“قانون الإرهاب” الذي تضج به مسامع مواطني العديد من دول العالم لا سيما في المنطقة العربية كل آنٍ وآخر، لم يعد يقتصر إصداره والسماع به في تلك الدول فحسب، حتى انضمت إسرائيل إلى ركب هذه الدول بإصدار قانون يحمل نفس الاسم سئ السمعة “قانون مكافحة الإرهاب”، ولكن كعادة دول الاحتلال فإن إصدارتها دائمًا ما تكون مختلفة ولا تخفي الطابع العنصري لدى الدولة.
إذ صدق الكنيست الإسرائيلي على قانون “مكافحة الإرهاب”، في الثاني من الشهر الجاري، ويعرف هذا القانون النشاطات السياسية أو الإنسانية والثقافية منها التي يقوم بها الفلسطينيون داخل إسرائيل، على أنّها عمل إرهابي بسبب مناهضتها الاحتلال، هذا القانون أقر بالقراءة الأولى ما يعني أن المصادقة عليه بالقراءة الثانية والثالثة ستشكل تصعيدًا خطيرًا في ترويع وترهيب النشاط السياسي والاجتماعي للفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وذلك من خلال تجريم أي علاقة سياسية وثقافية واجتماعية تربطهم بشعبهم وأصلهم الفلسطيني، وتدفع الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد ليصبح قانون رسمي داخل دولة الاحتلال.
حوى قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي مئات البنود والأحكام التي أتت في أكثر من 100 صفحة، والتي توفر أدوات جديدة للسلطات الإسرائيلية لقمع النضال الفلسطيني داخل الخط الأخضر، كما أن القانون يُطلق يد الشرطة وجهاز الشاباك لقمع أي نشاطات احتجاجية ضد السياسات الإسرائيلية، كما أنه يعطي الأجهزة الأمنية والقضائية إمكانية إنزال أقسى العقوبات على منفذي عمليات أو من يتضامن مع منظمات تعتبرها إسرائيل معادية لها أو إرهابية، فبحسب القانون، فإنه بالإمكان الحكم على من نفذ “عملية إرهابية” أو من ساعده على ذلك بالسجن الفعلي 30 عامًا، دون تمييز بين العمليات ضد جنود وبين أخرى ترتكب ضد مدنيين.
وبالطبع تعريف الإرهاب لدى دولة الاحتلال يشمل كل ما هو معارض لها وكل ما هو فلسطيني، حيث أن العملية التي يصفها القانون على أنها “الإرهابية”، أكد ذلك القانون أنها لا تقتصر على أي نشاط تخريبي ضد مدنيين أو ممتلكات، بل شمل أيضًا التهديد بالقيام بنشاط كهذا أو بنشاطات من شأنها أن تمارس الضغوط على الحكومة، أما العمل الإرهابي فعرفه القانون على أنه العمل النابع عن دافع سياسي أو ديني أو وطني أو أيديولوجي بهدف إثارة الرعب في صفوف الجمهور أو للضغط على الحكومة أو أي سلطة أو أية حكومة أو سلطة أجنبية للقيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام بعمل ما.
كما أنه وفقًا للقانون، فإن كل من يتضامن مع منظمة أو جمعية خيرية ثبُت علاقتها بحركة حماس سيحكم عليه بالسجن 3 سنوات على أساس اعتبارها من المنظمات الإرهابية، أما من يلبس قميصًا كتبت عليه شعارات تدل بشكل أو بآخر على التأييد لحماس التي يصنفها الاحتلال على أنها شعارات مؤيدة لـ “الإرهاب” سيتم الحكم عليه بالسجن عامين، وهذا القانون يسري على الأطفال من سن الثانية عشرة.
