ترجمة وتحرير نون بوست بتصرف
تشير التقديرات بأن 97%من المياه الموجودة ضمن كوكبنا هي عبارة عن مياه بحار، كما أن 2.5% من الـ3% المتبقية هي عبارة عن مياه متجمدة، مما يترك 0.5% فقط كاحتياطيات عالمية للمياه العذبة المتاحة لنا ولاحتياجات نظامنا البيئي، ولكن مع ذوبان الجليد وفيضان الأنهار والبحيرات وارتفاع مستويات سطح البحر، يبدو بأن تحلية مياه البحر هو الحل الأكثر فعالية لتلبية احتياجاتنا.
تعويل دول مجلس التعاون الخليجي على تحلية المياه
تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي رائدة في مجال تحلية مياه البحر، وهذا يبدو نتيجة حتمية تقريبًا لمناخها الجاف ونمط الحياة الذي تتميز به، والذي يعتمد بشكل كثيف على استخدام المياه، حيث يستخدم القطريون ما متوسطه 385 متر مكعب من المياه سنويًا، ويستهلك الإماراتيون 690 متر مكعب، ويصل استهلاك السعوديون للماء إلى 913 متر مكعب، وهو أعلى من متوسط استهلاك سنوي، حيث يقارب نسبة استهلاك البريطانيين والصينيين والسويديين مجتمعين.
مصادر المياه في العالم: 11 مليون كم مكعب من المياه العذبة المتاحة، و24 مليون كم مكعب من المياه العذبة المتجمدة، و1365 كم مكعب من مياه البحر
هذه الأرقام تبدو متناقضة بشكل مباشر مع كمية المياه المتوافرة في هذه الدول، وهذا يعني أن هناك إفراط في استعمال الموارد المائية، حيث يتم استخراج 86% من الموارد المائية المتجددة في عمان للاستهلاك كل عام، وحوالي 99% في كل من مصر والأردن، أما بالنسبة لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي، فإن نسبة الموارد المائية المستخرجة تفوق بكثير حجم الموارد المائية المتجددة التي تتمتع بها، ففي المملكة العربية السعودية، تصل نسبة المياه المستخرجة إلى 943% من حجم الموارد المائية المتجددة، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يتم استخراج 1867%، وفي الكويت حوالي 2075%.
وفقًا لدراسة تم إجراؤها في عام 2013 من قِبل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، فإن كلًا من قطر والكويت تعتمدان بنسبة 100% على تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاتهما المحلية والصناعية من المياه العذبة، في حين تحصل عمان على 85% من مياهها العذبة من تحلية مياه البحر، وتحصل المملكة العربية السعودية على 70% من احتياجاتها من المياه من أكثر من 30 محطة لتحلية المياه، مما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.
كيف تتم عملية تحلية المياه؟
تعتمد عملية تحلية المياه على عمليتين رئيسيتين، هما التقطير الومضي متعدد المراحل (MSF)، والتناضح العكسي (RO)، وعلى الرغم من أن التقطير الومضي متعدد المراحل يستخدم طاقة أكبر، إلّا أن كلا التقنيتين تستهلكان قدرًا كبيرًا من الطاقة، لذلك وللحد من انبعاثات الطاقة، فإنه ينبغي أن يتم تطوير جميع المعامل التي يزيد عمرها عن عشر سنوات لكي تصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، فعلى سبيل المثال، تعتبر الأغشية التي تستخدم اليوم، أكثر كفاءة في ترشيد الطاقة من تلك التي تم تصنيعها قبل عشر سنوات، وذلك تبعًا للدكتور حسن عرفات، وهو أستاذ مشارك في مركز معهد المياه والبيئة في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في أبو ظبي.
من بين الحلول الجذرية لتأمين المياه العذبة، يبرز حل تحلية المياه بالطاقة الشمسية، وهو حل يتم البدء باستخدامه حاليًا في تونس، أبو ظبي، الكويت، والمملكة العربية السعودية، مع إعلان كل من الأردن والمغرب عن نيتهما لاستخدام الطاقة المتجددة لتحلية المياه، حيث يوضح لحسن الحسناوي، رئيس شعبة معالجة المياه في المكتب الوطني للكهرباء والمياه الصالحة للشرب في المغرب، بأن بحوث تحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة ما تزال جارية، ونتائج هذه الدراسة ستسمح بتقرير أي نوع من الطاقة يجب اختيارها، سواء أكانت الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، بغية استعمالها لتحلية مياه البحر.
