مصير تشكيل القوة العربية المشتركة كأحد توصيات القمة العربية الأخيرة في مصر ما زال مجهولًا حتى اللحظة، خاصةً مع التطورات الإقليمية الحادثة، كذلك بعد أمر استنجاد حكومة طبرق في ليبيا بالجامعة العربية للتدخل العسكري ضد داعش، وما أثاره ذلك الأمر من تبعات خلافية بين القوى الإقليمية العربية.
مؤخرًا تقرر تأجيل موعد اجتماع وزراء الخارجية والدفاع العرب، والذي كان يستهدف توقيع بروتوكول لإنشاء القوة العربية المشتركة، الذي تجددت الدعوة لتفعيله في الجامعة العربية نهاية الأسبوع الماضي، بناء على طلب حكومات عربية عدة على رأسها مصر والإمارات.
الأسباب وراء هذا التأجيل غير واضحة حتى الآن، لكنها بحسب مراقبين تعكس عدم اتفاق في الرؤى بين القوى العربية الكبرى حول الأهداف التي يجب أن تستخدم من أجلها هذه القوة العسكرية المشتركة ، وفي هذا الصدد يجب الإشارة إلى تباين في الرؤية بين المملكة العربية السعودية ودولة مصر.
السعودية تخشى توظيف هذه القوة العربية المشتركة من أجل الأهداف المصرية الإماراتية في ليبيا، والتي تشهد خلافًا عميقًا بين مصر والمملكة حاليًا بعد أن أعلنت السعودية مرارًا رفضها القاطع لأي تدخل عسكري عربي في ليبيا، وكذلك لاقى هذا الرفض السعودي توافقًا غربيًا بعدما رأت القوى الغربية ضرورة إتاحة فرصة للمشروع الدولي لحل أزمة الانقسام بين الليبيين.
التدخل العربي في اليمن
السعودية بالفعل تقود تحالفًا عربيًا للتدخل العسكري في اليمن منذ إعلان سقوط العاصمة صنعاء في أيدي جماعة أنصار الله “الحوثيين”، لكن هذا التحالف ركز في بداية الأمر جهوده على الدعم الجوي لما يسمى بالمقاومة الشعبية على الأرض التي تواجه مليشيا الحوثي، هذا الدعم الجوي لم يغير في موازين القوى على الأرض كثيرًا.
وجدت السعودية نفسها متورطة وحدها في مستنقع الحرب اليمينة بعد تخلي باكستان عن مشاركتها في التحالف، كذلك جاءت المشاركة المصرية باهتة لأبعد الحدود في التحالف العربي، رغم إعلان مصر أنها ستشارك في هذا التحالف بقوة، لكن الواقع كان مغايرًا لهذا الإعلان بعد أن انضمت مصر لمعسكر البحث عن حل سياسي في اليمن، ظهرت إرهاصات هذا الواقع المصري باستقبالها لوفود حوثية وأخرى لحزب الرئيس اليمني المخلوع “علي عبدالله صالح”، وإجرائها مباحثات مع سلطنة عُمان تهدف لتسوية قضية اليمن سياسيًا.
أما من جانب السعودية فقد رفضت تمامًا هذه المبادرات المصرية، وقررت إنجاز بعض العمليات العسكرية في اليمن بمشاركة الإمارات، والتي نتج عنها تحرير مدينة عدن وهو ما يُعد أول إنجاز عسكري للسعودية في اليمن عقب قرار التدخل بعمليات برية محدودة بقوات خاصة إماراتية وأخرى يمنية ساعدت المقاومة الشعبية على طرد الحوثيين من مدينة عدن وأجوارها.
