السامريون
المشهد في الصورة ليس لحجاج بيت الله الحرام في يوم عرفات، وإنما هم حجاج السامريين، على قمة جبل جرزيم قرب نابلس، شمال الضفة الغربية في فلسطين، حيث تعيش أقدم وأصغر طائفة دينية في العالم، عددهم يُقارب 740 نسمة، هم السامريون، من يعتبرون أنفسهم السلالة الأصلية لبني إسرائيل، والمرافقون الأوائل لموسى عليه السلام في خروجه من مصر، فمنذ خروجهم من مصر وبقائهم في أرض كنعان لم يُغادروها إطلاقًا ،أي قبل 3645 سنة، وتعني كلمة “سامري” في العبرية القديمة محافظًا، أي كل سامري يجب أن يكون من المحافظين على شرائع الدين وأحكامه وضوابطه كما يجب أن يكون محافظًا على التوراة القديمة، والتي يعود عمرها إلى 3664 سنة، والتي كتبها الرابع من هارون، ابيشع بن فينحاس بن إلعازر بن هارون، شقيق سيدنا موسى بعد 13 سنة من وصولهم الأراضي المقدسة، والتي يعتبرها السامريون التوراة الأصلية والتي تختلف اختلافًا كبيرًا عن التوراة اليهودية، حيث تحتوي كل من التوراتين على فروقات تصل حد تكفير كل طائفة الأخرى.
السامريون واليهود
يُرجع العديد من المؤرخين العداء بين السامريين واليهود إلى مرجعية دينية، تعود إلى رحلة المسيح عليه السلام إلى الجليل ومروره ببئر يعقوب طالبًا الماء من امرأة سامرية، لترد عليه “كيف تطلب الماء وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟، وذلك لأن اليهود لا يتعاملون مع السامريين، لينفي الاعتقاد السائد بأن اليهود والسامريين وجهان لعملة واحدة.
يقول الكاهن الأكبر للطائفة السامرية في أحد لقاءاته إن السامريين واليهود يؤمنان بتوراة واحدة، إلا أن السامريين يؤمنون بالأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس ولا يؤمنون بالبقية، بعد هروبهم من بطش فرعون في مصر القديمة، عاش السامريون منشقين عن اليهود، حيث إن اليهود في أنظارهم هم من انشق عن الديانة من بني إسرائيل.
حدث الانشقاق بين اليهود والسامريين في زمن الملك سليمان وداوود، فكان الاختلاف على الهيكل، الذي يؤمن اليهود بوجوده في القدس، إلا أن السامريين لا يؤمنون بذلك الهيكل، هيكل سليمان، كما لا يؤمنون بنجمة داوود، ويؤمنون أن هيكل سيدنا موسى على “جبل جرزيم” حيث يعيشون، بالإضافة إلى إيمانهم أن سيدنا إبراهيم وقصته في ذبح إبنه “إسحاق”- على حد روايتهم – كانت على جبل جرزيم، في حين ينفيها اليهود ويؤمنون بحدوثها في القدس، كما أنهم يؤكدون على الآية الوحيدة في التوراة التي لم يُغيّرها اليهود وهي قول الله: “وجعلت البركة على جبل جرزيم”.
الديانة السامرية
ترتكز الديانة السامرية على خمسة أركان أساسية هي:
وحدانية الله الواحد الأحد، نبوة موسى بن عمران كليم الله ورسوله، التوراة خمسة أسفار، قدسية جبل جرزيم (الجبل الجنوبي لمدينة نابلس) وهو قبلة السامريين، واليوم الآخر وهو يوم الحساب والعقاب، وكل سامري لا يؤمن بالأركان الخمسة إيمانا أكيدًا ثابتًا وراسخًا غير قابل للشك، لا يعتبر سامريًا، تعتمد العقيدة السامرية على الوصايا العشر التي أنزلها الله على موسى الكليم في جبل سيناء، بعد خروجهم من مصر وتحررهم من عبودية فرعونها، وهي: “لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تنطق باسم الله كذبًا، احفظ يوم السبت، احترم أباك وأمك، لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد شهادة زور، لا تشته بيت قريبك وما يحويه، احفظ قدسية جبل جرزيم الذي اختاره المولى لإقامة الشعائر الدينية عليه”.
لغة السامريين هي العبرية القديمة، والتي يتم التعريف بها على أنها أم لغات العالم، وأقدم لغات العالم، إلا أن اليهود حرّفوا اللغة على يد “عذرا سُفير” المسمى في القرآن الكريم بـ “عزيز”، {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}، تم تغيير اللغة وكتابة التوراة على يد “عذرا سُفير”، بعد أن تحدث اليهود تلك اللغة لحقبة كبيرة من الزمن.
