قوات حفظ السلام الدولية تلك القوات المتعددة الجنسيات التي يعتبر من مهامها الرئيسية حفظ السلام بين مصر وإسرائيل على الحدود الشرقية، تتخذ من مطار الجورة مقرًا لها، كما أنها أنشئت في العام 1982 كأحد نتائج اتفاقية كامب ديفيد، أما الولايات المتحدة فقد كان لها الدور الأبرز في تشكيل هذه القوة، حيث شُكلت هذه القوات من قبل الولايات المتحدة، وذلك بعد ما أعلنت الأمم المتحدة من قبل أنها غير مستعدة لإرسال قوات حفظ سلام إلى سيناء.
مؤخرًا نقلت وكالة رويترز للأنباء عن وزارة الدفاع الأميركية أن ستة جنود، من بينهم أربعة أميركيين، أصيبوا بجروح مختلفة جراء انفجارين نتجا عن عبوتين ناسفتين استهدفا قوات حفظ السلام، يوم أمس الخميس، شمال شرق شبه جزيرة سيناء.
هذه الإصابات التي نتجت عن تفجير العبوتين غير مهددة لحياة الجنود، ولكن وفق ما أعلن البنتاجون الأمريكي أن الأمر مدعاة للقلق بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء مؤخرًا، وهو ما سيدعو الولايات المتحدة للنظر في تعزيز إجراءات إضافية التي ربما تكون ضرورية لضمان حماية القوات.
ولكن ثمة تحليلات تؤكد أن هذه العبوات انفجرت عن طريق الخطأ في سيارة جنود قوات حفظ السلام، بينما كان المستهدف من ذلك الأمر هو قوات الجيش المصري، في حين لم يتبنى أحد هذه العملية لكن كافة أصابع الاتهام تُشير إلى تنظيم “ولاية سيناء” الذي يخوض حربًا ضد الجيش المصري في سيناء منذ شهور.
وعلى الرغم من كون هذه العملية ليست الأولى التي تستهدف قوات حفظ السلام في سيناء، يرى متابعون أن القوات ليست مهددة بشكل كبير من الحرب الدائرة، لكن القوات تؤكد أنها ليست مجهزة لحماية نفسها لأنها قوات متابعة بالأساس وليست قوات اشتباك في حالة أي هجوم على معسكرها، فمنذ الهجوم الأول على القوات في 2012 وهي تبحث زيادة أعدادها عن الوضع الحالي الذي يبلغ ألفين فرد بين قائد وجندي، وزيادة المعدات والآليات التي تستخدمها لمواجهة أي أخطار تواجها في أداء مهامها علي الحدود بين مصر وإسرائيل.
ونتيجة لهذه الهجمات المتكررة على القوات بشكل ما في الآونة الأخيرة، ألمحت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى رغبة غير معلنة فى سحب جنودها المشاركين فى قوات حفظ السلام المتمركزة فى سيناء، أو البديل الآخر وهو تزويد قواتها بأسلحة ثقيلة لتكون قادرة على التصدي للهجمات المختلفة عليها، وهو ما اعتبره البعض مساومة أمريكية.
الولايات المتحدة تملك كتيبة مشاة قوامها 800 جنديًا في القطاع الجنوبي لانتشار القوة المتعددة الجنسيات في سيناء، بالإضافة إلى 235 موظف دعم، بمن في ذلك الأطباء والمتخصصون في الألغام الأرضية، أي أنها إذا انسحبت فلا معنى لوجود باقي القوات التي تمثل نسبة هامشية بالنسبة لتواجد الولايات المتحدة في القوات، ناهيك عن كون التمويل الأكبر لهذه القوات يأتي من البنتاجون الأمريكي، وهو ما اعتبره البعض ضغطًا أمريكيًا على مصر.
أما الجانب الأمريكي فيبدو وأنه جاد في مراجعة مستقبل هذه القوات في سيناء، إذ تخشى إدارة أوباما من تصاعد تلك العمليات تجاه قواتها القريبة جدًا من مناطق الاشتباكات بين الجيش المصري والجهاديين في سيناء، فيما أوضح موقع ocregister الأمريكي، أن الخيارات التي تدرسها الإدارة الأمريكية تتراوح ما بين زيادة قوات الأمن أو سحبها كليًا، ولكن أمر سحب القوات هذا من شأنه ترك تداعيات سياسية كبيرة.
