أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية في بيانٍ متلفز أن الجيش المصري بدأ عملية جديدة في سيناء حملت اسم “حق الشهيد”، وذلك منذ فجر أمس الاثنين، وقال البيان أن تلك العملية جائت كسابقتها في إطارمواجهة ما أسموه “الإرهاب في سيناء”، البيان الذي عرض على شاشة التلفزيون المصري أكد أن عناصر من الجيش الثاني الميداني مدعومة بعناصر من قوات الصاعقة وقوات التدخل السريع وبمعاونة وحدات مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة المدنية، قامت بمداهمة بؤر إرهابية في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش في شمال سيناء وقتل 29 شخصًا ممن أسماهم بالعناصر التكفيرية أو الإرهابية.
https://www.facebook.com/Egy.Army.Spox/videos/716368441827474/
بيان الجيش تحدث أيضَا عن مقتل ضابط وجندي وإصابة 4 جنود آخرين، وذلك بعد انفجارعبوة ناسفة في إحدى مركبات القوات المسلحة خلال العمليات، ولفت أيضًا إلى تكثيف القوات المسلحة لإجراءات تأمين الأهداف الحيوية والمرافق والممتلكات العامة والخاصة بمناطق العريش والشيخ زويد ورفح والطرق المؤدية إليها، وجاء هذا الإعلان بعد تصريحات قادة عسكريين وأمنيين أن الجيشين الثاني والثالث، يقومان بأكبر عملية عسكرية في سيناء بقيادة الفريق أسامة عسكر ضد من وصفوهم بالعناصر الإرهابية، ووُصفت تلك العملية من جانبهم أنها أكبر هجوم بري وجوي تشهده أراضي سيناء منذ حرب أكتوبر 1973، بينما عكف موقع وزارة الدفاع وشاشة التلفزيون المصري على عرض بعض الأغاني الوطنية التي تحتفل بالجيش، صباح اليوم، عقب إعلان البيان تكليلًا لما اعتبروه نجاحًا للعملية العسكرية الأخيرة.
إذن فقد قرر الجيش المصري أن العملية بدأت ونجحت في نفس الوقت، في إطار الحملة العسكرية التي تشهدها منطقة شمال سيناء منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو من العام 2013 وقبلها وحتى الآن بقيادة قوات الجيش، ودائمًا ما تخرج تلك العمليات تحت شعار “محاربة الإرهاب”، الذي يبدو أن عامين من محاربته غير كافيين للقضاء عليه في سيناء، فتلك الحملات والعمليات التي تشنها القوات المسلحة كل حين وآخر أوقعت آلاف من المدنيين ضحايا لها، إذ أسفرت مثل تلك العمليات عن مقتل مئات من المدنيين وتهجير آلاف آخرين، هذا فضلًا عن اشتداد عود التنظيمات المسلحة في سيناء، مثل تنظيم ولاية سيناء” الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مؤخرًا.”
رافق تلك العمليات إعلان حالة الطواريء وحظر التجوال وتجديده أربعة مرات كل ثلاثة أشهر، وذلك في أغلب المناطق بشبة الجزيرة السيناوية، فلم ينعم أهالي تلك المناطق في حياة مستقرة، فتحدثت تقارير حقوقية وصحافية عن قتل ما يتجاوز 1500 مواطنًا مدنيًا بينهم نساء وأطفال، فضلًا عن اعتقال ما يزيد عن 1000 أغلبهم لم يتم التعرف على مصائرهم، وتلك الأعداد شملت ضحايا خرق الحظر أو الاشتباه بهم من قبل القوات الأمنية، وكذلك الذين يرفضون ترك منازلهم أو معاونة الجيش على استخدامها ككمائن، بالإضافة إلى عشرات قتلوا جراء القصف العشوائي لطائرات الجيش على الأحياء السكنية بمدن شمالي سيناء، ولا نعرف إن كانت قيادات الجيش في سيناء تُعد ذلك من ضمن نجاح عملياتها أم لا.
كما أجبر آلالاف المواطنين على ترك منازلهم عنوةً والتهجير منها قسرًا دون تعويضات مناسبة لغالبية المهجرين، وتزامن ذلك مع التدخل العسكري للجيش في سيناء وإعلان حالة الطواريء، فتحدثت بعض التقارير الصحافية والحقوقية عن هدم قوات الجيش لـ 837 منزلًا، تقطنها أكثر من 1156 أسرة في ديسمبر الماضي خلال المرحلة الأولى التي بدأها الجيش لتهجير الأهالي تحت زعم بناء منطقة عازلة على الحدود المصرية-الفلسطينية، والتي رآها محللون أنها تخدم بالأساس الجانب الإسرائيلي كما أنها تضر بأهالي قطاع غزة، أما المرحلة الثانية شملت في خطتها تهجير آلاف من سكان مدينة رفح على الحدود مع غزة في مساحة جديدة تقدر بـ500 متر وبطول 13 كم و700 متر، بإجمالي 1200 منزل.
