قد يكون شعور أن تكون جزءًا من مشروع يطلق عليه اسم “مشروع فاشل” قاسيًا إلى حد كبير، وذلك حتى في عصرنا هذا الذي يعتبر الفشل فيه أمرًا مقبولًا كنتيجة حتمية لمحاولات الابتكار، ولكن بعد التئام الجروح، ستدرك بأنك تتعلم من المشاريع الفاشلة أكثر مما قد تتعلمه من المشاريع التي تسير بنجاح وسلاسة وهدوء.
قد لا تتطلب مباشرة الحياة الصحفية ما يتطلبه البدء بشركة جديدة أو إطلاق منتج تقني جديد، ولكن حتى في نطاق مباشرة مشروع فكري، يمكن أحيانًا أن تذهب الجهود هباء أو قد تقابل الجهود المبذولة بعدم القبول، حيث يمكن للمادة الإعلامية أن تتلاشى من بين أيدينا، أو قد يتراجع المصدر عن قراره بالإبلاغ عن القصة، أو أن لا يوافق المحرر على الفكرة، وبغض النظر عن الأسباب، يمكن أن يتحول ما أضعت وقتك وربما قلبك، في سبيله إلى العدم.
لا تيأس، فهناك دروس هامة وحاسمة يمكن أن تتعلمها من خلال ذلك، وأدرك تمامًا بأن “الفشل” ليس مرادفًا للخسارة، حيث إن الصحفيين الأفراد والمجتمع الصحفي ككل يستفيد من كل فشل يمر به.
ماذا يمكن أن يتعلم الأفراد؟
أول ما يمكن تعلمه هو أن تثق بحدسك، وعلى الرغم أن معظمنا قد سمع كثيرًا هذه النصيحة أو ما يشابهها، إلا أنه، ومثل معظم الأمثال، ما لم تقم بلمس الأمر بيديك سوف تبقى غريبًا عنه.
من الدروس العملية الأخرى التي يجب أن تتعلمها، هي معرفة خطوات الإبداع والخيارات الصعبة التي سيتوجب عليك القيام بها، فعلى الرغم من حقيقة أن كل مشروع يمتلك ظروفًا جديدة، إلّا أن غالبية هذه الظروف تكون ذات أنماط متماثلة، ومن ناحية ثانية، يتوجب عليك أيضًا أن تدرك بأن دورة الحياة لا تقدر بثمن، لهذا يقولون بأن الحكمة تأتي من الخبرة، فالشباب يجلب الحماس، ولكن المضي قدمًا بالخبرات، والتعرف على هذه الأنماط، يمكّن الشخص من أن يحصل على الربح الحقيقي.
الخيارات الصعبة
غالبًا ما تختزل الخيارات التي تملكها في المجال الإعلامي لاختيار ميزتين من الميزات الثلاثة التالية، “جيد” أو “سريع” أو “رخيص”، فإذا أردت الحصول على مردود سريع وبأسعار رخيصة، فإنك على الأرجح لن تحصل على نتيجة جيدة، أما إذا أدرت مردودًا جيدًا وسريعًا، فإن النتيجة ستأتي بأسعار مرتفعة، وإذا ما أردت الحصول على مردود جيد ورخيص، فإن هذا يعني عادة الاعتماد على العمل التطوعي، وهذا غالبًا لا يكون سريعًا.
هذه البديهيات تنطبق أيضًا على الكثير من الأمور التي تخرج عن نطاق الإنتاج، لذلك وفي المرة القادمة التي يطلب فيها مدير التحرير منك كتابة مادة جديدة، فكر في وضعه ضمن الخيارات الصعبة التي تقف أنت كمحرر أمامها، وطالما أن موضوع الميزانية عادة ما يكون قد تم تعيينه سابقًا، لذا عليك أن تضع مدير التحرير أمام الخيارين المتبقيين، الجودة أو السرعة.
ليس هناك خيار صائب أو غير صائب في هذا المجال، فكل شيء يعتمد على الظروف والأهداف، والشيء المهم هو أن تقوم بالاختيار وأن تتقبل ما يمكن أن ينجم عن اختيارك بالنتيجة، وذلك بدلًا من أن تختلط عليك الأمور وتصاب بالإحباط من جراء توقعك الحصول على الميزات الثلاثة معًا والخروج بنتائج مغايرة لما توقعته.
في مجال تطوير المنتجات، عادة ما يكون الفريق هو أساس كل شيء، وذلك تمامًا كما هو الحال في غرفة الأخبار، لذلك تذكر أن العلاقات المهنية هي مثل العلاقات الرومانسية، فيجب أن تبدأ بشكل بطيء لتؤسس لشيء مفيد، ويجب على الجميع أن يكون مستعدًا لخوض سباق ماراثون على المدى الطويل، بدلًا من الاشتراك بسباق عدو سريع لمدة قصيرة، وفي جميع الحالات، التواصل هو مفتاح الحل، فالاعتراف بنقاط قوة وضعف العاملين معك، وإجراء محادثات صريحة معهم هو أمر ضروري للغاية.
