كم من مرة أعلنت فيها القوات الحكومية العراقية عن نيتها شن هجوم بري مدعومة بغطاء جوي لتحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية؟ ربما ثلاث أو أربع أو ربما عشر مرات أو أكثر؟
المؤكد أنها أكثر من مرة، ولأننا تعبنا من حساب العدد قررنا ترك العد حين يجد الجد لأنكم وقتها صادقون.
فمنذ سقوط المدينة في العاشر من شهر يونيو 2014 ووسائل الإعلام المحلية والعالمية تذيع في نشراتها الإخبارية وفي صفحاتها الإلكترونية نبأ اقتراب موعد انطلاق العمليات العسكرية لاستعادة المدينة من التنظيم.
مدينة الموصل الواقعة في محافظة نينوى في الشمال العراقي والتي تبعد عن العاصمة بغداد حوالي 465 كلم اتخذها تنظيم الدولة عاصمة له ليعلن بعد 19 يومًا من سقوط ثاني أكبر مدن العراق سكانًا تحت سيطرته ما أسماه بالخلافة الإسلامية، ملغيًا الحدود العراقية السورية، وموسعًا في الوقت نفسه نطاق عملياته داخل البلدين بفضل ما استولى عليه من أسلحة وعتاد قال خبراء ومراقبون إنها تكفيه في قتاله القوات الحكومية والميليشيات الشيعية عدة سنوات.
ففي شهر أغسطس من العام الماضي، ادعت القوات الحكومية العراقية عن اكتمال استعداداتها لاكتساح المدينة التي يسكنها حوالي 3مليون نسمة، ولكن سرعان ما تكون تلك الادعاءات عارية كاذبة.
وفي شهر فبراير الماضي بدأت الدوائر الرسمية تتحدث عن اقتراب تحرير الموصل، مقدمة خطة تفصيلية عن العملية، عندما صرح مسؤول في القيادة العسكرية الأمريكية للشرق الأوسط أن الجيش الأمريكي يرغب في أن تشن القوات العراقية هجومًا على الموصل في أبريل، أو مايو الماضي، مقدمًا معلومات تفصيلية عن خطة الهجوم، وقال المسؤول العسكري الأمريكي يومها “نحن ما زلنا مع شن هجوم في أبريل أو مايو”، مضيفًا أنه لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي يجب إتمامها قبل شن الهجوم على هذه المدينة التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو 2014، الأمر الذي أثار غضب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي الذي أكد بعد التسريبات الأمريكية أن القيادات العسكرية المحلية هي من تحدد توقيت الهجوم، مستغربًا في الوقت ذاته تصريح المسؤول الأمريكي.
وبعد سنة من التدريب والتحضير والتكوين والتسليح للقوات العراقية الخاصة التي يقدر عددها بالآلاف من أجل تحرير الموصل، تُفاجِئُنا السلطات العراقية بقرار جديد يتعلق بسحب “القوات الخاصة” التي دربتها من أجل المشاركة في عملية تحرير المدينة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، بهدف تغطية النقص الحاصل في معارك الأنبار بعد الانسحابات المتكررة لمليشيات “الحشد الشعبي” أمام التنظيم الأمر الذي يعني إمكانية تأخر جديد فيما يتعلق بعملية التحرير الدرامية.
القرار الأخير أكد للمتابعين مدى تخبط الحكومة العراقية في إدارة الحرب ضد تنظيم الدولة، فقد أبدى النائب بالبرلمان العراقي عن مدينة الموصل نايف الشمري في تصريح إعلامي عن استغرابه لقيام الحكومة بسحب “القوات الخاصة” التي أعدتها لتحرير المدينة، معتبرًا أن الأمر يؤكد أن “خطة تحرير الموصل ألغيت بشكل كامل”، على حد قوله.
ودعا الشمري الحكومة لوضع خطة جديدة لتحرير المدينة، بالتعاون مع قوات البشمركة الكردية التي أبلت بلاءً حسنًا في قتال داعش.
الحقيقة أن القرار المُتخذ أثبت فشل العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي في معارك الأنبار التي دخلت شهرها الثالث ولم تحقق أهدافها بل حقق فيها تنظيم الدولة انتصارات ساحقة في الميدان العسكري والميدان التكتيكي.
فعسكريًا قتل التنظيم الآلاف من العناصر المشاركة في العملية ودمر مئات العربات المدرعة وعشرات الدبابات وغنم أسلحة متنوعة كما قام باغتيال قيادييْن كبار وهما معاون قائد قوات الجيش اللواء عبد الرحمن أبو رغيف، وقائد الفرقة العاشرة اللواء سفين عبد المجيد، وذلك نتيجة هجوم بأربع عربات مفخخة وهجوم مسلح برشاشين ثقيلين، كما أصيب قائد عمليات الأنبار اللواء الركن قاسم المحمداوي بجروح، خلال المعارك الدائرة قرب الرمادي.
أما تكتيكيًا فقد نجح التنظيم في استنزاف القوات الحكومية والميليشيات الشيعية والخروج من شهر الصيف بأقل الخسائر، تاركًا القوات العراقية على مشارف فصل شتاء مُتعب سيسمح بصمود التنظيم لأن الشتاء في تلك المناطق يُعد عائقًا وتحديًا خطيرًا أمامها، بسبب طبيعتها الجغرافية وطقسها الماطر البارد.
وفي هذا السياق يقول العميد الركن المتقاعد والخبير بالشؤون العسكرية العراقية محمد حسين الوادي، لصحيفة “العربي الجديد”، إنه “على القوات العراقية تحقيق تقدم قبل بدء الشتاء بالعراق في شهر أكتوبر المقبل، فالمهمة حينها ستكون غير سهلة، ويجب أن نسارع بالهجوم”، كما شدد على ضرورة تكثيف التحالف لغاراته، فهناك مناطق سيكون من المستحيل دخولها عند حلول الشتاء في حال تحصن داعش فيها كمناطق شمال وشرق الرمادي وجنوب الفلوجة.
في الأخير يمكن القول إن التنظيم الآن يواصل التمرد والتمدد ويشعر بنشوة الانتصار بعد صموده لأكثر من عام أمام القصف الجوي من التحالف الدولي والحرب البرية التي يقودها عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين، كما أن الدول التي تقاتله فقدت مصداقيتها بسبب الوعود الزائفة التي قدموها لشعوبهم وفضائح تدليس التقارير الخاصة بنتائج الحرب على داعش والتي تقدم إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوميًا.
دون أن ننسى القرار العراقي الأخير القاضي بسحب مقاتلين من الوحدات الخاصة المدربة أمريكيًا من أجل تحرير الموصل وتوجيهها لساحة المعركة في الأنبار الذي كان ضربة موجعة للحكومة وحلفائها اللذين فشلت خططهم في استعادة مدينة الموصل أكثر من مرة كما فشلت خطتهم في استعادة مدينة بيجي التي تضم أكبر مصفاة في البلاد؛ ما أجبر وزارة الدفاع الأمريكية عن الإعراب عن قلق الولايات المتحدة من نجاح التنظيم في السيطرة على جزء كبير من هذه المدينة الواقعة على طريق إستراتيجي بين بغداد والموصل.
فهل ينجح دعم القوات “الموصلية” الخاصة في استعادة الأنبار؟ أم أن التنظيم سيواصل حرب استنزافه ويربح الوقت من أجل مزيد من تحصين عاصمته السياسية والاقتصادية في وجه التدخل البري الدولي المرتقب؟