وجهة النظر الأمريكية ترى أن وجود القوات المتعددة الجنسيات في سيناء لغرض مراقبة تنفيذ اتفاقية السلام هو أمر لا أساس له في هذا التوقيت، خاصةً مع تصاعد التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، بحيث لا يوجد نهائيًا أي خروقات للمعاهدة بين الجانبين، كما أن التحركات في سيناء تتم بتنسيق تام بين أجهزة الاستخبارات في الدولتين.
ومن هذا ترى الولايات المتحدة أن دور هذه القوات قد انتهى، وإذا ما بقيت على هذا الحال فإنها ستكون عرضة لهجمات جهادية لا محالة مع تصاعد الاشتباكات بين الجيش المصري والعناصر المسلحة في سيناء، لذلك تقترح الدوائر البحثية في واشنطن إما إنهاء دور هذه القوات طالما أن الجانبين المصري والإسرائيلي قادرين على التعاون والتنسيق فيما بينهما، أو تزويد هذه القوات بالأسلحة الثقيلة للدفاع عن نفسها، وهو أمر من شأنه أن يسبب حرج مع الجانب المصري لأنه يعني أن الجيش المصري غير قادر على بسط سيطرته على مناطق سيناء، كما أنه سيعني أن تلك الخطوة بمثابة الدخول كطرف في المعركة مع تنظيم ولاية سيناء والعناصر المسلحة التي تقاتل الجيش والشرطة في سيناء.
في الوقت الذي دعت فيه صحيفة “نيويورك تايمز” إلى سحب هذه القوات من سيناء لعدم وجود حاجة إليها، فقد رأت الصحيفة أن أعمال العنف الأخيرة في سيناء تُشكل خطرًا كبيرًا على القوات، كما تفرض قيودًا شديدة على حركة القوات، وهو سبب كافٍ في وجهة نظر الصحيفة لسحب هذه القوات من سيناء؛ إذ اعتبرت أن الهجوم على قوات حفظ السلام، لا مفر من كونه سيفتح جبهة جديدة في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش المتواجد في سيناء باسم “ولاية سيناء” بحسب ما أوردته الصحيفة.
أما عن الجانب المصري فثمة تقارير أمنية تفيد بأن السلطات المصرية رفضت طلبًا أمريكيًا بإنهاء مهمة قوات حفظ السلام متعددة الجنسية في سيناء، وقد تعمدت الصحافة المصرية مؤخرًا الهجوم على هذه القوات بعد هذا الطلب الأمريكي، فقد أوردت صحيفة الوطن المصرية الموالية للنظام تقرير يقول أن عددًا كبيرًا من عناصر الجماعات المسلحة في سيناء، يحتمى بقوات حفظ السلام الدولية، للهرب من غارات الجيش المصري، وكذلك لتزويد سياراتهم بالوقود، وعلاج مصابيهم، كل هذا مقابل التعهد من قبل المسلحين بعدم تنفيذ هجمات ضد تلك القوات وتحذيرها من أماكن العبوات الناسفة.
هذه الادعاءات المصرية لا شك أن الواقع يرد عليها بسبب الاستهداف المتكرر من تنظيم ولاية سيناء لمقرات تواجد القوات، وقد كان أخطر هذه الاستهدافات في 9 يونيو الماضي وهو الهجوم بقذائف الهاون الذي استهدف مطار الجورة، وقد تبنى تنظيم ولاية سيناء المبايع لداعش هذه الهجمات واصفًا هذه القوات بـ” القوات الصليبية”.
هذه القوات تخشى الولايات المتحدة أن تُجبر على خوض غمار الحرب أمام داعش في سيناء بعد إرهاصات فشل الجيش المصري في السيطرة على الوضع الميداني، وهي قوات غير جاهزة بالمرة لهذا الأمر رغم أن كافة الجنسيات المشكلة لها دولًا أعضاء في التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة، لذلك ترى الولايات المتحدة أن على مصر الموافقة على تطوير وظيفة القوات هذه في سيناء من خلال زيادة التسليح والعتاد وتغيير شكل هذه القوات لتصبح مشاركة في دور أمني فعلي داخل سيناء بجانب مصر وإسرائيل.
لكن النظام المصري الحالي يخشى الإقدام على مثل هذه الخطوة الآن، لئلا تسفر بالفشل في مواجهة الإرهاب، وأمر محاربة الإرهاب يُعد ركيزة النظام الأساسية في الترويج لنفسه داخليًا وخارجيًا، ومع استعانته بقوات دولية في سيناء، سيعني انهيار تلك الأسطورة التي يدعيها النظام بأنه مخلص البلاد من الإرهاب المحتمل.