“نجحنا لأننا نلنا إعجاب المغاربة، أعجبهم كيف نقدم مصلحة البلاد ونؤخر مصلحة الحزب، لأن أيادينا نظيفة، لأننا نبذل مجهودات ويوفقنا الله تعالى”، هكذا علق الأمين العام لحزب العدالة والتنمية السيد عبد الإله بنكيران البارحة لوسائل الإعلام عقب نتائج الاكتساح التي حققها الحزب في عدد من الجماعات، حزب العدالة والتنمية وإن جاء في المرتبة الثالثة على مستوى المقاعد في المجالس البلدية والقروية بفارق ضئيل عن المرتبة الثانية، فترتيبه الأول على مستوى الأصوات المعبر عنها وطنيًا، فما هوالسياق الذي أتت فيه هذه الانتخابات الجماعية والجهوية؟ لماذا يعتبر حزب العدالة والتنمية هوالحزب الفائز فعليًا وما دلالات فوزه؟ وما هو الدور الذي لعبته مختلف المؤسسات في هذه الانتخابات؟
كان المغاربة على موعد مع صناديق الاقتراع يوم 4 سبتمبر 2015 للمشاركة في الانتخابات الجماعية والتي تعقد في وقتها العادي، ولأول مرة للمشاركة في الانتخابات الجهوية تنزيلاً لدستور 2011 الذي نص على الجهوية المتقدمة والقائم على تفويض التدبير المركزي للجهات بصلاحيات أوسع، بلغت نسبة المشاركة 53.67% حصل حزب الأصالة والمعاصرة على 6655 مقعدًا (21.12%)، يليه حزب الاستقلال بـ 5106 مقعد (16.22%)، ثم حزب العدالة والتنمية ثالثًا بـ5021 مقعدًا (15.94%).
اكتساح حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات يقاس بالمقارنة مع الانتخابات الماضية وببعض المعطيات الخاصة بالانتخابات الحالية، بالمقارنة مع الانتخابات الجماعية لـ 2009 كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال سجلا تراجعًا على مستوى المقاعد، في حين أن حزب العدالة والتنمية انتقل من الرتبة السادسة في 2009 إلى الرتبة الثالثة في 2015 وضاعف عدد مقاعده أكثر من 3 مرات، حيث حصل في الانتخابات السابقة على 1552 مقعدًا مقابل 5021 كنتيجة نهائية بعد تصويت البارحة، أما على مستوى الجهات فحزب العدالة والتنمية يتصدر الترتيب بأكبر عدد من المستشارين بعد أن حصد 174 مقعدًا وطنيًا متبوعًا بالأصالة والمعاصرة 132 ثم الاستقلال 119.
هذا الاكتساح الذي حظي به حزب العدالة والتنمية في الانتخابات يقاس أساسًا بثلاثة أمور: أولاً فرق 3469 مقعدًا ما بين الانتخابات السابقة والحالية، ثانيًا: أن حزب العدالة والتنمية اكتسح في المجال الحضري وخاصة المدن الكبرى وهو يسير الآن نحو رئاسة عدد من الجماعات المهمة مثل فاس، طنجة، القنيطرة، مراكش، أكادير، حزب العدالة والتنمية الآن يتصدر بالعاصمة الإدارية والعاصمة الاقتصادية والعاصمة العلمية والعاصمة السياحية للمغرب، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة ولو رتب هو الأول فيعزى نجاحه لتغطيته الشاملة للمجال القروي (76% من الجماعات في المغرب قروية) عبر ترشيح أعيان هذه المناطق التي لازال حزب العدالة والتنمية غير قادر على تغطيتها كليًا، أما ثالثًا: فأبرز قياس لهذا النجاح إسقاط زعماء أحزاب المعارضة في هذه الانتخابات بعد أن كانوا وكلاء لوائح أحزابهم بمدن كبرى، فقد تم إسقاط “الباكوري” بمدينة المحمدية وهو الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وتم إسقاط “شباط” بمدينة فاس وهو الأمين العام لحزب الاستقلال في حين اكتسح حزب العدالة والتنمية المقاعد في هاتين المدينتين.
