قالت مجلة “الإيكونوميست”، إن الصورة التي رسمت للجنرال الإيراني قاسم سليماني كأبرز عناصر الأمن الإيراني وكائن يتوارى في الظلال، ما لبثت أن تبدلت بعد أن بدأت صوره تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي وهو في ساحات المعارك داخل العراق.
وقالت المجلة إن إيران حرصت على إبراز تنامي نفوذها في الشرق الأوسط، وتساهلت السلطات في البداية مع نشر صور سليماني، ثم ذهبت تشجع وسائل الإعلام الإيرانية المملوكة للدولة على الإكثار من نشرها، وأصبح حديث الناس لدرجة أن بعضهم أنشأ له حسابًا تهكميًا على موقع “تويتر”، بل ذهب بعض المعجبين به إلى حد أن يطلق عليه لقب “سوبرماني”.
ولفتت إلى أن هذا التركيز الإعلامي سرعان ما تبدل واختفى سليماني خلال الشهور الأخيرة تمامًا عن الأنظار، ليظهر مجددًا وهو يقدم تقريره السنوي كالمعتاد حول الشؤون الإقليمية أمام مجلس الخبراء الإيراني ذي الحظوة والنفود، وأضافت: “لم يعد الأمر يقتصر على اعتبار صور السلفي الملتقطة له مع المليشيات الشيعية ضارة بل تعداه إلى التشكيك في جدوى ونجاعة جل الإستراتيجية التي انتهجها في العراق، وحول ذلك يقول أحد المحللين السياسيين في طهران إن سليماني مارس ضغوطًا شديدة على السنة في العراق حتى تواترت الشكاوى المرفوعة ضده”، ويقال إن من أبرز نقاده آية الله العظمى علي السيستاني، أكبر رجالات الدين الشيعة، الذي صدر عنه بحقه توبيخ علني في الثالث عشر من مارس بعد أن صدرت عن اللواء سلسلة من التصريحات التي تتباهى بنفوذ إيران المتعاظم في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين”.
المجلة إن رسالة خاصة وصلت من السيستاني إلى القائد الأعلى في إيران علي خامنئي، يعرب له فيها عن قلقه إزاء سلوك سليماني، حسبما صرح به مصدر مقرب في طهران.
وتشير المجلة إلى أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت التصريحات التي نسبت بعد ذلك بقليل إلى اللواء سليماني، والتي قال فيها إن ما يسمى بالهلال الشيعي قد وصل إلى دولة عربية خامسة هي الأردن، ويقول المصدر في ذلك إن سليماني “بات الآن تحت إمرة هيئة تقيد سلوكه ولم يعد بإمكانه التصرف كما لو كان وزير الخارجية بحكم الأمر الواقع”.
ولفتت الصحيفة إلى أن التدخل السعودي في اليمن كما يبدو هذا الصيف، كان له دور فاعل في الإطاحة بسليماني، وكان الإجراء السعودي، على رأس تحالف عربي، قد جاء ردًا على تورط إيران في مساندة ودعم الثوار الحوثيين.
ونقلت عن مصدر مطلع في طهران، إن فيلق القدس قدم تقديرًا سيئًا جدًا للوضع في اليمن، وأضاف: “لقد أكدوا للقائد الأعلى أن المملكة العربية السعودية ما كانت لتهاجم، ولهذا السبب عاد السيد رضائي إلى ارتداء زيه العسكري من جديد”.
والرجل المذكور هو محسن رضائي، الرئيس السابق للحرس الثوري الإيراني، الذي جرب السياسة ولكنه أخفق ثلاث مرات في أن يصبح رئيسًا للجمهورية، بعد تقاعده من القوات المسلحة في عام 1997.
وبحسب المجلة، فإنه يعتبر اللواء رضائي موضع ثقة لدى المسؤولين في طهران، ولكنه رجل تنقصه الكاريزما، ويبدو أن السبب وراء إعادته إلى الحرس الثوري هو وضع اللواء سليماني تحت المراقبة.
وأضاف المصدر، أنه “لا يوجد في فيلق القدس قسم للعلاقات العامة، والفيلق بطبيعته صامت لا يتحدث عن نفسه، ولذلك اعتبرت الصور التي نشرت للواء سليماني نوعًا من تخطي الخطوط الحمراء، ولهذا فقد تدخل النظام لوقفه عند حده”.
وأشارت “الإيكونوميست” إلى أنه وبينما انسحب سليماني بعيدًا عن الأضواء، فقد سطع نجم رجل آخر تقدم للواجهة بشخصية مختلفة تمامًا، إنه محمد جواد ظريف وزير الخارجيةـ وذلك أن إيران، التي كانت قد أبرمت للتو صفقة حول برنامجها النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية وخمس من الدول العظمى الأخرى، باتت تفضل العمل الدبلوماسي على العمل العسكري في كل من العراق وسوريا، وأشارت ظريف هو الذي يقود دفة السياسة الخارجية الإيرانية في الوقت الحالي في قطيعة مع ما كان عليه الحال خلال السنوات الأخيرة حينما كان اللواء سليماني ينظر إليه على أنه واجهة إيران السياسية في الخارج والمفاوض عنها.
وأشار إلى أنه وفي الأسابيع القليلة الماضية زار السيد ظريف كلاً من روسيا والعراق وعمان وقطر والكويت ولبنان، وقام هذا الأسبوع بزيارة إلى تونس، يقول المطلعون على دواخل الأمور في طهران إن مهمته الحالية تتمثل في إيجاد مخرج للوضع في سوريا يحد، بدلاً من أن يزيد، من تورط إيران العسكري في الحرب الأهلية هناك.
يذكر أن إيران تعترف بأنها فقط تزود نظام بشار الأسد بالمستشارين العسكريين، إلا أن عددًا من الجنرالات لقوا نحبهم قتلاً في سوريا، بالإضافة إلى العديد من الجنود، وباتت تكلفة التورط في سوريا مرتفعة جدًا، سواء من حيث المال أم من حيث الدم.
المصدر: عربي 21