أدركت السعودية أن معركة صنعاء القادمة التي يتم التجهيز لها لن تنتهي إلا بالتدخل البري العربي، لذلك تحاول السعودية حشد قواها العربية مرة أخرى وعدم الاعتماد على القوات السعودية والإماراتية فقط، نجحت السعودية في اجتذاب السودان التي وافقت على إرسال قوات برية إلى اليمن، لكن ما زالت السعودية بحاجة إلى القوات المصرية في هذه المعركة، ولكن الخلاف المصري السعودي لم يحسم هذه النقطة حتى الآن.
لذلك فإن السعودية بحاجة ماسة إلى قوة عربية مشتركة لاستخدامها في اليمن، وهو ما ترفضه مصر حتى الآن، ربما لأجل مساومة السعودية على موقفها الرافض للتدخل المصري في ليبيا، وربما يقف وراء الرفض المصري للتدخل البري في اليمن موقف روسي يعمل على ابتزاز السعودية لتسوية القضية السورية مقابل تفاهمات اقتصادية متعلقة بأسعار النفط وأخرى سياسية في سوريا.
أما غربيًا فالموقف حتى الآن غير واضح في ظل أنباء عن رفض أمريكي للتدخل البري في اليمن، حيث تحدث البعض عن ضغوط أمريكية على جناح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي المدعوم من السعودية لعرقلة أي تدخل بري عربي في عملية تحرير صنعاء، في المقابل تسعى السعودية الآن لإيجاد جبهة موحدة عربية تساعدها في هذا التدخل عن طريق الاستعانة بالسودان والإمارات والمغرب وتحرير بعض الدول العربية الأخرى من الموقف المصري الرافض.
محللون يرون في وجهة النظر الأمريكية انحيازًا إلى سلطنة عُمان التي بدورها ترفض هذا التدخل البري وتؤكد أن تكلفته ستكون باهظة على الجميع، بينما تتحرك السعودية في سبيل تغيير وجهة النظر الأمريكية المتعلقة بالحسم في اليمن، حيث ينتوي الملك سلمان التوجه إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية له بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي تعد الأولى من نوعها منذ تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة، وعلى رأس أجندتها تعديل الموقف الأمريكي من قضية التدخل البري العربي بقيادة السعودية في اليمن.
التدخل العربي في سوريا
لا تحتاج السعودية إلى التدخل البري العربي في اليمن فحسب بل إنها تنتوي خوض غمار المعركة السورية قريبًا من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أن قطعت السعودية الطريق على المحاولات المصرية الإماراتية التي تحظى بدعم روسي إيراني للبحث عن مستقبل لبشار الأسد في سوريا.
حيث أكدت المملكة أنه لا يوجد مستقبل لبشار الأسد في سوريا وسُيطاح به سياسيًا أو عسكريًا، وهذا ما أكدته تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي اعتبرت تصريحاته أنها بمثابة رفض للمساومات الروسية التي تأتي عن طريق مصر والإمارات من أجل إقناع السعودية بتعديل موقفها من بشار الأسد.
هذه التصريحات وغيرها تُشير إلى اقتراب الحل العسكري للقضية السورية بقيادة سعودية تركية، وهذه أحد القضايا التي سيناقشها الملك سلمان أيضًا في الولايات المتحدة التي أصدرت تصريحًا على لسان وزير خارجيتها جون كيري، أكد فيه اقتناعه بأن دولًا في الشرق الأوسط –لم يسمها- سترسل في الوقت المناسب قوات برية إلى سوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، ويبدو أن التدخل العربي في سوريا سيكون تحت هذا الغطاء كما تدخلت القوات التركية لقتال حزب العمال الكردستاني تحت نفس مظلة محاربة داعش.
