الصراع على زعامة التيار الجهادي العالمي بين الظواهري والبغدادي

5b6a2f08-4ea9-4cdd-b3a9-789ffbe570b9_16x9_600x338

أنكر أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في تسجيل صوتي منسوب له شرعية خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أكد أنه لا يرى أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة خليفة ولا أهلًا للخلافة، حيث اعتبر خلافة البغدادي المزعومة خلافة “استيلاء وغلبة” بحسب وصفه، إذ قال الظواهري نصًا “لا نعترف بهذه الخلافة ولا نراها خلافة على منهاج النبوة، بل هي إمارة استيلاء بلا شورى، ولا يلزم المسلمين مبايعتها ولا نرى أبا بكر البغدادي أهلا للخلافة”.

أما بالرغم من هذا فقد أكد الظواهري أنه رغم عدم اعترافه بتنظيم الدولة وخلافته المزعومة فإنه لا يمانع في التعاون معهم بقتال من وصفهم بـ”العلمانيين والصليبيين والنصيريين والصفويين” لو كان في العراق أو الشام لأن هذا الأمر بحسب وصفه أكبر من منه ومن زعمهم إقامة الخلافة.

كلام الظواهري هذا ليس الأول في نقد خلافة تنظيم الدولة الإسلامية المزعومة في العراق وسوريا، فقد أحدث تسجيل صوتي آخر للظواهري في شهر نوفمبر من العام 2013 ضجة  في الأوساط الجهادية، بعد أن دعا فيه الرجل إلى إلغاء تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، مع الإبقاء على “جبهة النصرة كممثل للقاعدة في سوريا والاكتفاء بتنظبم الدولة الإسلامية في العراق لكن أبو بكر البغدادي رفض ما قاله الظواهري جملة وتفصيلا، وبذلك أعلن الشقاق بين ممثلي تيار الجهاد العالمي في سوريا.

مع تقاذف التهم والقتال الذي دار بين جبهة النصرة الموالية للظواهري وتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا الموالي للبغدادي، رد تنظيم الدولة على الظواهري في إصدارات متعددة له واتهمه بعدة تهم في مقدمتها الانحراف عن “النهج الجهادي”، وكذلك اتهموه بشق صفوف “الجهاديين”، في حين لم تُفلح محاولات الصُلح بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بعد اشتداد المعارك بينمها في مطلع عام 2014.

هذا الأمر يعود بنا إلى نشوء صراع على زعامة التيار الجهادي صاحب النزعة العالمية بعد مقتل مؤسس تنظيم “قاعدة الجهاد العالمية” أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية في باكستان أبريل 2011، وإسناد مهامة إمارة التنظيم إلى الطبيب المصري أيمن الظواهري، ومع انطلق عملية تسليح الثورة السورية أمام نظام بشار الأسد، وجدت التيارات الجهادية متنفسًا لها في أرض سوريا فاقتحمت ساعة المعارك بداخله تحت لواء تنظيمات تابعة للقاعدة، والتي لاقت دعمًا من التنظيمات الجهادية المبايعة للقاعدة في العراق.

جذور تاريخية للخلاف

الخلافات بين القاعدة في العراق وشتى التنظيمات الأخرى لها خلفية تاريخية بعيدة عن الصراع في سوريا، فهي تعود إلى العام 2004 بعد انضمام أبي مصعب الزرقاوي إلى تنظيم القاعدة القاعدة ومبايعته أسامة بن لادن، وهو رجل صاحب خط غير متسق مع سياسة القاعدة كلية، حيث أضفى الزرقاوي على المشهد القاعدي في العراق تشددًا وتصلبًا، وكان ذلك محل خلاف مع قيادة التنظيم الأم.

إذ سعى الزرقاوي إلى الدخول في قتال مع الفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى في العراق مثل كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي تحت دعاوى اتهامهم بأنهم “صحوات مرتدة” معينة قبل الولايات المتحدة لقتال الجهاديين في العراق، وهو الذي كان يرى أن قتال العدو القريب أولى ومقدم على قتال العدو البعيد لذلك كان في خلاف دائم مع قيادات التنظيم خارج العراق.