وبخلاف الضحايا المدنيين الذين وقعوا في تلك العمليات غير المحسوبة على الأرجح، إلا أن إيقاع الجيش بهؤلاء الضحايا المدنيين لم يكن المشكلة الوحيدة في هذا التدخل، فالإرهاب الذي يُحارب لم يتم استئصاله بعد، بل إن قوته تزداد يومًا بعد الآخر، فولاية سيناء التي عرفت سابقًا باسم أنصار بيت المقدس قبل مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي تواجدت في سيناء منذ فترة طويلة، كثفت هجماتها على الجيش بعد انقلاب الثالث من يوليو، حيث أصدرت الإصدار تلو الإصدار لاستهداف عناصر الجيش ومقارته، وقع أشدها بأسًا وتنظيمًا مطلع يوليو الماضي بعد سلسلة الهجمات المنسقة التي وقعت ضد 15 موقعًا أمنيًا وعسكريًا في آن واحد.
وليس هذا فحسب، الجيش بدلًا من محاربته الإرهاب انشق عدد منهم ليحاربوا الجيش نفسه بجوار هذا الإرهاب، وتؤكد عملية قادها الضابط البحري المنشق أحمد عامر النقاب بمساعدة مجموعة من البحرية المصرية في اختطاف أحد اللنشات البحرية وقتل طاقمه، الذين قصفوا بعد ذلك بطائرة للجيش للتخلص منهم، وكذلك خروج مجموعة تدعي انتمائها للقوات المسلحة للإعلان عن مسؤوليتها عن حادث مقتل النائب العام الذي وقع أواخر يونيو الماضي.
وكذلك حالة ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي الذي عمل مع تنظيم”ولاية سيناء” واتهم بالضلوع في التخطيط والتنفيذ لأكبر العمليات النوعية التي نفذت ضد قوات الجيش والشرطة، أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم بالتعاون مع الضابط المنشق وليد بدر، ومذبحة كمين الفرافرة، في شهر يوليو 2014، واستهداف الكتيبة 101 في شهر فبراير من هذا العام، وكان الرجل قد انشق مؤخرًا عن ولاية سيناء ليعلن عن تأسيسه لتنظيم “المرابطين” الموالي للقاعدة.
العمليات العسكرية للجيش المصري في سيناء بدءًا من العملية نسر التي انطلقت في 12 من أغسطس من العام 2011 عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وحتى العمليات العسكرية التي لحقت بها، والتي اشتدت وأصبحت أكثر شراسةً خلال فترة الحكم العسكري الراهن لمصر باستخدام الأسلحة الثقيلة، ورغم أن الجيش المصري يخرج بشكل شبه يومي ليتحدث عن تصفية العشرات من البؤر الإرهابية، إلا أن المسلحين في سيناء ما زالوا يشنون هجماتهم على القوات المتواجدة هناك ويُقعون خسائر في صفوف الجيش يتعمد الإعلام العسكري في مصر إخفائها
لكن إصدارات التنظيمات المسلحة في سيناء تؤكد أنها ما زالت موجودة بالرغم من إسقاط العشرات كل يوم منهم كما يزعم الجيش، وبالرغم من اطلاق العملية تلو الأخرى في سيناء لتطهيرها بحسب ما تصف البيانات العسكرية، إلا أن الواقع يتحدث أن سيناء يتم تطهيرها من أهلها وسكانها على وقع العمليات العسكرية العشوائية للجيش التي تستهدف مناطق المدنيين، وهو الأمر الذي أكده نشطاء من داخل سيناء لا زالوا يبثون صورًا ومقاطع لضحايا الجيش من السكان والمدنيين، وقد أجبرت السلطات المصرية الصحافة بتبني رواية الجيش لأعداد الضحايا أيًا كانت الحقيقة، ومن يُخالف ذلك سيتعرض لغرامات مالية ضخمة، وذلك في إطار التعتيم على فشل ما يحيق بتلك العمليات المزعومة، التي لا نعرف هل ستلحق عملية “حق الشهيد” الأخيرة بهم أم أن سيكون لها ناتجًا جديدًا غير سابقتها.