يؤمن السامريون بوجود الإسلام، كما يصدقون بوجود نبوءة النبي العربي في التوراة التي يؤمنوا بها، حتى أن تاريخ السامرية يشمل نصًا من رسول الله “محمد” عليه الصلاة والسلام، نص فيه على حماية للسامريين عندما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية.
نص بيان الحماية: “أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، أمرت أن يُكتب للسامرة أمان، وضمانًا على دينهم وديارهم”.
الجبل المقدس وأعياد السامريين
جبل “جرزيم” هو جبل الفرائض، حيث يتم تقديم القرابين عليه، كما فعل سيدنا إبراهيم وقام بذبح الشاه قربانًا إلى الله، حيث يؤمن السامريون إيمانًا قاطعًا بأن ذلك الجبل هو الجبل المقدس نفسه المذكور في التوراة القديمة، حيث إن القدس لم تذكرها التوراة ولا مرة بحسب روايتهم.
يحتفل السامريون بأعياد التوراة الدينية فقط وهي سبعة: عيد الفصح أو الفسح (عيد القربان)، عيد الفطير (العجين غير المختمر)، عيد الحصاد، عيد رأس السنة العبرية، عيد الغفران، عيد العرش (المظال)، العيد الثامن أو فرحة نزول التوراة، وليس للسامريين أعياد وطنية أو قومية، ومن خلال هذه الأعياد يحج السامريون إلى جبلهم المقدس (جبل جرزيم) ثلاث مرات سنويًا، في أثناء عيد الفصح وعيد الحصاد وعيد العرش.
صورة لكاهن سامري في عيد العرش
تقول السامري لوكالة الأناضول، بينما تواصل العمل في صناعة العرش،” في عيد العرش، نبني العرش المصنوع من أربعة أصناف هي كفوف النخيل وأغصان الغار وثمر الحقل وثمرة الترنج (ليمون بحجم كبير)، في المنازل بمشاركة الأطفال بناء على طلب رب العالمين من بني إسرائيل خلال التيه في صحراء سيناء عقب خروجهم من مصر، يعد عيد العرش، من أكبر أعياد الطائفة السامرية، حيث يتم تعليق الفواكه فيه كما في الصورة، ويتم حولها الأكل والشرب والصلاة والنوم كذلك.
مكانة المرأة السامرية كبيرة لدى السامريين، فهي السبب الأهم لاستمرار طائفتهم على وجه الأرض، حيث لا يتزوج السامري من خارج طائفته أبدًا، كما أنه ممنوع على السامرية أن تتزوج من غير سامري، وذلك حفاظًا على الطائفة وعددها، تعاليم الزواج عند السامريين تشبه تعاليم الإسلام، إلا في الزواج من زوجة العم بعد وفاته، وزوجة الأخ بعد وفاته، وأخت الزوجة بعد وفاتها، ولا يحق للزوج الجمع بين زوجتين إلا إذا كانت الأولى عاقرًا.
تفرض تعليمات التوراة على المرأة السامرية في فترة الحيض أن تمتنع كليًا مدة سبعة أيام عن أعمال البيت أو ملامسة السامريين أو أغراضهم، وتخصص لها غرفة خاصة بأغراضها.
يحمل السامريون الجنسية الإسرائيلية، إلا أنهم يتحدثون العربية بطلاقة، ويفخرون بوطنهم فلسطين، ويشغلون العديد من المناصب الحكومية في مدينة نابلس، التي يترددون عليها يوميًا من أجل العمل أو الدراسة.
السامريون من أكثر الطوائف الدينية التي تم ظلمها على مر العصور بداية من اليهود والآشوريين والفرس حتى ظهور الإسلام، حيث حماهم الرسول عليه الصلاة والسلام وأعطى لهم ضمانًا بالأمان، إلا أنهم مازالوا يعانون من التفرقة العنصرية بينهم وبين الإسرائيلين، كما يوضع حتى يومنا هذا حاجز من جيش الاحتلال على مشارف جبل جرزيم، يعيق حركتهم من الجبل إلى مدينة نابلس حيث يمارسون حياتهم اليومية فيها ويعودوا للجبل، كما أن جيش الاحتلال يسحب بطاقات الهوية لكل من أراد الخروج أو الدخول إلى الجبل، لذا انقطعت العديد من الصلات الاجتماعية التي كانت تجمع بين السامريين وأهل نابلس الفلسطينين بسبب الحاجز الإسرائيلي.