خرج ليلة الأمس خالد مشعل بثقة أقل من المعتاد، وبحضور باهت شابه حضوره نهايات الحرب الأخيرة على غزة، في مؤتمر صحفي حول رؤية حماس للخروج من الأزمة الراهنة في الساحة الفلسطينية، بالتزامن مع الحديث في الشارع الفلسطيني عن المؤتمر القادم لحركة فتح، وفرص نجاح انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير من عدمها، وهو ما كان القضية الأبرز في مؤتمر مشعل ككل، هذا غير أن المؤتمر جاء بعد ما يقارب العام على وقف إطلاق النار، والفشل في تحقيق مطالبها السياسية، فارتفعت التوقعات، وتوقع الجميع مؤتمرًا شاملًا بالفعل لكل القضايا التي تشغل الرأي العام.
النفير العام للأقصى والقدس
بدأ مشعل حديثه بالتنويه لخطر التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، وتبعها بإعلان النفير العام وشد الرحال للأقصى والقدس، وطالب المقاومة بالقيام بدورها دون قيود، وحذر الغرب من أنّ “تمرير أي مخطط إسرائيلي لتقسيم الأقصى سيفجر غضبًا فلسطينيًا عارمًا يطال مصالح كان الغرب يظن أنها غير مهددة”.
سأتجاوز هنا فكرة مطالبته للجماهير المكبلة، وتنظيم حماس في الضفة الذي يبدو أنه فقد قدرته على إعادة تنظيم نفسه نتيجة الملاحقات الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، وأعود لأيام ما بعد حرب غزة، حيث أشار إلى أنّ وقف إطلاق النار في غزة لا يعني توقف العمليات في الضفة، والذي أدى هذا النوع من الإعلانات والمطالبات لصب مزيد من الإحباط على شعب محبط من انغلاق الأفق، ولا أدري فعلًا كيف لقائد أكبر تنظيم مقاوم أن يعلن النفير وهو على علم بعدم قدرة ممثل له على إلقاء كلمة في جنازة شهيد في الضفة الغربية؟!
قد تكون هذه المقدمة جاءت من باب ضرورة الحديث عن قضية توضح التحامه في الشارع، وقد تكون من باب استخدام شرعية المقاومة أو الحفاظ عليها فيما تلا المقدمة من حديث، ولكن في نهاية حديثه تبيّن أن هذه المقدمة بالفعل خارج سياق المؤتمر.
انتخابات المجلس الوطني ومنظمة التحرير
من خلال الرؤية التي قدمتها حماس، والبيان المكتوب الذي وزع على الإعلام، نستطيع اعتبار هذه القضية العنوان الوحيد الذي خرج مشعل للحديث عنه، حيث عرض خطته ورؤية حماس لإحياء اتفاق القاهرة والدوحة والشاطئ وصولاً لإحياء منظمة التحرير، وفي ذات الوقت، كل ما ورد حول هذه النقاط سبق وعرضته حماس وتحدث ناطقوها به، ولم نلمس ما قبل المؤتمر ولا من خلال ما ورد فيه وحتى اللحظة أيّ ملامح لقدرة حماس على الضغط لتنفيذ هذه الخطوات، وكأن كل ما جاء فيه إعادة صياغة لبيانات وتصريحات صحافية سابقة بغلاف مؤتمر صحفي رسمي لقائد الحركة، علّها تشكل ضغطًا ما.
بالرغم من ذلك، قد يزيد المؤتمر وتوقيته المتزامن مع تصريحات الفصائل والشخصيات المستقلة المطالبة أبو مازن بالعدول عن إجراء انتخابات المجلس الوطني وتأجيلها من أزمة أبو مازن، ليشكل ضغطًا جديدًا عليه، ويتيح له خيار الهروب الآني بحجة إجراء انتخابات أكثر ديمقراطية، تعمل على تمثيل الكل الفلسطيني.
هل من جسم بديل عن منظمة التحرير؟!
سبق وهدد مشعل بخيار الذهاب نحو جسم تمثيل يوازي منظمة التحرير يقدم برنامجًا سياسيًا آخر، ويتجاوز هيمنة فتح على المنظمة، وقد أكد وجود هذا الخيار على الطاولة رمضان شلّح في مقابلته على قناة الميادين بعد عام على حرب غزة نهاية أغسطس الماضي، وهذا ما لا يمكن تجاهله بالرغم من تجديد مشعل الحديث عن إعادة إحياء منظمة التحرير، فقد يكون إقدام أبو مازن على تجاهل كل دعوات التأجيل سببًا لصالح حماس، ولصالح التفاف باقي الفصائل حول جسم جديد.
ومع الحفاظ على هذا الخيار على الطاولة، لا بد من الإشارة إلى قدرة حماس الضعيفة على تأسيس جسم تمثيلي جديد، وخلق التفاف حوله من كل الفصائل، ولنا في عجزها ورفض الفصائل تشكيل هيئة تجمعها لتدير قطاع غزة، وعلى ذات البرنامج الذي يجري العمل عليه، برنامج المقاومة، خير مثال على ذلك.
المباحثات والمفاوضات السياسية و”طوني بلير”
أُثير هذا الجانب بسؤال من أحد الصحفيين، وقد انحصر رد مشعل حول ذات التصريحات والتسريبات الصحافية التي سبق وخرجت للإعلام، بلا أيّ جديد، وكأنّه حرص على إبقاء جميع أبواب حماس للمبادرات السياسية مفتوحة، دون الدخول في أيّ تفاصيل قد تحرجه أو تحرج الوسطاء، والضاغطين عليهم للخضوع لإحداها.
هذا الحصر والتهرب من الدخول في التفاصيل، وبالرغم من الحاجة للحديث عن أي أمل يلوح لصالح غزة وفك حصارها وإعادة إعمارها، قد يُنهي الشائعات حول وجود مفاوضات واتفاقيات، ويعيدنا إلى تحليلها من أرضية مبادرات تُقدم، لا أكثر.
عام من الحرب على غزة
لعل أبرز القضايا العالقة دون تقدم منذ نهاية الحرب ووقف إطلاق النار في غزة، هي كل تبعاتها وتفاصيل الوصول إلى اتفاق أو تفاهمات كان يُفترض بها أن تستأنف بعد ثلاثين يومًا، ومع زيادة الخناق والحصار، واللاأفق لإعادة إعمار شامل، وعملية اختطاف الفلسطينيين الأربعة في سيناء، هذا غير مرور عام على سؤال أهالي المفقودين في سفن التهريب التي غرقت في عرض البحر، كل هذه القضايا وغيرها تفرض نفسها على أجندة كل الساسة، ربما كان يجدر التعريج على غزة وحالها، والحديث عن الأفق أو اللاأفق في المستقبل مباشرة لأهلها، لا مجرد تحيتهم على صمودهم وصمود الحاضنة الأسطورية.
من يتذكر هيئة قيادات حماس – خاصة مشعل – أيّام نهاية حرب غزة، حيث كانت الضغوطات الكبيرة عليهم، وضعف أوراقهم السياسية، وصولًا إلى تجنبهم الحديث عن تفاصيل الجانب السياسي للمعركة وقتها، قد يرى ما يشابه تلك الصور في مؤتمر الأمس، فلا أوراق ضغط بين أيدي حماس، والحصار ما زال شديدًا، ولم يتبق لها غير استخدام قوة الظهور بحد ذاته لترجيح الكفّة لصالحها، وتقوية أوراقها، ولكن هذا لا يغير من فكرة عدم وجود أي صلب سياسي بين أيدي حماس وقياداتها حتى اليوم.