منذ نشأة السعودية، والقوى الأجنبية والأسرة المالكة السعودية وأنصارها هم المستفيدون الوحيدون من الثروة النفطية، بينما يعيش عدد كبير من السعوديين في فقر نسبي، فوفقًا لمجلة الأغنياء (Wealth Insight)، فإنه بحلول عام 2020، سوف يكون حوالي 55.245 سعودي من ذوي الملاءة الأكثر ثراءً، بدخل يصل إلى مليون دولار، باستثناء إقامتهم الأساسية، ويبلغ عددهم الآن (أي في عام 2015) 49.150 سعوديًا.
ولكن مع انهيار أسعار النفط عادت السعودية إلى سوق السندات لجني 27 مليار دولار بحلول نهاية العام، جاء هذا في تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، وأشارت الصحيفة أيضًا إلى أن في هذه الخطوة دلالة واضحة على أن انخفاض أسعار النفط يشكل ضغطًا على ميزانية السعودية، وفي شهر يوليو الماضي قال فهد المبارك، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، إن الرياض قد أصدرت بالفعل أول 4 مليارات دولار من السندات المحلية، وأول إصدار سيادي كان عام 2007، وهذه أحدث الخطط التي تشكل توسعًا كبيرًا في هذا البرنامج، والذي يعتقد المصرفيون أنه قد يمتد إلى عام 2016، وذلك نظرًا لتوقعات سعر النفط، فهل تجد الرياض نفسها في مثل هذا المأزق في غضون فترة قصيرة؟
عندما كان سعر النفط مرتفعًا كان الاقتصاد السعودي مزدهرًا، ولكن كل ذلك تغير بشكل كبير في أقل من عام ونصف، حيث تواجه البلاد اليوم أزمة ضخمة في ميزانيتها؛ بسبب الانخفاض الشديد في أسعار النفط والارتفاع الحاد في الإنفاق العسكري، ما دفع الرياض إلى اللجوء لاقتراض المال في محاولة متناقضة منها لسد العجز المالي المتزايد، وقد أحرقت السعودية ما يزيد عن 62 مليار دولار من احتياطاتها من العملة الأجنبية هذا العام، واقترضت 4 مليارات دولار من البنوك المحلية في يوليو من هذا العام، حيث أصدرت السندات الأولى عام 2007.
يقدر صندوق النقد الدولي وصول العجز في الميزانية السعودية إلى 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، وحصول عجز في الموازنة إلى العام 2020، وبالنسبة للبلد الذي اعتاد على الفائض المالي، فإن هذا التحول سيكون مؤلمًا، وتشير تقديرات كابيتال إيكونوميكس أن الإيرادات الحكومية ستنخفض 82 مليار دولار في عام 2015، أي ما يعادل 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، والمسؤول إلى حد كبير عن هذا الضغط هو انخفاض سعر النفط من 107 دولار للبرميل في يونيو الماضي إلى 44 دولارًا في الوقت الراهن، وهو ما يعادل نصف الناتج الاقتصادي للبلاد، و80٪ من الإيرادات الحكومية في صناعة النفط.
لقد قررت السعودية في العام الماضي إغراق السوق بكميات زائدة من النفط مما أدى إلى خفض سعره، وقد أضر ذلك القرار بالرياض أكثر مما أضر بمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، وإن كان الهدف من القرار هو خنق صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، فإن السعودية قد أساءت التقدير كثيرًا، تمامًا كما أخطأت في الحكم على التهديد المتزايد للصخر الزيتي في كل مرحلة لمدة ثماني سنوات.
لكن انخفاض أسعار النفط ليس السبب الوحيد لتضرر الاقتصاد السعودي، فدعم الأنظمة في العالم العربي مثل مصر وتونس لوقف صعود الإسلام السياسي، ومع التدخل العسكري في سوريا واليمن، فإن هذه المشاريع تستنزف الفائض بمعدل ينذر بالخطر، ثم هناك الإنفاق العسكري الذي لا يظهر أي علامة على التراجع، وهذه العوامل مجتمعة لم تشكل ضغطًا كبيرًا على الميزانية المالية فقط، بل أيضًا على صندوق احتياطي النقد الأجنبي.
فقد بدأ المال يتسرب من السعودية بعد الربيع العربي، مع صافي تدفقات رأس المال، ليصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، حتى قبل انهيار أسعار النفط، ومنذ ذلك الحين تسارعت وتيرة حرق الاحتياطيات الأجنبية، وبلغ ذروته في شهر أغسطس من عام 2014، حيث وصل حجم الإنفاق إلى 737 مليار دولار، فانخفضت الاحتياطيات إلى 672 مليار دولار في مايو 2015، أي بنسبة 12 مليار على الأقل في الشهر.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه النظرة القاتمة، فإن الملك سلمان لا يزال ينفق المال بمعدل ينذر بالخطر، وقد بلغت تكلفة شراء الذمم في البلاد وثمن ولائهم 32 مليار دولار، وعطلته الفخمة في فرنسا التي ضمت أكثر من 1,000 من حاشيته كلفته كمًا هائلاً من الأموال، وعلى هذا المعدل، فإن احتياطيات السعودية ربما تصل إلى 200 مليار دولار بحلول نهاية عام 2018.
