قرارات بلدان العروبة لا تحكمها مصالح ظاهرة بقدر ما تكون متناقضة مع واقعها، هذا ما نلاحظه في تكتل أنظمة دول الخليج لزلزلة كل ما هو قائم باليمن، فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية التي لا يعترض عليها أحد في خوض حربًا محطمة لبلد لا تنقصه قاذفات ومقنبلات ولا حوامات تنزل لهيبها على بنية تحتية مترهلة وشعب فقير لا يملك من الثروة إلا ما نزر، عكس من يحاربوه، وقد عاش لسنوات طويلة حياة مريرة لقلة الإمكانيات والسياسات التي جعلت منه بلدًا يعد من أفقر أمم الأرض، فهل صحيح أنه يهدم أمن بلد به أرض الله المحرمة؟!
الجواب يعرفه الجميع ولا يحتاج لتعليق، فلئن أدعى أي أحد غير هذا، فهو لأسباب غير صادقة، فمن يا ترى له الجسارة في اقتحام أرض الله المحرمة، لكن ونحن نضع حججهم الواهية من دون سند، نأتي لأسباب قد تكون بينة وغير واضحة على خلق أجواء متعفنة آلت بعدها الأحوال إلى حرب مدمرة الرابح فيها خاسر، فالمملكة التي وقفت منذ زمن بعيد بوجه اليمن وحرضت القبائل الحدودية على ثورات معاكسة لا تصلحها رياح التغيير التي هبت من جنوبها وبمساعدة من جيش مصر.
وما حدث بحرب 1967 ونتائجها أعطى لنا صور واضحة للعيان، فهذا الملك فيصل بن عبد العزيز كان أول رافض لنداء عربي يهدف إلى تغطية حرب عربية وليست فلسطينية أو مصرية أو أردنية أو سورية، بل كانت حربًا على الأمة بأسرها، وكانت مصر أكبر خاسرة لها أرضًا وجنودًا وسياسة على اعتبار أنها كانت رائدة العالم العربي فسقوطها مدويًا مجلجلاً على الجميع.
ولنا أن نسأل أنفسنا والذين عايشوا أيام النكسة، هل قدمت المملكة شيئًا ذا بال قبل قيام المباغتة الإسرائيلية للجيوش العربية؟ الواقع ينفي ذلك فحصيلة ما كان لا يتعدى كتيبة غير مجهزة لا تحسن لا كر ولا فر، أما عن الإمارات فقد كانت يومها تحت الانتداب البريطاني.
ومؤتمر الخرطوم الذي برمج ليكون أول خطة تتبناها الحكومات العربية لمحو أثار الهزيمة أين راح يتخذ له شعاره الثلاثي “لا للتفاوض .. لا للاستسلام .. لا للاعتراف بالأمر الواقع”، هذه الثلاثية جمعت سياسيًا العرب إلا المملكة التي ماطلت في الرد عليها وحضور الملك فيصل للخرطوم كان خوفًا من انحسار دور المملكة وتعاطي الشعوب العربية كلها لهذا الثالوث، وقد أتى مرغمًا لا بطل، وتعهد بدفع مصاريف من الخزينة الملكية، وهذا ما أعاد الأمل للذين تبنوا سياسة الرد على ما حصل في سرية وهذا ما حصل يوم 6 أكتوبر 1973.
يومها كانت الإمارات في بداية نشأتها تحت قيادة زعيمها المحنك حكمة وبعد نظر، لا زالت تبحث عن أرضية ترسي بها نظامها الذي بات مؤسسًا على عائلات تحكم مثلها مثل سائر جيرانها، ومنها فالإمارات لم يكن لها لا بحرب اليمن الأولى دخل ولا بالثانية التي وحدت الجنوب والشمال تحت قيادة الرئيس علي صالح وبدعم من السعودية لأنها كانت في الطرف المناهض للاتحاد السوفيتي، وقد تكون هناك مساهمات ولكن مبطنة لم تظهرها للعيان لفوز صالح على البيض الذي بات اليوم مقيمًا بالسعودية بعد أن حاربته وأخرجته من الحكم.
ونحن نبحث عن أحوال غير مرضية بين اليمن والإمارات فلا نجد شيئًا جاد أخذ به تبرئة للذمم، فالإمارات بعهد زايد ليست هي الإمارات بعهد ابنه محمد، فالذي كان يجمع ويغيث بات ماضي على اليمن نسيانه، فالعدوان بلا مبرر شيء لا يمحى من ذاكرة اليمني غير المنتفع ولا المنتفع ذاته لأنه يلاحق من ساند ومد يد العون لتخريب شعب ومقوماته.
والسؤال الكبير الذي لا نجد له إجابة واضحة هو لماذا الإمارات تحشر أنفها في دولة لا تقاسمها حدود وصراع على مصالح؟ والواضح أن فنون الهرطقة طالت حكام لا يدركون أن ما صنعوه عار وعداوة لن تزول بزوال أي نظام، وفائدة وربح حرب ليس معناه تحكم في دواليب اقتصاد وسياسة وفقط بل الأمر يحتاج إلى صراع مرير سوف يقوم وهو الآن قائم، فالبذرة السيئة زرعت لتعطي سوء مثلها إن لم نقل أكثر.
الإمارات دولة صغيرة الحجم، قليلة القدرات البشرية تعتمد على فائض عمولات ساقها لها نفط هو الآن في تدحرج لأسعار قد تدفع بالشركات المستخرجة إلى التوقف، ومظاهر البهرجة والسياحة والفندقة قد تتحول إلى إيران صاحبة الكم الهائل في البشر والاستهلاك الذي تطلبه الشركات الكبرى، فلماذا لا تنظر نظرة مستقبل لأن متغيرات الماضي والحاضر لم تعد صالحة للقياس، فقد يحصل بها إفلاس فما هي فاعلة والقوى الضاغطة كثيرة؟ واتباعها السعودية في غزو بلد عربي يجلب عليها إرهاب متوقع فيضيع الأمن وتذهب الاستثمارات سدى، فالجوع لا يعرف أصدقاء، وهي لا تطل على البحر الأحمر وهذا معناه أن أمنها القومي ليس هناك بل هو بالخليج وكفى، فهي ليست دولة كبيرة بكبر مصالحها واقتصادها وقواها الأخرى، فلم التنطع من فراغ وتمددها لن يقلق أحد فصغير الشيء لا اتساع له لأن حجمه ضيقًا.
الإمارات المتحالفة مع المملكة على أسس عائلات مالكة ليس إلا سوف تطعم من نفس الطعم الذي أطعمته للشعب اليمني بكل طوائفه لأن الحرب لا تفرق بين الجميع، ومن هنا فقد زرعت بذور كراهية وأحقاد لا تفنى إلا بزوال لأجيال عرفت ما جرى، والملاحظ المقيّم للأمر له أن يستنج الكثير لخارطة سوف تظهر قريبًا وما تحمله لن يكون سهلاً للهضم من الشعوب التي نكلت بها قياداتها في شراء عداوة لم تكن فيها طرفًا، فما على الإمارات أن تنسحب من مشاركة نصبت لها فخًا لتبقى حبيسة ماضي لا تريد له شريكتها انفلات، والزمن وحده سوف يحكم على هذا العدوان، ولكن مظاهره توحي بأن تغييرًا كبيرًا سوف يقضي على اليابس والأخضر، فهل انتبه قادتها إلى وجود إماراتهم أصلاً وهم لا يملكون قوى تضاهي قوى أخرى سوف تكون فاعلة.