استتباعا لما نشرته في مقالتين سابقتين (انفجار.. ليس في “شبرا الخيمة” بل في “الإخوان” – انفجار الإخوان: المعركة دومًا من أعلى) عن محاولات خطف قيادات إخوانية سابقة لتنظيم الجماعة في مصر، كان لزاما أيضا بيان ما ارتكبته قيادة فترة ما بعد مجزرتي الفض “رابعة والنهضة” من فشل تسبب في تردي وضع الجماعة على النحو الذي لا يخطئه متابع فضلاً عن قريب صلة أو فاحص، وجعلت الجماعة وصفًِّها في هذ الموقف الحرج الحالي.
على مدار عامين ويزيد من تنفيذ الانقلاب العسكري في “يوليو 2013” تشكلت أربع إدارات للإخوان تقريبا، معظهم تعرضوا للاعتقال، وقليل منهم نجح في الخروج من البلاد بطرق مختلفة، وتبقى آخرون “لم يشاركوا فعليا في الإدارة لاعتبارات أمنية وصحية”.
الشاهد في إدارات ما بعد الانقلاب “عدا الأخيرة بنسبة أفضل قليلا” أنها اعتمدت بشكل أساسي على مجموعات إدارات المكاتب الإدارية المعتادة، وهي المجموعات التي كانت طرفا أصيلاً في أزمة الجماعة قبل الانقلاب بسبب موقفها السلبي تجاه قرارات الجماعة، فكان عملها منصب عقب الانقلاب على تنفيذ طلبات الإدارة الحاكمة، واستمرار الحراك دون رؤية واضحة.
غياب الرؤية كان سببا وجيها على الأقل في فشل الاستفادة من الحشود الضخمة التي كانت تضم مجموعات كبيرة للغاية من خارج الصف الإخواني، والاستفادة هنا ليست الاستفادة السياسية الضيقة، ولكن الاستفادة المقصودة، هو توجيه هذه الحشود لتنفيذ خطة إرباك وإجهاز حقيقية على العسكر ومجموعات مصالحهم والوصول لفعل ثوري مركز ومدروس ينهي هذه الدولة القمعية.
ولعل كانت أزمة الإخوان دوما هي إدارة الحشود وليس تجميعها، ونلاحظ هذا بدءا من أحداث قصر الإتحادية في “ديسمبر 2012″ مرورا بأحداث مكتب الإرشاد في” مارس 2013″، وأحداث رمسيس الأولى والثانية “يوليو وأغسطس 2013″، وانتهاء بمشهد يوم السادس من أكتوبر من العام 2013 الذي قتل فيه أكثر من خمسين متظاهرا.
ليس معنى ذلك تحميل إدارة الإخوان المسؤولية وتبرئة السيسي، فبالتأكيد أن السيسي مجرم هو وجيشه وشرطته وعصاباته القضائية والإعلامية ومموليهم، ولكن الفشل في إدارة الحشود الضخمة التي كانت قادرة على صنع حالة تغيير حاسمة في المشهد سهل توسيع علميات القتل “رحم الله الأبطال الشهداء”.
الحراك الطلابي أيضا كان ضحية لسوء تخطيط إدارات الإخوان، فالعام الدراسي “2013: 2014” شهد بطولات لا يمكن أن يغفلها التاريخ لشباب الجماعة الذين قدموا صورة بطولية لإدارة حشودهم في مواجهة الانقلاب، وبدلا من أن تساعدهم “إدارة الجماعة” بتنفيذ خطط حراك تربك الحشود الأمنية، تركت الطلاب والطالبات في الجامعات دون مساندة فقتل وأصيب واعتقل وفصل المئات منهم.
وجاءت الذكرى الثالثة لثورة يناير فكررت إدارة الإخوان نفس أخطاء إدارة الحشود في “السادس من أكتوبر” فقتل وأصيب واعتقل العشرات، وحدثت انتكاسة في الحراك حينها.
