على مدى عقود طويلة استطاع قادة إسرائيل (يساريين ويمينيين)، إقناع المجتمع الدولي، بأن دولتهم هي دولة ديمقراطية خالصة، وسوّغوا لأنفسهم الادعاء، بأنها تمثل الحضارة والرقي والتقدم، وبأنها تتميز عن غيرها من دول المنطقة في دفع الحقوق وتقديم الواجبات، كما نجحوا أمامه أيضًا، في الفصل بين أن إسرائيل دولة إنسانية بالدرجة الأولى، وبين أنها ملتزمة بالذود عن مصلحتها القومية وبالمدافعة عن وجودها كحقيقة دامغة، وذلك من خلال تسويغ نشاطات إجرامية وسياسات منحرفة ضد الفلسطينيين بخاصة، باسم أمور متعلقة بالوجود اليهودي وبمصير الدولة بشكلٍ عام.
أظهرت إسرائيل أسى بالغًا، ورحمة مُتكاثرة تجاه مهاجرين يائسين عرب وخاصة السوريين، حتى فاضت عمّا يشعر به العرب أو السوريين أنفسهم، ونددت بكل الأعمال والإجراءات الحاصلة ضدهم، وأعلنت عن استعدادها للمساعدة إلى جانب أي قوة تأخذ على عاتقها الوقوف إلى جانبهم، وقامت تبعًا لإثبات إنسانيتها باستقبال بعضًا من المصابين، لتقديم علاجًا لهم في مستشفياتها.
لكن ذلك لا يدل على أن إنسانية كبيرة أو ثابتة، سيما وأنها تعيش نشاطات متناقضة، وفي هذا الشأن بالذات، فبينما تقوم بإبداء المزيد من الأسى والأحزان على أولئك المشردين، فإنها لا تبدي أي اهتمام بآلاف من العوائل الفلسطينية المشرّدة، وفي ضوء أنها هي من قامت بنفسها على تشريدها، وعلى مدى ثلاثة حروب ضارية ومتتالية، لا تزال تلك الأسر تقبع بين السماء والفضاء، ولا تجد حياةً معقولة كبقية بني البشر، ولا تزال هي من تُعيق مسيرة حياتهم.
الآن، وهي تدور في الجدل الكبير، بشأن مطالبات إسرائيلية رسميّة، تحثّ على استجلاب مهاجرين سوريين إلى داخل البلاد، ومنحهم الحماية الكاملة، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى فض ذلك الجدل بـ “دبلوماسية” جيدة، وعلى خلاف الذين عارضوا الاقتراح بشدة، باعتباره مساويًا للدعوات المُطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، بقوله: إن إسرائيل مُبالية أكثر بمشكلة المشردين السوريين، لكنها دولة صغيرة، ولا تستطيع استيعاب أيّ أعداد منهم.
أثبت نتانياهو بنفسه، بأن مبالاة إسرائيل ليست صحيحة، بل ومتناقضةً أيضًا، فهي لا تغفو برهة ومنذ قيامها، عن دعوة يهود العالم للمجيء إليها، وتجعل كل الإغراءات أمامهم كاملةً غير منقوصة، ليعيشوا حياتهم الأبدية في “أرض إسرائيل”، باعتبارها دولة كبيرة جدًّا ومترامية الأطراف، تبلغ أحيانًا من النيل إلى الفرات، وأحيانًا أخرى من المحيط إلى الخليج، وحتى على حساب العرب والفلسطينيين بخاصة، الذين يرفضون تلك الدعوة، وتبدو فجأة صغيرة وغاية في الصغر، عندما يتعلق الأمر باستقدام مهاجرين سوريين، وإلى حين انتهاء حرب بلادهم، وليس لمكوثهم إلى الأبد.
للتذكير، فإن إسرائيل حصلت على علاقات متوترة أكثر، من قِبل دولٍ أوروبية شتى، ترتيبًا على مساعيها بشأن استقدام يهود، وإشكالات ذات أحجام صارخة (إسرائيلية – فرنسية)على سبيل المثال، وخاصة في عهد كل من رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون وعهد نتانياهو الذي لا يزال ساريًا إلى الآن، عندما تم توجيه دعوات رسميّة لليهود الفرنسيين، بضرورة المغادرة إلى إسرائيل، وخاصة تلك التي تأتي في أعقاب أحداث أمنية واجتماعية أخرى.
نحن لسنا بصدد أن ينتهي الجدل في إسرائيل بالموافقة أو بدونها بشأن استقدام بعضًا من اللاجئين السوريين على نحوٍ خاص، كما ولسنا ضد أن يجد أولئك اللاجئون الأمن والحماية وسِعة العيش، ولكننا من ناحية، نقطع بأن إسرائيل ليست جديرة باستضافتهم، خاصةً وأن لديها مقيمين لبنانيين من (جيش جنوب لبنان) سابقًا، ولا تكاد تُكنّ أي احترام لهم أو تقدير، برغم ما قدّموه لنمائها ولتكريس دوامها، كما أن لديها مهاجرين أفارقة ولا قيمة لهم أيضًا، بل وتعدّهم عالة لا يجب الإبقاء عليها، ومن ناحيةٍ أخرى، فإننا نعتبر أن العرب هم أوْلى وأحق، بأن يسمحوا لإنسانيتهم بأن تظهر وتعمل حسب القواعد والأصول.