تحدثت وسائل إعلام دولية في الأيام الأخيرة عن قيام الحكومة الروسية بإرسال وحدات مقاتلة من الجيش الروسي إلى الأراضي السورية بهدف مساعدة القوات الحكومية في قتالها للتنظيمات الجهادية؛ فقد قال المحلل العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان في المقال الافتتاحي لصحيفة يديعوت أحرونوت الإثنين 31 أغسطس الماضي “إن روسيا وإيران، وبموافقة من الولايات المتحدة، اتخذتا قرارًا إستراتيجيًا للقتال إلى جانب الأسد لإنقاذه”، مؤكدًا أن سلاح الجو الروسي بدأ يحلق في سماء سوريا، وأن المقاتلات الروسية ستشن خلال الأيام القريبة القادمة غارات على مواقع لتنظيم الدولة وكتائب إسلامية معارضة للأسد.
الخبر الجديد القديم لم يكن مفاجئًا للمتتبعين الذين يعرفون جيدًا الدور العسكري الروسي في سوريا، فمنذ سنة 2013 ظهرت فيديوهات بثتها كتائب المعارضة السورية تظهر مقاتلين روس يقاتلون في الجبهات الأمامية مع القوات النظامية السورية، كما أجرت قناة فضائية روسية في شهر نوفمبر 2013 تحقيقًا عن مقاتلين روس قالت إنهم مرتزقة كانوا يقاتلون مع الجيش السوري مجرية حوارًا مع أحد العائدين منهم والذي تحدث عن تفاصيل تجنيده وعن العقد الذي أبرمه مع الحكومة السورية وعن وظيفته المتمثلة في حماية المنشآت الحيوية في سوريا، لكن الأمر تغير عندما وصل إلى المشاركة في قتال كتائب المعارضة.
كما نشرت حركة أحرار الشام في 30 من نوفمبر من نفس السنة ما قالت إنها بطاقة شخصية لأحد مرتزقة شبكة “موران” الأمنية الروسية قتلته في إحدى المعارك، وهي واحدة من الشركات الأمنية التي تعاقدت معها قوات الأسد للقتال داخل الأراضي السورية مقابل رواتب مرتفعة وضمن عقود مشبوهة وفق أحرار الشام.
شبكة موران الأمنية يوجد مقرّها الرئيسي في سانت بطرسبرغ، ويديرها “فياتشيسلاف كلاشينكوف”، وهو ضابط احتياط برتبة مقدّم في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي FSB ومما لا شك فيه أنه مرتبط بجهاز الاستخبارات الروسي.
وكشف موقع “فونتانكا”، ومقره مدينة سانت بطرسبورج الروسية في منتصف شهر نوفمبر 2013 عن قتال فرقة من المرتزقة الروس تحمل اسم “الفرقة السلافية” إلى جانب قوات النظام، وفي شهر أكتوبر عام 2014 فكك الجيش السوري الحر، محطة تجسس روسية في بلدة تل الحارة جنوب القنيطرة، على الحدود مع إسرائيل، ويظهر مقطع مصور بثه الثوار، وثائق معلقة على الجدران، ومكتوبة باللغتين العربية والروسية، بما فيها رموز أجهزة الاستخبارات السورية والمديرية السادسة في جهاز الاستخبارات الروسي الخارجي وكذلك أظهرت الصور بعض الجواسيس من كلا البلدين وهم يعملون على فك الرموز وقراءتها، كما تظهر الخرائط التي تمّ عرضها، مواقع الثوار وإحداثيات لوحدات تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
لن نستعرض كثيرًا تلك التقارير الإعلامية المتنوعة والتي تحدثت عن وجود مستشارين عسكريين من روسيا ومئات المقاتلين من المرتزقة الروس اللذين يقاتلون إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد دفاعًا عنه، لأن الأمر محسوم وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك وجود مرتزقة من عدة دول تقاتل جنبًا إلى جنب مع القوات النظامية السورية.
ولكن وبعد أن انتهى دور المرتزقة وفشلوا في الدفاع عن المدن السورية التي سقطت في أيدي قوات المعارضة والجماعات الجهادية وظهور أغنى وأخطر تنظيم “إرهابي” في العالم؛ أصبح لزامًا على حلفاء الأسد الذين لهم مصالح كبرى في سوريا أن يتدخلوا بأنفسهم سياسيًا وبقواتهم عسكريًا لمنع سقوط النظام الذي يمثل سقوطه دمارًا لمصالحهم العسكرية والاقتصادية.
لقد تأكدت اليوم تصريحات قائد قوات الإنزال الروسية الفريق الأول فلاديمير شامانوف، الذي أعلن يوم الثلاثاء 4 أغسطس، أن القوات الخاصة ستقوم بمساعدة الحكومة السورية في حربها الحالية ضد “الإرهابيين”، إذا تلقوا الأوامر بذلك، وقال شامانوف للصحفيين وقتها، ردًا على سؤال وُجّه له حول استعداد قواته لتقديم المساعدة العسكرية للحكومة السورية في محاربة الإرهاب “تلك القرارات تتخذها الحكومة، ونحن بطبيعة الحال، سننفذ المهمة إن كلفنا بها”.
فالدور الروسي في إطالة أمد الصراع في سوريا إلى حين استكمال الاتفاقات بين الدول الكبرى من أجل ايجاد البديل المثالي لخلافة الأسد والحفاظ على المصالح الروسية فيها، فالبديل لا يمكنه إلا أن يكون مواليًا لروسيا ويحافظ على كل الاتفاقيات المبرمة مع النظام السابق، فرحيل الرئيس السوري بقوة السلاح يعني خسارة مليارات الدولارات من الجانب الروسي وإمكانية الرحيل من قاعدة طرطوس البحرية وخسارة موقعها الوحيد في منطقة الشرق الأوسط.