ترجمة وتحرير نون بوست
أنفقت دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 12 مليون دولار على شبكات الضغط والعلاقات العامة هنا في أمريكا في عام 2014، وهذه المبالغ توفّر تمثيلًا للإمارات المتحدة ضمن العديد من أشهر الشركات التي تمارس الضغوط السلطوية داخل واشنطن، ومن خلال هذه المبالغ، ضمنت الإمارات توسيع شبكة جهات الاتصال الموثوقة والمتعاطفة معها ضمن آليات الحكومة الأمريكية، وفي خضم هذه العملية، حطمت الإمارات أيضًا رقمها القياسي السابق في الإنفاق على موارد السلطة في العاصمة الأمريكية، حيث جاء في تحليل واسع النطاق أجرته صحيفة ألمونيتور التي تركز على الشرق الأوسط، نُشر في 3 أغسطس من هذا العام “لقد ارتفعت طفرة الإنفاق الإماراتية لتلامس آفاقًا جديدة خلال السنوات القليلة الماضية، بالتلازم مع الثقة والجرأة التي أصبحت تتمتع بها السلطات في الخليج”.
هذا النوع من الإنفاق يبدو وكأنه نوع من أنواع “إنفاق البرستيج” لدولة الإمارات العربية المتحدة والأنظمة المشابهة لها في الشرق الأوسط، وتحليل ألمونيتور لإنفاق هذه الدول في مجال موارد السلطة يُظهر بأن هذه الحكومات تزيد بشكل متلازم فيما بينها تقريبًا حصصها في لعبة التأثير على السياسة الأمريكية.
هافينغتون بوست قامت بتحري سجلات الكشف الأجنبية للتعرف على شركات العاصمة التي كانت مؤخرًا تتقاضى مرتبات من دول الخليج السنية، حيث كشفت الدراسة الشركات التي تمارس الضغوط على السلطة والتي تخضع لهذه الأموال، وتبين أن من بين هذه الشركات شركة دي إل إيه بايبر، أكين غامب، كامستول غروب، كيمب غولدبرغ وشركاه، هيل آند نولتون، كارف للاتصالات، إيدلمان، وغلوفر بارك غروب.
وتشمل الشركات الأخرى هوجان لوفلز، التي يقوم ضمنها سيناتور مينيسوتا السابق نورم كولمان برعاية مصالح الإمارات العربية المتحدة، شركة جو تريبي وشركاه، كورفيس، سانيتاس، سوريني، سكوير باتون بوغز، جاست للاستشارات، بيلسبري وينثروب شو بيتمان، لويس باخ، فريدلاندر غروب، ذي هاربر غروب، بوتوماك سكوير، ليفيك للاتصالات الإستراتيجية، ليفانت السويس، بورتلاند للعلاقات العامة، وغالاغر غروب، ومن الواضح بأن هذه القائمة تضم الجزء الأكبر من قوى شارع كي في واشنطن*.
وفقًا للدراسة التي قامت بها الهافينغتون بوست، فإن جميع هذه الشركات تعاقدت مع إحدى الدول الخليجية مثل الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، قطر، البحرين، والكويت في مرحلة ما خلال السنوات الثلاث الماضية.
دول الخليج تستخدم هذه الشركات للتعبير عن قلقها بشأن ما تعتبره “تهديدات رئيسية تحوق بسطوتها وحكمها”، كالنشطاء المحليين وتنامي النفوذ الإيراني، فضلًا عن استخدام دول الخليج لهذه الشركات للحفاظ على تدفق الدعم من الولايات المتحدة، كما يتم توظيف هذه الشركات أيضًا للحصول على الحماية السياسية للمصالح التجارية الهائلة التي تتمتع بها الدول الخليجية في الولايات المتحدة، والتي تشمل تصنيع رقائق مخصصة للتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، ودعم شركات الطيران التابعة لهذه الدول، والتي تتواجه حاليًا مع هجوم شرس من قِبل المنافسين ضمن الولايات المتحدة.