هذه المواقف ورثتها قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بعد مقتل الزرقاوي، وهي التي بقيت معها حالة عدم الرضا من قيادة التنظيم المركزية بزعامة أسامة بن لادن على توجهات التنظيم في العراق إلا أن حيلة التنظيم المركزي كانت قليلة في توجيه أتباع الزرقاوي الجدد، وظل هذا الخلاف مكتومًا إلى أن تم تسليح الثورة السورية.

الثورة السورية أظهرت هذا الخلاف

مع ولادة تنظيم “جبهة النصرة” كفصيل إسلامي مقاتل في سوريا دون إعلان ولائه لأحد مع وجود صلات قوية وتنسيق مع تنظيم دولة الإسلام في العراق تحت إمرة البغدادي، إلى أن أظهر أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة ولائه لتنظيم قاعدة الجهاد العالمي وبايع الظواهري على إثر محاولات البغدادي إقامة تنظيمه الخاص بالعراق والشام وهو الأمر الذي رفضه الظواهري، إلى أن ارتفعت وتيرة الخلافات بين الفريقين وتحول الأمر إلى سجالات إعلامية وشرعية، ومع تزايد الاستقطاب دخلت الأمور مرحلة النزاع المسلح.

وصلت الأمور إلى حد فشل جميع الوساطات في حل النزاع القائم بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي أعلن إقامة الخلافة ونصّب أبي بكر البغدادي كخليفة مزعوم وطالب التنظيم جميع الفصائل الإسلامية الإنضواء تحت لوائه، ولكن في المقابل استعان تنظيم جبهة النصرة بزعيم تنظيم القاعدة المركزي أيمن الظواهري ورفض تلك الخلافة المزعومة وبدأت مرحلة الصراع على الهيمنة الجهادية العالمية، بعد تبني تنظيم الدولة الإسلامية طرحًا عالميًا مماثلًا لتنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي أحدث فرقة بين التنظيمات الجهادية حول العالم التي انقسمت بين فريقين بين مبايع جديد لدولة الخلافة، وبين متمسك بنهج القاعدة القديم وببعية للظواهري.

تنظيم الدولة الإسلامية والانتشار على حساب تنظيم القاعدة

بعض الانتصارات السريعة التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي عُرف إعلاميًا بعد ذلك بداعش، أغرت العديد من الجماعات الجهادية حول العالم في الأقطارالمختلفة حتى أعلنت البيعة للبغدادي وخلعت عباءة الظواهري والقاعدة، تصاعد هذا الأمر عقب إعلان دولة الخلافة المزعومة في الرقة السورية والموصل العراقية، مع قدرات تسويقية هائلة لتنظيم الدولة نجحت في دعوة العديد من الجماعات الجهادية إلى اللحاق بركاب البغدادي إما بتصدير المقاتلين أو بإنشاء فرع لتنظيم الدولة في كل قطر كما حدث في مصر وليبيا ونيجيريا على سبيل المثال لا الحصر.

أصبح الواقع يتحدث عن انشقاق فعلي وجذري حادث في صفوف غالبية التيارات الجهادية حول العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، حيث الخروج عن طاعة التنظيم المركزي الجهادي الأكبر في العالم “تنظيم القاعدة” والتحول إلى تنظيم المكاسب السريعة الذي أقام دولة بنظرهم في شهور لم تُفلح القاعدة في إقامتها طيلة عقدين من الزمان، ومن لم يُبايع دولة الخلافة الجديدة لم يُخف إبداء إعجابه بها، وانقسمت التنظيمات فعليًا على مستوى الأفراد والقيادات بين تنظيم القاعدة ودولة الخلافة المزعومة، وذلك بعد أن انضمت انضمت جماعات جهادية جديدة لتنظيم “داعش” في أفريقيا وآسيا وأعلنت ولاءها له.

