أعلنت دولة قطرمبادرة لإطلاق حوار وطني بين كافة المكونات السياسية العراقية في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك بمباركة خليجية وفي انتظار رعاية الأمم المتحدة وأطراف دولية، كانت أولى الخطوات القطرية في هذا الصدد إقامة مؤتمر تحت ذريعة بحث المستجدات التي طرأت على الساحة العراقية ومناقشة الأوضاع السياسية وملف المصالحة الوطنية.
كان على رأس المدعوين إلى الدوحة القوى المعارضة العراقية السنية، في محاولة رأها البعض إجراءًا تعويضيًا من جانب القوى الخليجية التي أهملت القوى السنية العراقية التي أنهكت في السنوات الماضية، وتُركت فريسة للتوغل الإيراني الشيعي في العراق.
حضر الاجتماع شخصيات قيادية سنية متباينة الآراء دعتها الحكومة القطرية لمحاولة رأب الصدع بينها من أبرزها خميس الخنجر، والشيخ علي حاتم السليمان، والدكتور رافع العيساوي، الشيخ أحمد أبو ريشة، والنائب أحمد الساري، والشيخ رافع الرفاعي، وأيضًا قادة فصائل الجيش الإسلامي والطريقة النقشبندية وجيش المجاهدين، وقد أكدت المصادر ترحيب بعض نواب تحالف القوى العراقية، رغم أن قادة تحالف القوى لم يحضروا الاجتماع ولكن لم يُبدوا أية ممانعة في أمر عقده.
الغاية القطرية من الاجتماع تمثل رغبة خليجية عامة بقيادة السعودية التي تركت ملف توحيد الجهد السني في العراق إلى جارتها قطر، ولن يكون لهذا الاجتماع الأول النتائج المتوخاه من انعقاده بسبب تصاعد الخلافات الشخصية بين المدعوين على صعيد المصالح والرؤى للواقع السني.
تضاربت المواقف من هذا الاجتماع الذي أكد البعض أنه بعلم الحكومة العراقية الحالية، حيث طرحت المبادرة إبان زيارة وزير خارجية قطر إلى العراق، الذي دعا القوى السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية والمعارضة لها، وذلك لعقد اجتماع برعاية قطرية في العاصمة الدوحة للاستفادة من كل الطاقات العراقية.
سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي، تلقى دعوة للمشاركة في الاجتماع ولكنه لم يتخذ قرارًا في المشاركة من عدمها حين تلقى الدعوة، ولكن الجبوري قطع الشك باليقين وتأكد حضوره في الاجتماع الذي عُقد الأربعاء الماضي، مثل الحضور ثلاثة مكونات سياسية عراقية، هي الجيش الإسلامي، وأعضاء في حزب البعث العراقي، وأعضاء مشاركين في العملية السياسية في مقدمتهم الجبوري.
سادت أجواء من التعتيم الإعلامي على هذا اللقاء حيث اكتفت المصادر الرسمية بتحديد هدف اللقاء وهو إيجاد “مكون سني” يدعو إلى مؤتمر مصالحة وطنية، تحت مظلة الأمم المتحدة، وبرعاية خليجية، دون مزيدٍ من التفاصيل حول اللقاء وأجندته.
وعن الجانب القطري فقد أكدت المصادر الدبلوماسية القطرية أن هذه المشاورات التي تجري تمت بعلم الحكومة العراقية ودعمها، وقد أكد ذلك الأمر أنباء عن مشاركة وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، لكنه اعتذر عن المشاركة في اللحظات الأخيرة لما أسماه الظروف الطارئة، وهو الأمر الذي يعني علم رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، بكامل تفاصيل المبادرة القطرية التي جرى طرحها أثناء زيارة الوزير القطري خالد العطية لبغداد في مايو الماضي.
من جانبها أكدت مصادر من داخل الحكومة العراقية كلام مغاير لما يذكره الجانب القطري، حيث تقول الأنباء الواردة من مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن مؤتمر الدوحة تم من دون التنسيق مع حكومته، مؤكدًا رفضه القاطع للمؤتمر، كما أفاد مكتب رئيس الوزراء العراقي أنه قام بإبلاغ رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري هو والأطراف السياسية العراقية بعدم المشاركة فيه، مضيفًا أن الحكومة القطرية قد عقدت المؤتمر من دون التنسيق التفصيلي المسبق مع حكومة العراق.
تصريحات الحكومة العراقية هذه تنم عن وجود ضغط إيراني لعدم إخراج ملف المصالحة الوطنية خارج حدود العراق ليبقى تحت سيطرة النفوذ الإيراني، حيث أكد حيدر العبادي ذلك في تصريحاته أن حكومته تسعى إلى المضي قدمًا في ملف المصالحة الوطنية بين كافة الأطياف العراقية لتخطي المرحلة الراهنة، وهو ما يعني رفض المؤتمرات الخارجية بهذه الصورة.
المكون السياسي الشيعي في العراق بالطبع معارض لمثل هذا المؤتمر؛ إذ تؤكد هذه القوى أن المؤتمرالرئيسي المزمع عقده في الدوحة مجرد استمرار لساحات الاعتصام في محافظة الأنبار، كما طالب البعض رئيس البرلمان العراقي بتشكيل لجنة نيابية للتحقق بشأن تلقي بعض القوى السياسية دعمًا ماليًا من دول وصفت بأنها معادية للعراق في الإشارة للدول الخليجية التي تدعم القوى السنية العراقية، معتبرين أن مثل هذه المؤتمرات هي نواة لتمزيق العراق.
