أكثر من 4 ملايين سوري اضطروا للرحيل عن سوريا منذ بدء الثورة السورية ضد الديكتاتور بشار الأسد، من بينهم 1.8 مليون ذهبوا إلى تركيا، في حين ذهب 600 ألف إلى الأردن، وأكثر من مليون إلى لبنان التي يبلغ تعداد سكانها قرابة 4 مليون فقط.
وحتى أسابيع قليلة خلت، لم تكن أوروبا برمتها على استعداد للتعامل مع الأزمة التي خلفها بقاء بشار الأسد في السلطة، فبين يونيو 2014 ويونيو 2015 استقبلت دولة مثل بريطانيا 160 لاجئًا! أما بقية الدول الأقرب من شواطئ أوروبا الجنوبية فقد استقبلت بحكم الأمر الواقع عشرات الآلاف من اللاجئين، الكثيرون من هؤلاء كانوا يطمحون في الوصول إلى ألمانيا، إلا أن البحر كان ببعضهم أولى، فيما كان المهربون وخفر السواحل، وسياسات الاتحاد الأوروبي كفيلة بإبعاد من يستطيعون إبعادهم.
أربع سنوات – لم تبدأ برؤية الطفل ذي القميص الأحمر الملتحف بالأمواج، ولن تنتهي بصورته أيضًا – لم تكن كفيلة بأن تلتفت أوروبا للأزمة السورية، سنوات البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية وأكوام الأطفال وجحافل الجائعين لم تكن كافية لتحريك أنجيلا ميركل، فدموع الطفلة الفلسطينية في الفيديو الشهير لم تؤثر في المرأة الحديدية ولم تليّن قلبها، لكن الأمواج التي تلقي بالسوريين أحياء أو أموات على شواطئ أوروبا فعلت ذلك.
الأمر ليس إنسانيًا بالقطع! فالأزمة سوريا واللاجئون عرَض لها، وإن كان الأمر إنسانيًا فإن الأتراك أولى بالمديح والثناء، لكن يبدو أن لأوروبا ولألمانيا بشكل خاص أسبابًا كثيرة لقبول اللاجئين، حتى وإن جلبوا بعض مشاكلهم معهم، فالفوائد التي قد يجلبها اللاجئون لأوروبا قد تنقذ القارة بأكملها.
لا نحتاج الكثير من البحث لنعرف أن ألمانيا دولة عجوز، بـ1.4 طفل لكل امرأة، تقف ألمانيا كواحدة من أقل الدول خصوبة في العالم، هناك معدل مواليد يبلغ 8.2 طفل لكل 1000 شخص في ألمانيا، يمكن إدراك خطورة هذا الرقم بمعرفة أن فلسطين مثلا يبلغ معدل المواليد بها 35.9 طفل لكل ألف شخص، وسوريا 26.5 طفل.
وإذا ما استمرت معدلات المواليد المنخفضة بهذا القدر، فإن عدد السكان البالغ في 2010 حوالي 82 مليون شخص، سيصل بحلول 2060 إلى 65 مليونًا وفق التقديرات التي تعتمد على وجود أكثر من 100 ألف مهاجر لألمانيا سنويًا، أو 70 مليونًا في حالة هجرة أكثر من 200 ألف شخص سنويًا، هذا يعني أن الماكينة الألمانية لن تستطيع الاستمرار بدون أيدي عاملة.
هناك أكثر من 1/5 السُكان في دول مثل إيطاليا وألمانيا ذوي أعمار أكبر من 65 سنة، وبالمعدلات الحالية، فإنه بحلول عام 2050 سيصبح أكثر من ربع سكان أوروبا أكبر من 65 سنة، وهذا يعني أن أكثر من ربع القارة سيكونون بلا عمل، يعيش معظمهم اعتمادًا على نفقات دولة الرفاة التي توفرها لهم الدول الأوروبية، لكن هل يستطيع ثلاثة أرباع السكان توفير ذلك؟ الأرقام ليست مبشرة في هذا الصدد.
المهاجرون من جانبهم يقدمون بديلاً سريعًا لغياب الأيدي العاملة، إن جزءًا مما يفعله الطريق الطويل إلى أوروبا، أنه يوفر للأوروبيين آلية انتخاب طبيعي بحيث لا يصل إليهم من المهاجرين/ اللاجئين في الغالب إلا المستعدين للعمل في ماكينات أوروبا، ربما لهذا السبب كمحفز أول، ومع الضغط الإعلامي غير المسبوق، والعبء الأخلاقي للرجل الأبيض والمتجذر في قطاعات من الشعوب الأوروبية، أعلنت ميركل أن بلادها ستستقبل ما مجموعه 800 ألف لاجئ/ مهاجر بحلول نهاية العام الجاري.
يوم الأربعاء القادم (9-9) سيقدم رئيس المفوضية الأوروبية مقترحًا بأن تستقبل 25 دولة من بين 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي 160 ألف لاجئ، هذا يعني أننا سنكون أمام موجة نزوح وتغيير ديموغرافي غير مسبوقة في أوروبا، المقترحات السابقة كانت تتراوح بين 20 و40 ألف مهاجر لكل دولة، إلا أن ألمانيا ضغطت في اتجاه زيادة الأرقام.
لكن ماذا عن هوية القارة؟ هذا هو السؤال الذي يستفز اليمين المتطرف في عدة دول أوروبية، هناك بالفعل أحزاب قوية مناهضة للمهاجرين وخاصة العرب والمسلمين في دول مثل هولندا والدنمارك والسويد، ولا يمكن تجاهل كذلك موجات العنصرية العاتية في دول مثل ألمانيا ودول شرق أوروبا خاصة، لأسباب بعضها سياسي مثل الموقف المجري وموقف سلوفانيا القريب من الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد في سوريا، إلا أن أغلب تلك الأسئلة ينبع من مخاوف حقيقية بشأن مستقبل أوروبا، هل سيحكمها المسلمون القادمون من الشرق؟
الإشكالية الأكبر في عملية استضافة اللاجئين ليست في توفير وظائف لهم، أو في إيجاد مكان لهم على الأرض الأوروبية، لكن في إيجاد مكان في عقولهم لأوروبا، عملية دمج المهاجرين هي الإشكالية الكبرى بالنسبة للأوروبيين، في المؤتمر الصحفي الذي عقدته الإثنين في سويسرا وأعلنت خلاله عن رقم الـ800 ألف، قارنت ميركل بين العمل الذي يقتضيه دمج اللاجئين خلال السنوات القادمة مع الجهود التي بُذلت “لبناء ألمانيا الشرقية” بعد إعادة توحيد ألمانيا.
في مقال منشور على موقع هافنغتون بوست، يقول رئيس تحرير النسخة الألمانية من الموقع إنه خلال الأشهر والسنوات القادمة، سيكون علينا إعادة دمج أقليتين في نفس الفترة: اللاجئين الذين سيبقون معنا لفترة طويلة و”المواطنين القلقين”، ممثلي ثقافة الخوف، ويتابع بقلق “ستكون المهمة أصعب مع المجموعة الثانية على الأغلب”، وهذا هو السؤال الأصعب الذي سيكون على أوروبا مواجهته.