فيما يتيح القانون المقترح قبول شهادات مكتوبة تؤكد وقوع مخالفات كهذه، حال عدم رغبتهم بالوقوف على منصة الشهود في المحاكم عند النظر في هذه الملفات، وهذا يعني أنه يكفي أن يتقدم أحدهم ببلاغ مكتوب يقول فيه أنه رأى أو التقط صورة لشخص يرتدي قميصًا يحمل شعار مؤيد لحماس، دون الحاجة للحضور إلى المحكمة، كما يتيح استخدام الأدلة السرية لأجل منع هذه النشاطات، وهذا ما سيعرقل أية إمكانية للاعتراض على هذه القرارات القمعية أمام الأجهزة القضائية حتى، كما يتيح القانون لجهاز الأمن “الشاباك” التتبع بوسائط إلكترونية كل من تحوم حوله شبهات تتعلق بنشاط إرهابي وذلك بموافقة رئيس الحكومة دون أي ضوابط.
صوت إلى جانب القانون 45 عضو بالكنيست فيما عارضه 14 آخرون أغلبيتهم من القائمة المشتركة، وذلك بعد عرضه على النواب بالكنيست مطلع الأسبوع الماضي ليتم إقراره في نفس الأسبوع، رغم اعتبار النواب هذا الوقت غير كافٍ لدراسة مئة صفحة تحمل مواد القانون، وانتقاد المعارضة لصيغته، ليتم التصديق عليه بالقراءة الأولى بعد تعثره في أروقة البرلمان الإسرائيلي 5 سنوات، ورغم موافقة الكنيست عليه مرتين في القراءة الأولى التمهيدية، قبل ذلك إلا أن مناقشته في اللجان البرلمانية المختصة، ثم كان تبكير الانتخابات البرلمانية الذي أوقف إنجازه.
الصيغة الجديدة المطروحة حاليًا أمام الكنيست من قانون “مكافحة الإرهاب” تتضمن كافة القوانين المعمول بها حتى الآن والمتعلقة بالإرهاب، ومن المتوقع أن يستبدل الجزء الأكبر من التشريعات المعمول بها في هذا الصدد حال تمت الموافقة عليه، ويشمل ذلك القوانين والمراسم المعمول بها من حقبة الانتداب البريطاني التي تعتبر قوانين طوارئ، ما سيعمل على تكريسها، إذ أنه يتناول بعض الأمور التي لم تكن واردة في قوانين الطواريء منها ما يخص الاعتقال الإداري وأوامر حظر مغادرة البلاد، كما أنه يسمح بتوقيف أي مشتبه لمدة 48 ساعة قبل عرضه على المحكمة بمرافقة محام لتمديد اعتقاله، بينما الوضع المعمول به حتى الوقت الحالي ينص على التوقيف لمدة 24 ساعة.
المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية- الأمنية كان قد حث الكنيست على الانتهاء من إعداد القانون المذكور لعرضه على النواب، وذلك قبل أسابيع قليلة، أعقبت الاعتداء الذي قام به مستوطنون بإحراقهم منزل عائلة دوابشة الفلسطينية في قرية دوما قرب نابلس الذي أسفر عن قتل اثنين من الأسرة بينهم رضيع، ومن المتوقع أن يحظى المشروع بأغلبية عند التصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة بعد مروره بالقراءة الأولى، إذ أن الائتلاف الحكومي قرر التصويت الجماعي لصالحه، كما أن جزء كبير من المعارضة الأساسية في الكنيست يتوقع لها دعم مشروع القانون.
إلا أن بعض القوى اليسارية بالكنيست ترى أن القانون غير معقول، حيث يفقتد للأخلاق والقيم الأساسية، ويعطي صلاحيات ديكتاتورية شمولية، كقرارات الاعتقال الإداري وحظر مغادرة البلاد، وقد عبرت عن ذلك زهافا غالئون، زعيمة الحزب اليساري “ميرتس”.
ويأتي هذا القانون استمرارًا لسيل التشريعات التمييزية العنصرية التي تسنها وتعتمدها الحكومة الإسرائيلية، كمنهج لترسيخ ما يُطلق عليه “يهودية الدولة” بالتضييق على العنصر العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر بدعاوى مكافحة الإرهاب أيضًا، وكانت أبرز هذه القوانين والتشريعات التي أثارت جدلًا مؤخرًا: “قانون يهودية الدولة”، وقانون المواطنة الذي يقضي بسحب المواطنة على أساس الإدانة، وقانون تمويل الجمعيات، وقانون سلطة تطوير النقب أو المستوطنات الفردية، وقوانين الخدمة العسكرية.