كما اتهمت الشخصيات المشاركة في المؤتمر بأن من بينها ممولين للإرهاب وداعمين له، كما اتهموا المشاركين فيه أيضًا بالطائفية بسبب مشاركة وجوه تصدرت ساحات الاعتصام السنية التي رأها الساسة الشيعة بأنها ترفع شعارات طائفية.
هذه الاتهامات هي انعكاس لرغبة إيرانية في عدم توحيد الصف السني داخل العراق من خلال الخليج، فالمواجهة الآن تتحول إلى لبنان جديدة بين إيران والخليج، حيث تدعم إيران المكون السياسي الشيعي، في المقابل ستمول السعودية وقطر المكون السني السياسي داخل العراق، وهو الأمر الذي يُهدد بتراجع النفوذ الإيراني داخل العراق.
المهمة الموكلة لقطر شديدة التعقيد بسبب الخلافات بين المكونات السنية وبعضها البعض، لكن السعودية وقطر قد وضعت أمر ضرورة إيجاد نفوذ خليجي مقابل للنفوذ الإيراني أولوية كبرى تستحق هذا العناء، فيما لا تُعارض الولايات المتحدة معادلة النفوذ الإيراني في العراق وهي التي سعت له بالأساس منذ فترة بإنشاء فروع عسكرية سنية مدعومة من الولايات المتحدة وهو الأمر الذي رفضته إيران على لسان الحكومة العراقية.
في الحين الذي يتم مهاجمة المؤتمر فيه والدعوة القطرية ككل تحت دعاوى أن هذا المؤتمر هو نواة تكوين الإقليم السني في العراق برعاية خليجية أمريكية، كما تتبنى القوى المعارضة للمؤتمر وجهة نظر تقول أن الخلافات في العملية السياسية هي شأن داخلي عراقي يُعاد تقييمها من خلال مناقشة جميع الأطراف وموافقتها على أن يكون الحل عراقيًا دون تدخل لأي دولة، مؤكدين أن المصالحة الوطنية الحقيقية تتطلب عقد مؤتمر موسع داخل العراق وليس خارجه.
ولكن يبدو أن الدول الخليجية بقيادة السعودية مصممة على هذه المواجهة مع إيران على أرض العراق، إذا ما نجحت في إزالة الخلافات السنية- السنية، مما يُعتبر فتح جبهة جديدة مع إيران بخلاف المواجهة في اليمن وسوريا.
فيما تهدد قوى سياسية مدعومة إيرانيًا داخل العراق بالتصعيد ضد كافة من حضروا ذلك المؤتمر، وذلك بالتلويح بجمع توقيعات من النواب البرلمانيين؛ تمهيدًا لإقالة رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري بسبب زيارته لدولة قطر، متهمينه بأن الإملاءات الخارجية كانت أقوى منه والتوجيهات التي وصلت إليه من الخارج بضرورة سفره كانت توجيهات صارمة لا تقبل النقاش، بحسب تعبير بعض نواب ائتلاف دولة القانون المعارضين لهذا الاجتماع.
هذا الاجتماع وتباعاته من شأنه إعلان تواجد نفوذ خليجي في العراق سيصارع الإيرانيين بعد أن تُركت الساحة فارغة لهم الفترات الماضية، وهو ما أدى إلى شعور بالمظلومية لدى المكونات السنية العراقية التي لم تتلقى أي دعم في حراكها الداخلي، حتى استغلت داعش هذا الفراغ وتمكنت من اجتياح العراق.
المؤتمر الذي عُقد بهذه الصورة رغم رفض الحكومة العراقية له يؤكد أن ثمة أهداف خليجية من تبني قطر لرعاية هذا المؤتمر، تلك الأهداف هي السر الذي يكمن وراء اهتمام قادة الدوحة بالإشراف على المؤتمر وحضور جلساته، في وقت يمر فيه العراق بمرحلة مفصلية، لا شك وأن الخليج لن يترك هذه المرحلة تمر دون إعادة الدور الخليجي إلى العراق عن طريق دعم الفصائل السنية في العراق، وقد عبرت قطر عن تمسكها بهذا الجهد بقولها إن الضربات الجوية التي يشنها التحالف في العراق ضد داعش ستظل بلا فائدة في غياب جهد حقيقي من أجل مصالحة وطنية، وربما تعني قطر بالمصالحة الوطنية إشراك المكون السني بفعالية في القتال ضد داعش.
في حين يرى المكون السني أن الإصلاحات التي يقوم بها العبادي مؤخرًا ليست كافية، مشيرين أنها غير جذرية وإنما كانت شكلية فقط بإلغاء مناصب أو تخفيض بعض أعداد الحمايات وهذه ليست الإصلاحات الجذرية التي يطالب بها الشارع العراقي، كما أن تحقيق المصالحة الوطنية يتطلب خطوات بشكل جاد في مقدمتها التراجع عن القوانين التي أحدثت إجحافًا بالمكون السني، وهو الأمر الذي تعتبره بعض القيادات العشائرية السنية حلم صعب المنال بسبب التدخلات الخارجية التي تقوي ظهر بعض الأطراف النافذة في الحكومة العراقية، وهو الأمر الذي يمكن أن يفسر لجوء بعض المكونات السنية للخليج كداعم في مواجهة ذلك.