وهو، على عكس العديد من المسافرين الذين التقيناهم، لا يحمل هاتفًا ذكيًا ولا يتمتع بمهارات وسائل التواصل الاجتماعية للبقاء على اتصال مع عائلته.
يحمل ياسين معه أداة الرعي، المتمثلة بعصا من العظم ملونة وطويلة كان يستخدمها غير ما مرة لسوق أغنامه، ولكنه الآن يستخدمها ببساطة للوقوف مستويًا على قدميه في خضم رحلة السبع ساعات عبر الحدود من صربيا إلى هنغاريا.
“اليوم أصبحت أنا الخروف الذي أتبع غيري، ويجب عليّ أن أمشي بشكل أسرع الآن” قال ياسين بلهجة ألمانية مكسّرة، مشيرًا إلى مجموعة كبيرة من الشباب الأكراد، أغلبهم في سن المراهقة، لحق بهم ابتداءً من تركيا.
محمد زماني، 26 عامًا، مدرّس رياضيات للمرحلة الثانوية
زماني كان يحمل حقيبة كاملة مليئة بالأغراض الشخصية عندما غادر من منزله في شيراز- إيران، منذ حوالي الشهر، تضم ملابسًا، لوازم استحمام، عقدًا من الذهب، وساعة.
ولكنه فقد حقيبته الآن، وحصل ذلك أثناء تهريبه مع حوالي 40 شخصًا آخرين ضمن مركبة داخل تركيا، حيث توقف سائق المركبة فجأة عندما واجه الشرطة، وأمر الجميع بالنزول، وعقب نزولهم، انطلق السائق بسيارته حاملًا معه العديد من حقائب عملائه، بما في ذلك حقيبة زماني.
“إنني أرتدي ذات الملابس منذ ثلاثة أسابيع، إنه لأمر فظيع”، يقول زماني الذي يرتدي قميصًا أزرق، فوق فانيلة قطنية بيضاء وبنطال من الجينز، ويوضح أنه وصل إلى هنغاريا يوم الأحد كجزء من مجموعة كبيرة من الإيرانيين، تضم أزواجًا مع أطفال صغار، استطاعوا جميعًا الزحف تحت الأسلاك الشائكة على حدود هنغاريا هاربين من قبضة الشرطة في صباح ذلك اليوم، ولكن نتيجة لإرهاقهم واستنفادهم لطاقتهم جرّاء موجة الحر الخانقة لشهر أغسطس، سلموا أنفسهم للسلطات الهنغارية، وتقدموا هناك بطلب لجوء، رغم أنهم جميعهم لا يرغبون بالبقاء في هنغاريا، حيث يأمل زماني بأن ينتهي به المطاف للتدريس في بلجيكا.
يحمل زماني على إصبعه أغلى مقتنياته، وهو خاتم من الفضة والحجر الأسود أهداه له شقيقه الأكبر، مجتبى، في عيد ميلاده الـ25، “أخي توفي الآن” يقول زماني، ويضيف “توفي العام الماضي في حادث سيارة، وليس لدي إخوة أو أخوات سواه، وهذا الخاتم هو أغلى ما أملك”.
المصدر: الأسوشيتد برس