التحدي البيئي الرئيسي
مع ذلك لن يكون بوسع الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح حل التحديات البيئية الرئيسية التي تطرحها عملية تحلية المياه، والتي تتمثل بالأجاج، وهو محلول عالي الملوحة ينشأ عن عملية تحلية مياه البحر، فكل لتر من المياه العذبة، ينتج ليترًا من الأجاج، وتبعًا لعرفات فإنه عندما يتم تحلية المياه بعيدًا عن السواحل، يصبح التعامل مع هذا المحلول الملحي مشكلة حقيقة، حيث إنه لا يعود بالإمكان إعادة رميه في البحر، ويصبح الحل الوحيد هو طمره في الأرض، وهذا يساهم في زيادة ملوحة المياه الجوفية، وهو أمر مدمر للبيئة.
من ناحية ثانية، فإن إعادة تفريغ الأجاج إلى البحر لاقى انتقادات لاذعة من قِبل علماء الأحياء البحرية، حيث إنهم استنكروا تأثيره المدمر على البيئة البحرية، فالملوحة العالية وارتفاع درجة حرارة الأجاج يمكن أن يكون له تأثير مدمر على النباتات البحرية والكائنات الدقيقة التي تؤثر بدورها على كامل السلسلة الغذائية البحرية في المنطقة.
يرى روبرت أورموند، عالم الأحياء البحرية الاستوائية والمستشار السابق في المحافظة على البيئة البحرية لحكومتي السعودية ومصر، بأن القرار بتأسيس محطات تحلية المياه في منطقة الخليج غالبًا ما يتم اتخاذه من قِبل الهيئات الحكومية متجاهلين بشكل مطلق تأثير هذه المنشآت على الحياة البيئية، فعلى سبيل المثال، تم بناء محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه الرئيسية في المناطق الساحلية جنوب مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، رغم وجود تقييمات بيئية صادرة عن علماء البيئة تحذر من هذا التصرف كونه يعمل على الإضرار بالبيئة البحرية المحلية.
ويوضح أورموند سبب ذلك بكون الوسط السياسي الذي يتخذ هذه القرارت لا يدرك بأن التنوع البحري يتركز بالقرب من الساحل في المياه الضحلة، تبعًا لوصول الضوء إلى قاع البحر في تلك المناطق، وتبعًا لتوافر المغذيات هناك، وهذا التنوع البحري الكبير لا يمكن العثور عليه في المياه العميقة، لذا، كما يقول أورموند، كان ينبغي تحديد موقع محطات تحلية المياه بشكل أفضل لتقليل تأثيرها على أنواع الشعاب المرجانية والحياة البحرية الاستثنائية التي تتميز بها منطقة الخليج العربي.
كيفية الحصول على المزيد من المياه العذبة
أحد الحلول التي اقترحها عرفات تتمثل ببلورة الماء المالح لصناعة الملح، وهذا الملح هو منتج ثانوي مرغوب به بالإضافة إلى المياه العذبة التي تنتج أساسًا عن هذه العملية، ويضيف عرفات بأن هذه الفكرة تتبلور ببطء ضمن سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة، ويشرح الفكرة موضحًا بأنه للحد من تأثير المياه المالحة، يتم تخفيفها عن طريق إضافة المزيد من المياه إليها، قبل دفنها، ولكن هذا يؤدي إلى زيادة التكاليف، علمًا أنه في مصر، تم بذل جهود لمنع تصريف المياه المالحة، وحاليًا 90% من ساحل البحر الأحمر أصبحت منطقة محمية، كما اتخذت سلطنة عمان الاحتياطات اللازمة لحماية سواحلها، وقريبًا ستحذو باقي الدول الخليجية الأخرى حذوهما.
نمط الحياة في بعض البلدان العربية، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، قائم على الإسراف والتبذير، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الدعم الحكومي للمياه، ولتجنب هذا الإهدار، يجب على الدول العربية جميعًا إعادة تدوير مياه الصرف الصحي باعتبارها مصدرًاللمياه العذبة أقل تكلفة وأكثر ملاءمة للبيئة، ووفقًا لدراسة أجريت عام 2010، فإن المغرب يهدر 60% من مياه الصرف الصحي في البحر، ولبنان 80%، ودبي تهدر 95% من هذه المياه ضمن البحر، أما في تونس والمملكة العربية السعودية فإن إعادة استعمال مياه الصرف تبلغ 23% و 18% على التوالي فقط لا غير.
يقول عرفات “قوموا بالحد من استهلاك المياه، إدارتها بشكل صحيح، حددوا المحاصيل الزراعية المزورعة ضمن الأراضي بعناية، أحسنوا إدارة الدورة الزراعية، واعيدوا استخدام مياه الصرف الصحي، وبعد ذلك إذا استمر وجود الفجوات ما بين العرض والطلب من المياه، وهذا ما سيحصل على الغالب، استعملوا أسلوب تحلية المياه”، ويضيف قائلًا “في الوقت الراهن، تحلية المياه هي علاج للاستهلاك المفرط للقدرات المائية، ولكنني أعتقد بأن الوقاية خير من ألف علاج”.
المصدر: تكنولوجي ريفيو