قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استقالة رئيس الوزراء إبراهيم محلب ثاني رئيس لوزراء مصر بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال السيسي على الرئيس السابق محمد مرسي، وبعيدًا عن مسميات الإقالة والاستقالة فإنه قد بدا مؤخرًا أن السيسي قد ضاق ذرعًا بهذه الحكومة التي كثُرت مشاكلها مؤخرًا فبدلًا من كونها أداة لحل مشاكل النظام باتت وبالًا عليه.
ربما أراد السيسي أن يظهر بمظهر محارب الفساد في نظامه بعدما فاحت رائحة الفساد واستفحلت من حكومة إبراهيم محلب، ربما كانت قضية الفساد الكبرى الأخيرة التي طالت ثمانية وزراء من هذه الحكومة دفعة واحدة هي القصة التي قصمت ظهر البعير لهذه الحكومة، بعد توقيف وزير الزراعة بالحكومة بتهمة الفساد واستغلال منصبه في التربح بدون وجه حق، وهو الأمر الذي أثار الرأي العام المصري لأيام.
اجتمع السيسي بعدها برئيس حكومته إبراهيم محلب وقيل أن هذا الاجتماع سيُحدد مصير الحكومة إما بتعديل وزاري موسع أو بإقالة الحكومة ككل، ولم تكذب الأنباء حيث أعلن السيسي بعد اجتماعه هذا قبول استقالة الحكومة وتعيين أحد أعضائها وهو وزير البترول شريف إسماعيل كرئيس جديد للوزراء ليتم تكليفه بتشكيل وزارة جديدة.
شريف إسماعيل هو اسم عليه العديد من علامات الاستفهام، ولم يكن متوقعًا بالمرة أن يأتي رجل من حكومة متهمة بالفساد ليترأس حكومة جديدة، وذلك بعدما تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا عن نية السيسي تعيين رجل عسكري لرئاسة الحكومة الجديدة، وقد كان الأقرب لهذا المنصب في وجهة نظر المتابعين هو الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، بعدما جرت حملة تلميعية للرجل بعد افتتاح مشروع تفريعة قناة السويس، والذي أطلق عليه النظام المصري “قناة السويس الجديدة”، وقد عُد إنجاز للفريق مميش.
غير معلوم بالتحديد لماذا اختار السيسي شريف إسماعيل لهذا المنصب، ولكن المعلومات المتاحة عن الرجل تؤكد أن السيسي لم يُغير الوزارة بسبب فسادها كما قيل لأن رئيس الوزاء الجديد لم يكن بمنأى عن اتهامات الفساد.
إسماعيل وزير لحقيبة البترول فى الدولة منذ حكومة حازم الببلاوى التي تشكلت عقب انقلاب يوليو 2013، واستمر بعد تشكيل وزارة محلب إلى الآن في نفس المنصب، أما عن تاريخ الرجل فقد كان أحد رجال سامح فهمي المقربين وزير البترول في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، إذ كان يشغل منصب وكيل وزارة البترول لشؤون العمليات.
هذا وقد كانت له شهادة في قضية تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل دافع فيها عن السعر المتدني الذى باعت به مصر الغاز لإسرائيل وهو 0.75 دولار فى الوقت الذى كانت تشترى فيه مصر الغاز من الشريك الأجبنى بـ 2.6دولار للمليون وحده حرارية، وهو الأمر الذي اعتبر شهادة في صالح وزير البترول الأسبق سامح فهمى وحسين سالم المتهمين في القضية، ما سهل منحهما البراءة من التهم المنسوبة إليهم.
أما عندما أصبح شريف إسماعيل وزيرًا للبترول بنفسه فهو الذي وقع اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل بعدما كانت مصر تصدره في السابق، ورغم اكتشاف حقل الغاز المصري الأخير فإن إسماعيل قد أكد أن ذلك لن يُلغي اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، كما اتهم شريف إسماعيل من قبل معارضين للسلطة في مصر بأنه متورط في قضايا فساد وتسهيلات قدمها لشركات بترول عالمية للسيطرة على البترول والغاز المصري، وكانت آخر هذه الوقائع هي مضاعفته لسعر شراء الغاز من شركة “اينى” الايطالية، وبعد ذلك نُسب إليه اكتشاف أحد أكبر حقول الغاز الطبيعى فى مصر والذي ستعمل نفس الشركة في استخراج الغاز المصري منه.
