بعد أن ظهرت في الأفق أزمة النازحين إلى الدول الأوربية، وأصبحت أمرًا مفروضًا بواقع الحال، حيث تنتظر الدول الأوروبية وصول 800 ألف لاجئ خلال هذا العام، ويقصد اللاجئون ألمانيا بالتحديد بعد وصولهم إلى أوروبا طلبًا للعيش الكريم وبعيدًا عن أماكن الظلم والقتل.
هنا ارتفع صوت ألمانيا بزعامة المستشارة ميركل للدفاع عن اللاجئين واستقبالهم في البلاد بعدما تم منعهم في بعض البلاد الأوربية كالمجر، لتظهر الجانب الإنساني والأخلاقي لأوربا والذي ظهر جليًا عبر استقبال اللاجئين والدعوة إلى مساعدتهم كمساعدة فردية أو حكومية وتوفير احتياجاتهم الأساسية من وسائل نقل وتوفير الماء والطعام في محطات القطارات وتوزيع المنشورات والخرائط ودليل للأماكن المهمة وكلها مكتوبة باللغة العربية.
غير أن المتابع عن قرب يجد أن هناك أسبابًا أخرى دعت المستشارة ميركل إلى اتخاذ هذه القرارت الأخلاقية تجاه اللاجئين وهي تبادل منفعة بين اللاجئين وألمانيا، حيث نُشرت دراسة قبل هذه الأحداث بخمسة أشهر أو تزيد على موقع قناة DW الألمانية وبالتحديد 27 مارس 2015 تؤكد على حاجة الجمهورية الألمانية إلى المزيد من المهاجرين لتعويض الفراغ الذي خلفه تراجع نسب الولادات فيها، وعليه فإن الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تصبح مصدرًا مهمًا لجلب العمالة المؤهلة بما أن تعداد السكان في دول الاتحاد في تناقص مستمر.
وأظهرت الدراسة التي أصدرتها مؤسسة براتلسمان أنه على المدى الطويل ستحتاج ألمانيا لاجتذاب عدد من المهاجرين يفوق بنحو 533 ألفًا عن عدد أولئك الذين يغادرونها إلى بلدان أخرى، وتوصلت الدراسة إلى أنه بدون المهاجرين سينخفض عدد الأشخاص الذين هم في سن العمل من نحو 45 مليون في الوقت الحاضر إلى أقل من 29 مليون بحلول سنة 2050، وكذلك أوردت الدراسة إلى أن نصف العمال المؤهلين، وهم الأشخاص الذين ولدوا في فترة طفرة الولادات أثناء خمسينات وستينات القرن الماضي، سيحالون إلى التقاعد مع حلول سنة 2030، مخلفين وراءهم فراغًا لا يمكن ملؤه إلا من خلال العمالة الوافدة.
وتأكيدًا لهذه الدراسة فإن رئيس اتحاد الصناعات الألمانية الواسع النفوذ أولريش غريللو قال “إذا ما تمكنا من إدخالهم – يقصد اللاجئين – سريعًا في سوق العمل، فسنساعد اللاجئين ونساعد أنفسنا”.
وجاء هنا قول اتحاد أرباب العمل إن ألمانيا التي تراجعت فيها البطالة إلى أدنى مستوياتها (6.4%) منذ التوحيد، وتحتاج إلى 140 ألف مهندس ومبرمج وتقني، مشيرًا إلى أن قطاعات الحرف والصحة والفنادق تبحث أيضًا عن يد عاملة، ويمكن أن تبقى حوالى 40 ألف فرصة تدرب شاغرة هذه السنة.
وتتوقع مؤسسة “بروغنوس” نقصًا يقدر بـ 1.8 مليون شخص في 2020 في جميع القطاعات، و3.9 ملايين على مشارف 2040 إذا لم تحصل تبدلات.
وأكد أولريش غريللو أن تدفق القوى العاملة الجديدة يمكن أن يغير المعطيات، لأن عددًا كبيرًا من المهاجرين ما زالوا شبابًا وتتوافر لديهم فعلاً مؤهلات جيدة.
وأخيرًا قامت وزارة التوظيف والشؤون الاجتماعية في نهاية يوليو بتخفيف الشروط الموضوعة حتى يستطيع المهاجرون من التدرب في المؤسسات.
يتبين مما ذكر آنفًا أن قضية تدفق اللاجئين إلى ألمانيا كان إنقاذًا لها من الانهيار، وقد أحسنت ألمانيا استغلال هذا الموقف ووظفته لصالحها وطغى الجانب الإنساني والأخلاقي في قضية التعامل مع اللاجئين على جانب إنقاذها من الانهيار، وبنفس الوقت فإن اللاجئين قد حصلوا على منالهم في الحصول على الحياة الكريمة في بلد يحفظ الحقوق لأصحابها ويوفر لهم ما عجزت بلدانهم على توفيره لهم من أبسط مقومات الحياة.