السنوات الأخيرة عرفت سجالاَ حادًا ومتواصلاً بين المعارضة وحزب العدالة والتنمية وهو يقود الحكومة سواء داخل أو خارج البرلمان، والتنافسية كانت عالية مما جعل إسقاط زعماء الأحزاب في المدن التي ترشحوا بها رسالة واضحة من المواطنين وتعبيرًا قويًا عن مساندتهم للحكومة التي يترأسها العدالة والتنمية، الشيء الذي يبشر بالاكتساح في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
هناك مجمموعة من الدلالات لهذا النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية، ولعل أبرزها قيادته للحكومة المغربية منذ 2011 وتدبيره الشأن العام على المستوى الوطني، فحزب العدالة والتنمية في المغرب ولو أنه ذو مرجعية إسلامية يعبر عن الانفتاح على مختلف الأطراف وهو الآن يقود الحكومة ويسيرها مع ليبراليين ويساريين، كذلك تدبيره الناجع لمجموعة من الجماعات المحلية في المرحلة السابقة بحصيلة مشرفة، جعلت المواطنين يعطونه الثقة مرة ثانية للاستمرار أو اختاروا إعطاءه الفرصة لأول مرة في مدن أخرى بعد أن شاهدوا حصيلة تدبيره للمدن التي سيرها.
هذه النتائج تبين أن المواطنين راضون عن المنطق التدبيري لحزب العدالة والتنمية على مستوى الحكومة وكذا على مستوى الجماعات (خلال فترة الحملة الانتخابية زار رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مجموعة من المدن المغربية بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ونظم مهرجانات حضرها الآلاف) حصيلة الجماعات التي كان يسيرها العدالة والتنمية كانت متميزة بأرقام وإحصائيات وشراكات واستثمارات وصفقات؛ جعلت المواطن يلمس فعليًا التغيير في حيه وشارعه والفضاءات العمومية والإدارات والمشاريع وكذلك الشراكات الدولية وصلت إلى حدود شراكة مجلس المدينة مع السوق الأروبية المشتركة كما هو الشأن بالنسبة لمدينة القنيطرة وهي تحت رئاسة حزب العدالة والتنمية.
مشاركة المواطنين كذلك معطى في غاية الأهمية ومن الدلالات الكبرى لهذا الاكتساح، فرغم أن من دعوا لمقاطعة الانتخابات (جماعة العدل والإحسان أساسًا، 20 فبراير وبعض اليسار) راهنوا على نسبة مشاركة لا تتجاوز 20% جاءت نسبة المشاركة مشرفة ومتقدمة بالمقارنة مع الانتخابات السابقة والتي تمثلت في 53,67%، وبالتالي فالشعب لم يقاطع، مما يصب في مصلحة المسلسل الديمقراطي والمسار الإصلاحي الذي نهجه المغرب منذ دستور 2011.
الخطاب الملكي التاريخي بتاريخ 9 مارس 2011 والذي جاء في سياق الربيع العربي عبر عن استثناء مغربي في التعامل مع الحراك المجتمعي، الشعب المغربي اختار الإصلاح في ظل الاستقرار وهو الشعار الذي رفعه حزب العدالة والتنمية في 2011 وتطور إلى منهج يقوم على مبدأ التعاون مع المؤسسة الملكية، وهو مسار لازالت المملكة المغربية عليه منذ الدستور الجديد والذي يزداد تكريسًا مع كل محطة وطنية.
في المغرب، الاستقرار والديمقراطية مفهومان انسجما فأنتجا ما اصطلح عليه بـ “الاستثناء المغربي”، فالمغاربة الآن يحاربون الفساد عبر صناديق الاقتراع ويغيرون عبر المؤسسات وليس عبر الشارع، دستور 2011 احترم إرادة المواطنين وأعاد ثقتهم بصناديق الاقتراع، ونحن الآن في 2015 لازلنا نحصد ثمار الخطاب الملكي لـ 9 مارس، فقد أسس لمنطق الشفافية في الانتخابات مما جعل حزب العدالة والتنمية كما تصدر في 2011 يتصدر الآن في 2015، والمؤسسة الملكية تحمي هذا الاستقرار وهذا المسار الإصلاحي كذلك، فهي الضامن لوحدة الوطن والتفاف الشعب حولها يجعل من يتنافس من الأحزاب في الساحة السياسية يتنافس من أجل تدبير شؤون المغاربة ولا يتنافس على الحكم.
هذه الشفافية عززت من تموقع العدالة والتنمية الذي يحصد الأصوات بمنطق الأداء والمحاسبة على تدبير مهام الشأن العام، فقد كان شعار الحملة الانتخابية “صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح”، العدالة والتنمية بهذه الممارسات الجديدة استطاع إعطاء معنى جديد للعمل السياسي عبر عمله الميداني والمتواصل، قربه من المواطنين، تنفيذ الوعود، ثم حصد الأصوات بناء على ما قدم، في حين أن الأحزاب الأخرى كانت تعتمد على تدخل الإدارة، البلطجة، وشراء الأصوات.