هي إحدى بلاد وسط آسيا المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، لا يهتم كثيرون بالشأن السياسي القوقازي، رغم أن ثمة حراكًا داخليًا تظهر بعض من ملامحه على وسائل الإعلام من حين لآخر، أما في الوسائل التي تُقدم المحتوى العربي فالتجاهل سيد الموقف للعديد من المتغيرات هناك في تلك المنطقة الملتهبة دائمًا من آسيا الوسطى.
تلك محاولة لرصد ما يحدث هناك في العاصمة الطاجكية “دوشنبه” الأيام القليلة الماضية، حيث أفادت مصادر في وزارة الدفاع الطاجكية بمقتل 33 عنصرًا من الجيش والشرطة في طاجيكستان يوم الجمعة الرابع من سبتمبر الماضي إثر مواجهات مع أنصار النائب السابق لوزير الدفاع نازارزودا، المتهم بالضلوع في محاولة انقلاب فاشلة.
وكانت وزارة الداخلية الطاجكية قد أعلنت في وقت سابق عن مقتل 17 من قوات الجيش والشرطة إثر هجومين مسلحين مختلفين في العاصمة دوشنبه ومدينة وحدات، وقد أكدت المصادر أن بعض تلك الاشتباكات كانت محاولة انقلابية على الرئيس الحالي إمام علي رحمن الذي قام بتسريح نائب وزير الدفاع تبعًا لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
وبحسب ما أوردت المصادر الطاجكية للإعلام فإن ثمة 7 أشخاص هم أعضاء في تنظيم تابع لنازارزودا اعتقلوا في العاصمة دوشنبه، إلا أن نازارزودا و135 آخرين من جنود في كتيبة المظليين للجيش الطاجيكيي تمكنوا من الهب باتجاه وادي راميت الواقع على بعد 45 كيلومترًا من العاصمة.
هذا وقد أعلن المدعي العام في طاجيكستان بعد سلسلة الهجمات هذه التي تعرضت لها العاصمة دوشنبه و وحدات، أنه تم تشكيل فريقٍ خاص للتحقيق يضم ممثلين عن لجنة الدولة للأمن الوطني، وضباطًا من وزارة الداخلية، وخبراء من مكتب المدعي العام للجمهورية، من أجل التحقيق في الأحداث الأخيرة.
وعلى إثر هذه الأحداث أُغلقت شوارع العاصمة الرئيسية دوشنبه في محاولة للسيطرة على الموقف، إلا أن عمليات التمشيط الجارية لم تفض إلى القاء القبض على المتمردين من الجيش حتى هذه اللحظة، ولقلة الأنباء الواردة من هناك فإن ما يُعطي انطباعًا عن خطورة الموقف هو إعلان الناطق باسم السفارة الأمريكية في دوشنبه، أن السفارة قامت بتعليق أعمالها وخدماتها بسبب سلسلة أعمال العنف التي وقعت في طاجكستان الفترة الماضية، وقد تم هذا التعليق حتى إشعار آخر إلى أن يستقر الوضع، وقد نصحت السفارة رعاياها هناك باتخاذ التدابير اللازمة والحذر الفترات القادمة وذلك بعد سلسلة حوادث العنف التي وقعت يوم الجمعة الماضي.
اتهامات للمعارضة الإسلامية في البلاد
اتهمت السلطات في البلاد المعارضة الإسلامية بمشاركة نائب وزير الدفاع المعزول في تدبير هذه الأحداث، تلك المعارضة التي تتمثل في حزب النهضة الإسلامي التي حظرته السلطات بعد أن اتهمته بإقامة صلات مع تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم “داعش”.
الجدير بالذكر أن هذا الحزب الإسلامي هو الوحيد المعترف به في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة ، وقد دخل قادة الحزب في ولم يجد قادة الإسلامي في صراع ضد الشيوعيين في البلاد معتمدين في ذلك على المواجهة المسلحة بعد تنظيم صفوفهم في الجارة أفغانستان، فاشتعلت الحرب الأهلية الدامية بين السلطات الشيوعية والمتمردين الاسلاميين والديمقراطيين آنذاك التي خلفت قرابة 150 ألف قتيل بين عامي 1992، 1997.
بداية تأسيس حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي، كانت عام 1973 وقد اعتبره البعض فرعًأ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين بالبلاد بسبب ارتباط أفكاره بمنهج الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في مصر، وسيد قطب، ومحمد قطب، ومحمد الغزالي، والمودودي، ويُعد هذا الحزب القوة الرئيسية المعارضة للنظام في البلاد، وقد كان نائب وزير الدفاع نازارزودا يُقاتل في صفوف الحزب إبان الحرب الأهلية في البلاد، ومع نهاية الحرب في عام 1997، انضم نائب الوزير الى حزب النهضة الاسلامي رسميًا، بعد أن شارك الحزب في الحكم.