الموضوع سُيطرح أيضًا على الأمم المتحدة للبت فيه الأسابيع القادمة، لكن يبدو أن القوى الغربية لن تسمح بهذا الأمر إلا بعد أن تنتهي محاولات بفرض حل سياسي بين النظام السوري والمعارضة، ولكن يبدو أن السعودية متعجلة لإنهاء نظام بشار الأسد خاصةً بعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
هذه القوة العربية التي ستتدخل في سوريا يبدو وأن مهمتها اقتربت وقد أدركت روسيا هذا الأمر مؤخرًا وأرسلت قوة “تدخل سريع” إلى سوريا، حيث أقامت معسكرًا في قاعدة جوية تابعة للنظام السوري في دمشق تحت نفس الذريعة المعتادة وهي قتال تنظيم داعش.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رد على هذه المزاعم بقوله إن المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط مسبق للشروع في مكافحة الإرهاب، أمر ضار وغير واقعي، كما كرر الرؤية الروسية الرافضة للسياسة الغربية في سوريا بقوله: “أنهم يحاولون اليوم ربط كافة الخطوات التي يجب اتخاذها للتسوية في سوريا برحيل بشار الأسد باعتبار أنه لم يعد شرعيًا، وهو نفس النهج الذي اعتمدوه للقضاء على صدام حسين ومعمر القذافي”. واعتبر لافروف أن الجيش السوري يمثل اليوم القوة الأكثر فعالية التي تواجه “داعش” على الأرض.
ومن المتوقع أيضا بحسب ما أوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن يصل إلى سوريا في الأيام القليلة القادمة، مدد عسكري روسي، رغم إنكار روسيا لذلك، لكن الأنباء المتواردة تقول أن ثمة نية روسية إيرانية للتدخل العسكري المباشر في سوريا في حالة تدخل القوات العربية، وقد أكدت زيارة قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى موسكو هذا الأمر، حيث أفادت الأنباء الواردة بعد الزيارة أنه أجرى محادثات مع الروس توصلت إلى الوقوف بجانب الأسد تحت زعم محاربة تنظيم داعش.
هذا الاستعداد الروسي الإيراني لمعركة سوريا يقابله استعداد سعودي لهذه المواجهة المرتقبة، إذ دخلت السعودية في مباحثات سريعة مباشرة مع الولايات المتحدة لشراء فرقاطتين بحريتين في صفقة وصلت قيمتها لأكثر من مليار دولار ستتم في نهاية هذا العام بجانب برنامج تحديث للبحرية السعودية سيتولاه الجيش الأمريكي، هذا غير صفقة أخرى بقيمة 1.9 مليار دولار لشراء 10 طائرات هليكوبتر “إم.إتش.60آر”.
هذه الاستعدادات قد تنبئ إلى إمكانية قيام مواجهة عسكرية مباشرة في سوريا وهو أمر حتى الآن غير محبذ من الولايات المتحدة ولا تركيا ولكن ثمة جهود لإقناع السعودية أو روسيا بتجنب مثل هذه الحرب بالوصول إلى حل وسط، ولكن لم تنجح هذه الجهود حتى الآن، في ظل حشد سعودي للقوة العربية مع استبعاد مصر، والتأهب عسكريًا لما هو قادم.
وبشأن المصلحة الأمريكية في هذا التدخل العربي من وجهة نظر البعض، خرجت تصريحات السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام عضو اللجنة العسكرية في الكونغرس الأمريكي، تقول إن دول السعودية وقطر مستعدة للتدخل البري في سوريا شرط إنهاء نظام الأسد، وذلك في مقابل التدخل المباشر ضد تنظيم داعش على الأرض.
هذا التباين الإقليمي بين القوى العربية والدولية يُعطل من إمكانية تشكيل قوة عربية مشتركة تحت مظلة الجامعة العربية خاصةً وأن السعودية تريد استخدامها في سوريا واليمن بينما ترفض مصر هذا الأمر، وهي التي تريد استخدام هذه القوة في ليبيا ضد الإسلاميين ولكنها تواجه تعنتًا سعوديًا في هذا الصدد، في حين لم تحسم السعودية خياراتها حتى الآن في كل من اليمن وسوريا، وقد تحدد نتائج زيارة الملك سلمان إلى الولايات المتحدة بعض من ملامح الخيارات السعودية القادمة.