ولكن دول الخليج لا تستخدم أموالها المُنفقة ضمن هذه الشركات لتعزيز فرص إيصال همومها إلى مسامع صانعي القرار ضمن السلطة التنفيذية أو ضمن الكابيتول هيل فحسب، بل إن هذه الأنظمة الاستبدادية العربية السنية تسعى للتأكد من أن تضمن لها استثماراتها داخل هذه الشركات وصول وجهات نظرها لمسامع صناع القرار في واشنطن، كوجهات نظرها التي تقول بأن استقرار الوضع هو الأولوية الرئيسية في الشرق الأوسط، حتى لو كان ذلك ينطوي على استخدام أساليب القمع والوحشية، وأن إيران الشيعية تحوز تأثيرات تخريبية لا ينبغي الوثوق بها البتة، وذلك وفقًا لرأي المراقبين المخضرمين في عالم اللوبيات السياسية.
السبب فيما تقدم يُعزى إلى انخراط جماعات الضغط القوية بعقود باهظة الثمن مع هذه الحكومات الخليجية، بشكل جعلها أقل احتمالًا للتعامل مع عملاء يتبنون آراءً متباينة مع هذه الدول، ويوضح أحد الأعضاء السابقين المرموقين ضمن جماعات الضغط الأمريكية، وهو من ذوي الخبرة في بعض أكبر عمليات شارع كي السياسية، سبب ذلك، طالبًا منا عدم ذكر اسمه ليكون قادرًا على التحدث بحرية.
“العقبة الأولى تتمثل بالتأسيس لإنشاء جماعات دفاع أو لإنشاء جماعات الضغط، فإذا كانت هذه الشركات تحصد مبلغ 100 ألف دولار شهريًا ضمن عقد معين، فإنها ستكون حذرة للغاية تجاه الدفاع ضد أي مسألة جديدة قد تعمل على إفساد عقد بهذا الحجم”، قال عضو اللوبي السابق في رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلها للهافينغتون بوست.
ويتابع قائلًا “حتى لو غنم الآخرون ضمن هذه الشركات بالنقاشات حول هذا الموضوع في نهاية المطاف، فإن مسألة التعامل مع عميل جديد محتمل يجب أن يتم فتحها وإثارتها مع العميل الأساسي الذي يضخ مئات ألوف الدولارات شهريًا”، وأضاف “هذا ليس شيء ممتع لتمر به هذه الشركات، فمن غير المحتمل أن تعمد هذه الشركات بالنظر حتى بإمكانية التعامل مع كيان لا يروق لعملائها أو لا يشاطرهم نوعًا من المصالح الضيقة”.
لذلك إذا كانت إحدى شركات الضغط السياسي منخرطة بعقد مربح مع المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، فإنها ببساطة ستكون أكثر عرضة لفتح أعمال جديدة مع أشخاص يتوافقون مع سياسات الرياض، أو حتى مع كيانات ترتبط مباشرة بها، كالشركات المملوكة للدولة.
والقاعدة هنا، كما يقول الناشط السابق تتلخص بـ “احصد الثمار السهلة والمتدلية، وتجنب الخوض في المسائل والنقاشات الصعبة”.
هذا النوع من التفكير يجعل من المستحيل تقريبًا أن تفكر الكثير من شركات الضغط الأكثر فعالية في واشنطن بالتعامل مع العملاء المعارضين لمموليها الخليجيين، مثل المعارضيين الداخليين في دول الخليج العربي، حتى لو كان هؤلاء قادرين بطريقة أو بأخرى على دفع مبالغ لهذه الشركات بغية تمثيلهم سياسيًا.