الملف الإعلامي نفسه كان كارثة، فالإخوان لم تكن تمتلك عقب الانقلاب سوى قناة فضائية وحيدة هي “أحرار 25″، وبدلا من أن تحشد لها فريقها الإعلامي، تركت القناة، بلا كفاءات مدربة، وبلا تمويل حقيقي في بلد تتنازعه الأزمات كـ”لبنان”، ورفضت فتح فرع لها في لها أسطنبول ،أو أي بلد أخرى، ورفضت تدريب فريقها الإداري والفني، وفي النهاية اختطف مدير القناة “مسعد البربري” من بيروت في وضح النهار ورُحِلَ إلى مصر ليحكم عليه بالسجن المؤبد، وجدير بالذكر أن محمود حسين أمين الجماعة في الوقت الذي أعقب الانقلاب كان هو المشرف على القناة، وكان تمويل القناة في معظمه مسؤولية “إخوان لبنان – الجماعة الإسلامية”، ولم تدفع إدارة الجماعة مليما لتطوير القناة.
لم يكن القصور في إدارة المنفذ التلفزيوني للجماعة فقط، ولكن غياب لفكرة إيجاد تصور واضح ورؤية لإدارة ملف إعلامي جاد مقاوم، فلا أنشأت الجماعة منصات إعلامية جديدة والا دعمت منصات موجودة، حتى في تجربة قناتها الثانية “مصر الآن” فالواقع فيها هو الآخر مزر للغاية، وتستخدم الآن كأداة في الصراع الدائر بين الأطراف المختلفة في الجماعة، كما أن إعلاميي الجماعة كثير منهم هرب من إدارة هذا الملف أو المشاركة فيه بسبب التنافس غير الشريف أو الاتهامات التي ستلحق بهم على المستوى الأخلاقي أو المهني أو المالي من منافسيهم الذين لم يلتحقوا بأي مؤسسة إعلامية تابعة للجماعة.
ضف على ملف الحراك التظاهري والإعلام، الملف الحقوقي وفشل القضايا التي رفعت ضد السيسي ونظامه لإسنادها لغير مختصين أو غير أمناء، نحن نتحدث أيضا هنا عن فشل ذريع في غياب إحصاءات دقيقة عن المعتقلين وأماكن احتجازهم وأنواع قضاياهم، وكذلك فشل في حصر الشهداء والمختفين والمفقودين “بدأ الأمر في التحسن مؤخرا ولكنه جاء متأخرا”.
ضف على ما فات تغيير الخطط والرؤى كل ستة أشهر لفشلها أو لخطأ في التقدير أو الإدارة والتبني، ولغياب مجلس شورى منتخب يعبر عن قطاعات الإخوان المختلفة.
أخطاء إدارات الإخوان المتتالية دفعها باستدعاء الشباب لكي تحل نفسها مؤقتا من الأخطاء المرتكبة على مستوى التكتيك والاستراتيجية، فشكلت ما أسمته “الوحدة الثورية” التي تضم مسؤولين عن لجان الشباب والطلاب والإعلام والحراك واكتفت بوضعهم في مهام تنفيذية “بحتة” في إطار محدد لا يمكن أن يتجاوزوه.
هذه الوحدة مع الوقت تمكنت من تولي أمر المشهد “الحراك” خصوصا مع الصعوبات الأمنية التي حالت كثير من القيادات السابقة في إدارة الجماعة من التواجد والمشاركة، ولكن استغراق هذه المجموعة في أعمال الحشد والإرباك ضد الانقلاب، أبعدها عن الصف الإخواني الذي تعاملت معه “كأنفار” في الحراك، ولم تسع مع لجنة الصف “التربية سابقا” في عمل مناهج تربوية جديدة تساعد على تثوير الصف الإخواني، ولم تدفع بنقباء “مسؤولين” تربويين ثوريين، فتركت الصف عرضة لمسؤولين تربويين كثير منهم لا يفهم الثورة ولا آلياتها ولا نفسيات الثوار، أو توقفوا عن المشاركة عن العمل التظاهري “كأضعف الإيمان”، وكانت النتيجة تراجع الحراك ومجموعاته الفاعلة.