وقد يعتقد البعض أن شريف إسماعيل بعيدًا عن التورط في قضية الفساد الأخيرة التي تم توقيف وزير الزراعة على إثرها، فأحد المتهمين بالقضية وهو الإعلامي محمد فودة تربطه علاقات قوية بشريف إسماعيل للدرجة التي جعلت إسماعيل يحضر مؤتمر انتخابي جماهيرى نظمه الإعلامى محمد فودة بمدينة زفتى بمحافظة الغربية، وذلك لافتتاح مشروع توصيل غاز لمدن المحافظة، وهو الأمر الذي يعتبر استغلال للوزير في الدعاية بخلاف القانون، كما توضح أيضًا هذه الواقعة مدى قوة العلاقة التي تجمع بين إسماعيل وفودة.
كما اتهمه المحامي مرتضى منصور في السابق خلال مداخلة هاتفية مع أحد البرامج الرياضية، بتعيين زوجته وشقيقها في شركة إنبي رغم أن ذلك الأمر يحظره القانون المصري، كما هدد منصور حينها بأنه لن يترك ملف تعيين زوجة الوزير بشركة إنبي وبعض أقاربها وسيقدمه لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في وقتها.
ذكر اسم شريف إسماعيل على الرأي العام ملصقًا بتهم الفساد ليس جديدًا، حيث وصفه في السابق مدير مكتب الرئيس المصري ووزير الدفاع قبل ذلك، اللواء عباس كامل في أحد التسريبات التي أذاعتها قناة مكملين الفضائية المعارضة بألفاظ نابية كوصفه بـ”الصايع الضايع” في معرض حديثه عن أخطاء للوزير في حسابات متعلقة بطلبات مالية ودعم بترولي من دول الخليج، وقد اتهمه المعارضون وقتها بالمشاركة في تبديد الودائع الخليجية مع قادة الجيش.
وباستعراض هذا التاريخ القديم الحديث لرئيس وزراء مصر الجديد، نجد أن اختيار السيسي له لن يثبت أمر محاربته للفساد مطلقًا لأنه اختار أحد رجال العهد المباركي الذي تدور حوله شبهات الفساد قديمًا وفي الوقت الراهن وباعتراف المقربين من النظام أنفسهم، وقد صرح نشطاء أن ربما يكون هذا الاختيار مفسدًا لخطة السيسي التي يأمل أن يظهر فيها بصورة الرجل الذي يُحارب الفساد.
هذا الاختيار الرئاسي المصري يؤكد أن عملية اختيار رؤوساء الوزراء المتعاقبة منذ الانقلاب العسكري في مصر لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض وفي جوهرها عملية روتينية للنظام، فقد أتى حازم الببلاوي ورحل، ثم أعقبه إبراهيم محلب ورحل، وها هو شريف إسماعيل يأتي ليستكمل المسيرة، دون أن توجد خطة واضحة أو برنامج لكل حكومة وإنما تسير كل وزارة تلو الأخرى تبعًا لتوجيهات الرئيس وفقط، ولا يوجد شئ مشترك بين هذه الوزرات سوى أن رؤسائها وأعضائها ينتمون إلى عهد نظام مبارك ومتهمون في قضايا فساد سابقة كإبراهيم محلب المتهم في قضية فساد بتسهيل الاستيلاء لمبارك على محتويات القصور الرئاسية.
كل ذلك يؤكد نظرية أن هذه الحكومات المتعاقبة هي ستار مدني لحكم الجيش المتوغل على كافة القطاعات في الدولة لا سيما الاقتصادية منها، في ظل غياب الشفافية في تناول الأسباب الحقيقة لإقالة الحكومات، وهو ما قد يأتي هذا ربما في إطار تغيير الوجوه مع استمرار السياسات لمجرد امتصاص الغضب الشعبي من تصاعد الأزمات المعيشية.