بدا نشاط تنظيم الدولة يتسم براديكالية أكثر من “القاعدة”، وفي ظل فشل الربيع العربي في تحقيق أي منجز بعد الإجهاز عليه من الثورة المضادة، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية هو الجاذب الجهادي الأكبر لشباب الجهاديين، وهو الأمر الذي ساهم في تمدد لتنظيم الدولة على حساب القاعدة.

حتى أن فتنة تنظيم الدولة الإسلامية قامت بغزو القاعدة في عُقر دارها في أفغانستان، وقد أعلن التنظيم أن جهاديين من مصر واليمن والسعودية والجزائر بايعوا أيضا البغدادي، وبذلك قد بدأ تنظيم القاعدة يخفت تدريجيًا ويفقد الهيمنة والقيادة الأيديولوجية بين جهاديي العالم.

عملية نزيف القاعدة عالميًا مستمرة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث لم يستطع تنظيم القاعدة بسبب التضييقات الأمنية إحداث ضجة أخرى كتلك التي تلت هذه الأحداث، وقد فقد التنظيم بعدها أدوات عديدة بسبب انطلاق ما عُرف بالحرب على الإرهاب، وباتت مصادر تمويله محاصرة، وقد قل مقاتليه، وأصبحت تحركات التنظيم تقليدية إلى حد كبير، كما فقد التنظيم مؤخرًا شخصيات كاريزمية هي التي حافظت على بريق التنظيم لسنوات في مقدمتهم أسامة بن لادن وهو ما أدى إلى تزايد عوامل ضعف التنظيم يومًا بعد يوم.

وعلى الجانب الآخر ظهر جيل جهادي جديد لديه أفكار أكثر عنفًا من تنظيم القاعدة، نجح في إحراز نجاحات إعلامية عدة كان يفتقدها القاعدة، وقد تطور وسائل جذب قوية للفصائل الصغيرة، التي انشقت عن تنظيم القاعدة الأم وكانت تقوم بعملياتها بعيدًا عنه، وهو الأم الذي دعا الظواهري لمحاولة مواجهة ذلك على كافة الأصعدة لوقف نزيف فقدان التابعين له على مستوى العالم، في حين يتهم البعض الظواهري بالفشل في إدارة تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن، وأن استفاقته مؤخرًا لا يوجد معنى لها في ظل عدم وجود نشاط للتنظيم يذكر سوى في سوريا.

وعلى الصعيد العالمي يرى مراقبون أن تنظيم الدولة قد استلم الراية العالمية من تنظيم القاعدة أخيرًا، حيث توصف التنظيمات التي تبايع داعش حول العالم بأنها الأكثر شراسة وقوة من نظيرتها التي بقت على بيعة الظواهري، وكأقرب مثال ما حدث في مصر أن تنظيم الدولة الإسلامية استطاع أن يجتذب تنظيم أنصار بيت المقدس ليحوله إلى ولاية سيناء في عدة شهور، بينما ظل الظواهري يحلم سنينًا بإنشاء فرع للقاعدة في مصر ولكنه لم يُفلح إلا بعد انشقاق تنظيم يقودوه ضابط عسكري سابق يقود تنظيم “المرابطون” التابع للقاعدة في مصر بعدما أُلن عنه مؤخرًا

ومن المرجح أن يستمر الصراع هذا بين التنظيمين وبين الرجلين البغدادي- الظواهري على زعامة التيار الجهادي العالمي، وقد تكون سوريا هي أحد ملامح الصراع إلا أنها لن تكون الملمح الأوحد، غمن مرجح أن يتنشر الصراع على بقاع عدة من الدول خاصة مع تزايد قوة تنظيم الدولة عالميًا بين الجماعات الجهادية بالتزامن مع ضعف نجم تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي قد يُرجح كفة تنظيم الدولة حاليًا إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.