أزمة الوحدة الثورية أيضا أنها اقتصرت على دعم العمل التظاهري ولم تدفع بنفسها أو مجموعاتها الفاعلة في تدوين استراتيجية علمية تنفيذية “تظاهرية – مقاومة – تربوية – تنظيمية”، وربما كان هذا خطأهم الأكبر، وضف عليه تأخرهم في اتخاذ قرارات حاسمة في الأوقات الحرجة.
كما أن الوحدة حصرت تعاملها بين الإدارة العليا “مسؤولو القطاعات الإدارية والمتبقين من أعضاء مكتب الإرشاد” وبين المجموعات التي تديرها فلم يسمع عنها الصف ولم يشاركها في أدوارها، فانعزلت، فلم يعرف مسؤوليها الذين كانوا يتحركون بأسماء مستعارة لحفظ أمنياتهم، خصوصا وأن أمن الانقلاب كان يسعى طوال الوقت للوصول لهذه المجموعة والتي تعرض عديد منهم للتصفية والاعتقال، ورغم أن معظم أعضاء اللجنة من الشباب تحت الأربعين إلا أنهم لم يسعوا بشكل جدي أن يقنعوا الصف بهم وبما يفعلوه من جهد ونضال كي يدفعوا الصف لأن يكون خلفهم متبنياً لخطواتهم الثورية، خصوصا وأن كثير منهم لديه رأىً وجهدا عاليا في التنظيم والحشد والترتيب والتنظير، ولكن المحاذير الأمنية ربما هي التي تسببت في احتجابهم عن الوصول للصف بشكل أفضل.
حتى في الأزمة الأخيرة بين طرفي الإدارة السابقين “د. محمود عزت و د. محمد عبدالرحمن ود محمو غزلان” وبين “د. محمد كمال وحسين إبراهيم وعلى بطيخ” لم تتخذ مجموعة الوحدة الثورية رأيا حازما في الأزمة بالانحياز الإيجابي أو السلبي، وقررت الابتعاد عن الأزمة، باعتبار أن الأزمة ستنتهي كغيرها وأن الوحدة الثورية هي رمانة الميزان وأنه من غير المقبول دخولها في هذه الأزمة وأن مهمتها الحفاظ على الحالة الثورية، ولكن مع الوقت اكتشفوا أن الأزمة أثرت بالفعل على الحراك والعمل الثوري بشكل كبير، وأنهم باتوا مستهدفين من محمود عزت ومحمد عبدالرحمن، وأن الأخيرين إذا تمكنا من الجماعة وإدارتها فسيعصفان بهم وبالعمل الثوري برمته.
الخلاصة في النهاية أن الجماعة في وضع حرج، حتى مع المحاولات الدائرة الآن من مجموعة محمود عزت ومحمد عبدالرحمن لاحتواء المسؤولين المنتخبين مؤخرا عن قطاعات الجمهورية السبع، أو بمعنى أصح لإجبارهم على وضع إداري معين، تبقى الأزمة مستمرة في ظل تحركات مختلفة داخل الجماعة لرفض الإقرار بسلطة الماضي الفاشل مع اقتناعهم بأن الإدارات الإخوانية كلها واحدة، فمحمود عزت كمحمد كمال، وعلى بطيخ كمحمد عبدالرحمن، جميعهم أفشلوا الجماعة وسيجتمعون في النهاية تحت راية “وحدة الجماعة واحتواء الغاضبين” وليس تحسين الأوضاع السيئة، وإقرار نماذج المؤسسية والشفافية وتوسيع المشاركة، والتخصصية، والسعي الجاد المدروس لإسقاط الانقلاب العسكري.
الحديث يتبع والمقال القادم: انفجار الإخوان “الأخير”.. والصف مسؤولٌ عن الفشل
للاطلاع على المقالين السابقين: انفجار.. ليس في “شبرا الخيمة” بل في “الإخوان” – انفجار الإخوان: المعركة دومًا من أعلى