وبنظرة سريعة في التقرير الذي نشرته صحيفة التلغراف البريطانية وكتبه محرر إدارة الأعمال الدولية للصحيفة إمبروز إيفانز بريتشارد قال فيه “إن المملكة العربية السعودية سوف تبدأ الدخول في ورطة في غضون عامين، وستكون معرضة لأزمة وجودية بحلول نهاية العقد الحالي”.
إذ يبلغ السعر التعاقدي للنفط الخام الأمريكي الذي سيُسلَّم في ديسمبر 2020 حاليًا 62.05 دولارًا، ممَّا يدل على تغيير صارم في المشهد الاقتصادي للشرق الأوسط والدول المالكة للنفط.
ويقول إمبروز: جازف السعوديون مجازفةً كبيرةً في نوفمبر الماضي عندما توقفوا عن دعم الأسعار واختاروا إغراق السوق وإبعاد المنافسين، ممَّا رفع إنتاجهم إلى 10.6 مليون برميل يوميًا في مواجهة الكساد.
المشكلة التي تواجه السعوديين أن الشركات الأمريكية التي تقوم بالتكسير الهيدروليكي للصخور ليست عالية التكلفة، فأغلبها متوسط التكلفة، ويعتقد خبراء شركة IHS، أنَّ شركات النفط الصخري قد تكون قادرة على تخفيض تلك التكاليف بمقدار 45% هذا العام، وليس فقط بواسطة الانتقال تكتيكيًا إلى آبار ذات إنتاج عالٍ، العجيب أن الملك سلمان لا ينوي تخفيض الإنفاق، بل يُنفِق المزيد من المال، ويمنح 32 مليار دولار علاوة تتويج لكل العاملين والمتقاعدين؛ لقد شنَّ حربًا مُكلِّفة على الحوثيين في اليمن وانخرط في تحديث ضخم للجيش – معتمدًا تمامًا على الأسلحة المستوردة – سيدفع السعودية نحو المرتبٍة الخامسة في تصنيف الدفاع العالمي.
تقود العائلة المالكة السعودية القضية السُنِّية ضد إيران، في حرب على الهيمنة في صراع مرير بين السُنَة والشيعة في أنحاء الشرق الأوسط، قال جيم ووزلي؛ الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: “لا يدور في عقل السعوديين الآن سوى شيء واحد وهو الإيرانيين، لديهم مشكلة خطيرة جدًا، فوكلاء إيران يديرون اليمن وسوريا والعراق ولبنان”.
التقرير يحوي الكثير من الأرقام والحقائق حول انخفاض تكلفة تكسير الصخر الزيتي وأثر ذلك على الأسعار، ولكن اللافت هنا هو تزامن التقرير مع طرح السعودية لسندات سيادية بقيمة 20 مليار ريال قبل أيام لبيعها “بالربا” – حسب المصطلح الشرعي لعلماء المملكة – للمؤسسات العامة والبنوك.
يضاف إلى ذلك ما يتسرب من أرقام حول تكلفة عاصفة الحزم، وعن تحويل ريع ثلاثة ملايين برميل نفط يوميًا إلى حساب خاص لمحمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي (أي ما يعادل نصف مليار ريال يوميًا) وضعت تحت تصرفه، علاوة على سرقات أخرى جعلت الدولة تسحب 100 مليار دولار من الاحتياطي وتبيع السندات… إلخ ذلك من تسريبات خطيرة من داخل أروقة الحكم في السعودية.
وقد قدرت الدويتشه فيله الألمانية في تقرير لها أن إنفاق السعودية في العام الماضي العسكري وصل إلى 81 مليار دولار لتشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وقدرت أن تكلفة الحرب على اليمن وصلت بحلول أواسط شهر أبريل 2015 أي بعد أقل من شهر من بدئها 30 مليار دولار، تشغيل تشمل كلفة 175 طائرة بذخائرها (100 منها سعودية) بالإضافة لوضع 150 ألف جندي في وضعية التأهب.
اللافت أن صندوق النقد الدولي وبالرغم من تقديره لعجز الموازنة السعودية بـ 20% من الناتج المحلي بسبب انخفاض الإيرادات النفطية إلا أنه أغفل أثر “عاصفة الحزم” على الموازنة السعودية مع أن ذلك واضح كل الوضوح.
الخلاصة أن المملكة العربية السعودية تستهلك احتياطي النقد الأجنبي الخاص بها بسرعة قياسية بسبب سخاء الملك والاضطرابات الإقليمية الذين يزيدان من الضغوط على المالية العامة المتضررة بالفعل من هبوط أسعار النفط وهنا يقفز إلى الذهن تساؤل فيما إذا بات آل سعود يدركون أن نهاية دولتهم قد تكون قريبة ومحتومة بسبب الإفلاس المالي؟