هذا المنطق بالتعامل لا يتم فرضه على الشركات بموجب القانون، وفقًا لليديا دينيت، التي تدرس النفوذ الأجنبي في الولايات المتحدة ضمن مشروع الرقابة على الحكومة، ولكن وفقًا لها، يبدو أن هذا المنطق بالتعامل يحدث فرقًا واضحًا على أرض الواقع من خلال التوضيح لمعارضي الأنظمة الخليجية، بأنه من غير المرجح أن يجدوا مكانًا لهم للانخراط بأنشطة شارع كي، وتابعت دينيت موضحة للهافينغتون بوست من خلال رسالة بالبريد الإلكتروني، بأن أحد التحليلات التي تتابع النفوذ الأجنبي الأمريكي بين عامي 2009 و2012، لم تكتشف أي حالة أُثيرت بها نزاعات داخل شركات الضغط السياسي للتعامل مع عملاء جدد محتملين تعارض سياساتهم العملاء الذين تتعامل معهم هذه الشركات أساسًا.
لذا، فإن المجموعات التي تسعى لرؤية الولايات المتحدة تمارس ضغطًا سياسًا أكبر تجاه الانفتاح والتقدم في مجال حقوق الإنسان في دول الخليج، تدرك جيدًا بأن احتمالات ذلك لا تسير بمصلحتهم إطلاقًا.
تصف كيت كيزر، مسؤولة العلاقات الحكومية في جمعية أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، الوضع الذي تواجهه عند دعوة واشنطن لاتخاذ خطوات إكراهية ضد الحكومة البحرينية بقولها “بالنسبة لحجمها، فإن البحرين استثمرت ما يفوق وزنها بكثير في مجال لعبة العلاقات العامة وجماعات الضغط، وبعض التقديرات تشير إلى أنها أنفقت على العلاقات العامة أكثر من 32 مليون دولار منذ بدء الانتفاضة في عام 2011”.
وتتابع كيزر موضحة في حديثها للهافينغتون بوست، بأن جماعات الضغط والعلاقات العامة التي استطاعت البحرين شراءها استطاعت على ما يبدو أن تكسب حكومتها الانتصارات، على الرغم من أنها لم توفِ حتى الآن بوعودها حول دمج المعارضة الشعبية في أعقاب الاحتجاجات التي سحقتها بوحشية في عام 2011.
وتشير كيزر بشكل خاص لإعلان إدارة أوباما في يونيو بأنها ستعاود بيع الأسلحة الثقيلة والأسلحة التي يمكن استخدامها لقمع الاحتجاجات الشعبية لمملكة البحرين، ووصفت ألمونيتور هذه التطورات والتعهد الأخير الذي أطلقته الولايات المتحدة بمواصلة تسليح البحرين ضد علامات النفوذ الإيراني بأنه “طي لصفحة القمع في البحرين من قِبل واشنطن”.
بالنسبة لمنتقدي السياسات الخليجية غير القادرين على مجاراة الاستثمارات بمئات ملايين الدولارات التي تنفقها دول الخليج لتحقيق انتصاراتها السياسية ضمن أروقة السياسة الأمريكية، يتحول التركيز، كما تقول كيزر، لينصب على صياغة وتأسيس حجج منطقية وفعالة للتأثير في سياسة واشنطن، ويشمل ذلك تصوير الوضع الحقيقي المروع لحقوق الإنسان في المنطقة للمسؤولين الأمريكيين، والتوضيح بأن الضغوطات التي يعاني منها المواطنون الخليجيون قد تدفع البعض منهم لانتهاج سياسات تطرفية وراديكالية مما يشكل خطرًا على مستقبل بلدان المنطقة.
“إنفاق المال على هذه القضايا لن يساعد على اختفائها ومسحها”، تقول كيزر، وتردف قائلة “كمدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والتي لطالما كانت حجر الزاوية في القيم الأميركية، نحن نعتقد بأن السياسات التي تتمحور حول هذه المثل العليا ستفوز دائمًا في نهاية المطاف”.
المصدر: هافينغتون بوست
—————————–
* شارع كي (K Street) في العاصمة واشنطن هو مصطلح يستخدم للدلالة على الشارع الذي يتحكم بأروقة السلطة في أمريكا، كون هذا الشارع تتركز ضمنه جميع مؤسسات الضغط (اللوبيات) والشركات والمجموعات التي تنخرط في لعبة السلطة والسيطرة في أمريكا.