آخر شيء يمكن قوله في هذا المجال هو أن الفشل يعطي الفرد ريشة إضافية ليضعها على قبعة الخبرة، وذلك من خلال مجموعة متنوعة من الخبرات التي يكتسبها والمعرفة التي يحوزها، فلعب الكثير من الأدوار في مشاريع مختلفة مع مجموعة من الأشخاص الموهوبين هو أعظم هدية لأي شخص، فذلك يعطينا الأفكار الجديدة ويمنحنا الخبرة اللازمة للمشاريع المستقبلية.
ماذا يمكن لمجتمع الصحافة الأكبر أن يتعلم؟
إذا كان المشروع يهدف لإيجاد “آفاق جديدة” ولم ينجح، فإنه سيصبح مرجعًا تاريخيًا في التقدم البطئ لصناعة الأخبار، وأحيانًا قد تكون أرض المشروع الجديد التي تحاول زراعة أفكارك فيها قاسية ومالحة وعقيمة، إلا أن مساهمتك في اكتشاف هذا الأمر هي ما يهم فعلًا، لأنك على الأقل غصت عميقًا بأرض هذا المشروع لمعرفة أنها عقيمة، لذلك، حتى ولو كانت مساهمتك الرئيسية تتمثل بوضع جمجمة وعظمتين متقاطعتين على أول طريق ما لتخبر غيرك بأن هذا الطريق “يؤدي إلى الموت”، فإن مساهمتك هذه ستكون لا تقدر بثمن.
احتضان الفشل و”المأساة”
قد يكون احتضان الفشل هو الترياق لمواجهة الشماتة الشائعة جدًا في صناعة وسائل الأخبار، والتي ربما تكون عائدة للمنافسة في هذا المجال، وهذا يضطرنا للعودة لتعريف “المأساة” من وجهة النظر الإغريقية.
إن الفكر الإغريقي يقول بأن المأساة هي أعلى شكل من أشكال الدراما، وذلك وفقًا لأرسطو، والمسرحيات المأساوية الجيدة عادة ما تصيب الشخص بالشفقة والخوف، مما يؤدي بشكل مثالي للشعور “بالتطهير” أو تنقية نفوس المشاهدين، وعلى اعتبار أن الشخصيات في المآسي عادة ما تكون ضحية المصير، فإن هذا يعطي فكرة بأن أي شخص يمكن أن يكون ضحية القدر، وبالتالي فإن الهدف منها كان جعل المشاهدين اليونانيين يشعرون بالتعاطف والشفقة، وليس بالشماتة، عندما تحل المآسي على الأشخاص الآخرين، وبذلك فقد كان هناك شعور عام يقول بأن بعض الأمور تقع خارج نطاق السيطرة البشرية، فحتى أكثر الأشخاص ودًا من المصابين بعقدة أوديب قد ينتهي به الأمر لقتل والده، ولا يوجد شيء يمكن أن يفعله لتجنب ذلك.
أما الحياة العصرية الرأسمالية الحديثة، فهي تختلف تمامًا عن ذلك، حيث إن نجاحك وفشلك مرتبط بشكل كامل بمزاياك الخاصة، فأنت تتسلق إلى القمة بمخالبك، وإذا ما نجحت يكون كل المجد من نصيبك، أما إذا لم تنجح، فإنك الوحيد الملام على هذا الأمر.
على الرغم من أن الفكر الرأسمالي الحالي يحمل وجهًا من الصحة، إلّا أنه يجب علينا أن ندرك أيضًا بأن المآسي قد تحل بنا من وقت لآخر، وربما يجب على المجتمع الصحافي بشكل خاص أن يدرك بأن كل فشل هو مأساة محتملة، وكما أظهر الإغريق لنا، فإن المآسي يمكن أن يكون لها نتائج جيدة.
في النهاية تجدر الإشارة إلى أن جميع المشاريع ستتحول إلى مشاريع فاشلة ضمن الجدول الزمني الطويل الذي يختلف من مشروع إلى آخر، لذلك فإن الاستمرار بالتأثر بمشاعر الخسارة هو أمر خاطئ (على الرغم من أنه ردة فعل طبيعية تمامًا)، لذا يجب أن تعلم أنه لا يوجد أحد مسؤول هنا، ولا يمكن لأحد أن يحفاظ على درجة ثابتة من “المكاسب” أو “الخسائر”، واعلم بأن من يخسر كثيرًا يمكنه أن يتعلم ما يجب وما لا يجب القيام به، وهذا درس قيم ومهم لنتعلمه.