مرت قرابة ستة أشهر على بدء حرب المملكة العربية السعودية في اليمن بعد أن كونت تحالفًا عربيًا بقيادتها، بغية التصدي لانقلاب جماعة أنصار الله الحوثي المتحالفة مع الرئيس السابق لليمن علي عبدالله صالح وأنصاره بعد أن أطاحوا بالحكومة اليمنية وأرغموا الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي على الاستقالة التي تراجع عنها لاحقًا.
لم تكن السعودية تلعب وحدها في حرب اليمن، فقد ظهرت خلال هذه الحرب بوادر تواجد داعشي استغل حالة السيولة اليمنية وأعلن عن نفسه بعدة تفجيرات انتحارية استهدفت تجمعات حوثية، كما أن العدو القديم للسعودية “تنظيم القاعدة في اليمن” لا زال محتفظًا ببعض من قوته ولكنه لم يظهر في هذه الحرب إلا في لقطات إعلامية معدودة على الرغم من تواجده الميداني بها، لكن التنظيم الذي انطلق من السعودية بالأساس لم يفوته الاستفادة من هذه الحرب الدائرة كما غيره.
استهداف القاعدة للحوثيين في هذه الحرب لا يمكن أن ينكره أحد خاصة في القتال الدائر بجنوب اليمن والذي تكبدت فيه مليشيات الحوثيين خسائر كبيرة بعد اتساع دائرة حربهم بين التحالف العربي الذي يستهدفهم بالغارات وإنزالاته الأرضية وما يُعرف بالمقاومة الشعبية من جانب، والعناصر المسلحة من القاعدة من جانب آخر.
هذا الأمر أعطى سلطة الأمر الواقع لتواجد قاعدة اليمن في هذه الحرب الدائرة بالجنوب، وهو التنظيم الذي خاضت الولايات المتحدة ضده حروبًا عدة عبر الغارات الجوية، ودعمت الدول الخليجية سلطة علي عبدالله صالح إبان تواجده في الحكم للتصدي له، ورغم ذلك فإنه الآن يتمدد على الأرض بفعل الفوضى المتواجدة نتيجة القتال.
حذرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية من هذه الحالة في اليمن وتساءلت إلى أي مدى يستطيع تنظيم القاعدة جني ثمار الحرب التي تقودها السعودية في اليمن؟ فوجهة النظر الأمريكية للأوضاع في اليمن أحد محدداتها الأساسية هو الحرب على تنظيم القاعدة اليمني، لذلك فإن الولايات المتحدة لم يكن لديها أزمة كبيرة في انقلاب الحوثيين إذا ما وضعوا أنفسهم في خانة الشريك ضمن برنامج الحرب على القاعدة في اليمن، وهو ما كان بالفعل.
حيث يصف الحوثيون كافة المقاتلين على الأرض الموالين لشرعية عبدربه منصور هادي والمدعومين سعوديًا بأنهم موالون لتنظيم القاعدة، كما تتهم بعض القيادات الحوثية السعودية بالتدخل في اليمن لإنقاذ انهيار القاعدة، هذا العداء بين القاعدة والحوثيين ساهم في غض الولايات المتحدة الطرف عن كثير مما تفعله إيران وشركاؤها في اليمن، بل وتحدثت الأنباء عن تنسيق أمريكي مع الحوثيين في مجال محاربة القاعدة.
وجهة النظر الأمريكية تلك التي تقول بأن القاعدة ستستفيد بهذه الحرب السعودية مستندة إلى ما حدث في ليبيا، حيث استغلت القاعدة هناك حالة الفوضى السياسية بعد سقوط القذافي وتقاتل الفصائل الليبية وزادت من بسط نفوذها وقوتها على الأرض، في حين ترد السعودية والحكومة اليمنية المدعومة من قِبلها بأن دور القاعدة في تحرير الجنوب اليمني لا يكاد يذكر، إذ صرح محافظ لحج أحمد مهدي فضيل أن مسلحي القاعدة كانت نسبتهم 5% فقط من القوات التي شاركت في استعادة مدن الجنوب من الحوثيين، وهو تصريح يحمل في طياته الكثير لأنه لم ينكر تواجدهم بالأساس إنما ضعّف من دورهم فقط، لذا يمكن أن يتعاظم هذا الدور مع مرور أيام الحرب شيئًا فشيء.
التقارير البحثية والصحفية في اليمن تشير إلى أنه على الرغم من حجم الأموال الباهظة التي أنفقت من قِبل جهات عدة على ما يُعرف بعمليات مكافحة الإرهاب في اليمن، مازال تنظيم القاعدة هناك ينمو في البلاد، أحد مظاهر هذا النمو والتحرر للتنظيم أثناء الحرب كان في شهر أبريل الماضي عندما نجح 300 شخص ينتمون للقاعدة في الفرار من سجن واحد، ومن ثم بسط سيطرتهم على مدينة المكلا في شرق اليمن.