إلى أن اعترف الجميع بالتواجد الإسلامي، ودخلت المعارضة الإسلامية المسلحة المعارضة في مباحثات سلمية مع الحكومة الشيوعية، وقد طالبت المعارضة أن تكون المفاوضات برعاية أممية وإسلامية من دول مثل المملكة العربية السعودية وباكستان وإيران وأفغانستان، ولخصوا مطالبهم آنذاك في تشكيل مجلس أعلى للدولة وحكومة مؤقتة محايدة وإيقاف الاعتقالات وعودة المطاردين وضمان أمنهم وإلغاء الحظر الذي فرض على تكوين الأحزاب وإجراء انتخابات برلمانية في غضون سنتين، وقد عقد الطرفان أول اجتماع لهم في موسكو في الخامس من أبريل عام 1994 واتفقا على تشكيل لجنة مشتركة لتسوية هذه النزاعات، إلى أن تم إيقاف النزاع المسلح بعد اتفاق على وقف الأعمال الحربية بين الطرفين.
وحاليًا تقف المكتلة الإسلامية في البلاد موقف المعارضة من الرئيس إمام علي رحمن الذي تولى الرئاسة منذ 22 عامًا، الخلافات تصاعدت بين الحزب الإسلامي المعارض والحكومة بعد إعلاق عدد من فروعه في البلاد، إلى أن هدد وزير العدل الطاجكستاني، حزب النهضة الإسلامي، بالإغلاق بعد اتهمه بممارسة أنشطة غير قانونية، وقد أمد الوزير في تصريحات نقلتها وكالة فرانس برس أن “حزب النهضة الإسلامي في طاجكستان لم يعد حزبًا جمهوريًا وعليه وضع حد لأنشطته غير القانونية”، وبالفعل قامت السلطات بحظره بعد اتهامه بوجود علاقات له مع تنظيم داعش.
لكن متابعون يصفون هذه الخطوات بمحاولة تصفية المعارضة الإسلامية في البلاد بذرائع واهية، فالحكومة تستغل انضمام أكثر من 600 من مواطني طاجيكستان إلى صفوف تنظيم الدولة في العراق وسوريا لتبرير حملتها ضد الإسلاميين في البلاد.
فيما اتهم زعيم حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، محي الدين كبيري الملاحق قضائيًا والمقيم حاليًا خارج البلاد السلطات بمحاربة الوجود الإسلامي في طاجيكستان من خلال ممارسات قمعية على ممارسة الشعائر الإسلامية بالبلاد.
يُذكر أن الحكومة الطاجكية تمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة منذ عام 2009، كما صدر قرار بحظر إعفاء اللحى للرجال ممن هم دون الأربعين، إلى جانب حظر التعليم الديني في البلاد لمن هم دون الثامنة عشرة، كما تُحدد السلطات أماكن محددة لإقامة الصلاة لا يمكن تجاوزها.
يرى الإسلاميون في البلاد أن مثل هذه الممارسات القمعية هي التي دفعت ببعض الشباب إلى الانضمام إلى تنظيم الدولة بسبب رؤيتهم الحكومة الطاجيكية تعادي الوجود الإسلامي والشعائر الإسلامية صراحة، وفي هذا تهديد مباشر لاتفاق السلام الموقع بين المعارضة الإسلامية والحكومة.
بالرغم من الإعلان عن استقلال طاجيكستان عن الاتحاد السوفيتي إلا أنها ما زالت مقيدة بموسكو في كل شيء؛ بسبب تحكم الروس في الاقتصاد المنها للبلاد، وضعف الجيش خاص بالدولة، إلى جانب وجود مستوطنين روس مسيطرين على مقاليد الدولة، حيث تمثل طاجيكستان أهمية كبرى للروس لاحتواء أراضيها على ثلث مخزون اليورانيوم في الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، ويرجع العداء إلى الوجود الإسلامي في البلاد إلى التحريض الروسي على ذلك من خلال دعم الحكومة الديكتاتورية هناك بشتى الطرق الممكنة.
كما أن طاجيكستان تتلقى دعمًا كبيرًا من علاقاتها بإسرائيل التي ترى ضرورة وأد أي نشاط إسلامي أصولي في البلاد، كذلك تطالب الصين دائمًأ الحكومة الطاجيكية بمنع وصول الأصولية إلى بلديهما، بسبب خشية الصين من امتداد الإسلاميين إلى منطقة سينغيانغ الصينية – ذات الأغلبية المسلمة – حيث يوجد بها 30 آلف طاجيكي.
كما أن من الأمور التي تقلق الغرب دائمًا هي امتلاك مثل هذه الجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي خبرات نووية كافية تخشى بالطبع انتقالها إلى التنظيمات الإسلامية الجهادية حول العالم، لذلك لم تنفك الدول الغربية من دعم الديكتاتورية القائمة في البلاد بالرغم من عدم اعتراف المراقبين الدوليين بنزاهة أي انتخابات تقوم في البلاد.
لذلك كل تلك الأحداث الأخيرة مقلقة للعالم المهتم بمصالحه في تلك المنطقة الساخنة، ومن المعتقد أن تلك النبرة العدائية بين الدولة والإسلاميين في البلاد قد تتزايد مستقبلًا ما سيعني دخول طاجيكستان في نفق آخر مظلم بعد خروجه منه عام 1997، ولكن ممارسات السلطة تجاه الحزب المعارض الأقوى في البلاد تشي باقتراب انهيار اتفاق اسلام الموقع بين الحكومة والمعارضة.