في الوقت نفسه أيضًا استغل التنظيم الحرب لزيادة نفوذه وتجذير تواجده بالمجتمع اليمني عن طريق إقامة تحالفات مع القبائل الجنوبية، عبر توحيد المصالح معهم الذي يرمي إلى قتال العدو المشترك المتمثل في الحوثيين، كما استطاع التنظيم أيضًا في ظلال تراجع الخدمات الأساسية نتيجة الحرب في الوصول إلى المجتمعات اليمنية الفقيرة المتضررة من الحرب في معاقله الواقعة في وسط البلاد وشرقها، وذلك من خلال تقديم خدمات أساسية لهم مثل المياه والكهرباء والتعليم، وأثناء ذلك كله لا تتوقف عملية التجنيد بين أبناء هذه المجتمعات.
هذا الأمر جعل حلفاء الرياض الغربيون يعربون عن قلق متزايد من استغلال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفوضى الناجمة عن الحرب بالسيطرة على مزيد من الأراضي، في حين يأتي الرد السعودي على هذا الأمر باعتباره عرضًا جانبيًا مؤقتًا، وإستراتيجيتهم لمواجهة الأمر تتمثل في سحق جماعة الحوثي وتثبيت حكومة قوية في صنعاء تابعة للسعودية تتولى أمر مواجهة القاعدة في اليمن، وتحاول السعودية الآن إقناع الولايات المتحدة والغرب بوجهة النظر هذه لمساعدتها في حرب اليمن بادعاء أنه ما دامت الفوضى تحكم اليمن سيظل تنظيم القاعدة ينمو، والسبيل الوحيد لوقف هذا النمو هو فرض الاستقرار على اليمن بالقوة.
أما بعض المحللين فيرون أن وجهة النظر السعودية هذه ليست حقيقية بالمرة وإنما محاولة لكسب مزيد من الحلفاء، وأن تعامل السعودية مع القاعدة الآن يتسم بالبراجماتية الشديدة من حيث استخدامهم في ضرب الحوثيين، حيث أشار البعض بأنه ليس من قبيل الصدفة أن يضم الوفد السعودي في محادثات وقف إطلاق النار بجنيف في منتصف يونيو الماضي، عبد الوهاب الحميقاني، الذي تتهمه الولايات المتحدة بتجنيد مقاتلين وجمع الأموال لتنظيم القاعدة في اليمن، وهو الأمر الذي قد يفسر لماذا يُعد تنظيم القاعدة حتى الآن المستفيد الرئيس من تدخل السعودية في اليمن.
كما أشار متابعون إلى أن مظاهر هذا الود المتبادل بين السعودية والقاعدة مستمرة، حيث يمتنع طيران التحالف العربي عن قصف المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة ونتيجة لذلك في وجهة نظرهم سهل أمر بسط سيطرة تنظيم القاعدة اليوم على مزيد من الأراضي في اليمن أكثر مما كان عليه في أي وقت سابق، وهو الأمر الذي أشارت إليه صحيفة التليجراف البريطانية في تقرير لها يتحدث عن القاعدة كطرف ثالث مستفيد من الحرب في اليمن.
وعلى ذلك فإن كافة التقديرات تشير إلى أن القاعدة هي الأقدر من غيرها على الاستفادة من هذه الحرب لأن ظروفها تحسنت كثيرًا بعدها، كما أن خبراتها الميدانية جعلتها تجيد التعاطي مع هذه الأجواء بجانب تحقيق أقصى استفادة منها، ففي هذه الحرب لدى تنظيم القاعدة متسع من المناورة، كما يمكنه تحين الفرص للاستفادة من الأوضاع الإنسانية الكارثية نتيجة الحرب لطرح نفسه كبديل أمام المتضررين من الحرب بين السعودية والحوثيين.
كما أن ضخ مزيد من الأموال من قِبل التنظيم في الأنشطة الاجتماعية لن يضر قدر ما سينفع لاحقًا التنظيم في تعزيز حاضنته الشعبية، وهو التنظيم الذي يتعمد الاختفاء عن التغطية الإعلامية للحرب قدر المستطاع، ولكنه في الوقت نفسه يُزيد من انتشاره ميدانيًا، وربما بعد فترة من انقضاء الحرب يستطيع التنظيم حينها أن يُعلن عن تشكيل إمارات إسلامية لن تقل في قوتها عن مثيلاتها في ليبيا أو سوريا ولكنه ينتظر حُسن استغلال الحرب التي اعتبرت ربيعًا للقاعدة في اليمن.