ترجمة وتحرير نون بوست
كتب أندريا كيندل تايلور وإيريكا فرانتز:
يوجد 55 زعيمًا مستبدًا على رأس السلطة في جميع أنحاء العالم، 11 زعيمًا من هؤلاء القادة بلغوا سن الـ69 عامًا أو أكثر، ويعانون من تدهورات صحية متفاوتة، ومعظم هؤلاء الطغاة الطاعنين بالعمر، مثل رئيس أنغولا خوسيه إدواردو دوس سانتوس (73 عامًا)، رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف (75 عامًا)، ورئيس زيمبابوي روبرت موجابي (91 عامًا)، يتولون السلطة في بلادهم منذ عقود.
للوهلة الأولى، يرسم هذا الواقع صورة متفائلة للمراقبين الديمقراطيين، الذين وثّقوا مؤخرًا عودة صعود النظم السلطوية ببطء ولكن بثبات، وحقيقة أن 20% من الأنظمة الاستبدادية في العالم تواجه شبح الشيخوخة والموت توفر فرصة لصعود الديمقراطيات الجديدة، ولكن هل الأمر كذلك فعلًا؟
على أرض الواقع، ربما تكون حقيقة تقدم الطغاة بالعمر ومرضهم مدعاة للقلق بدلًا من كونها فرصة للابتهاج، حيث يخشى البعض من أن موت هؤلاء القادة الذين يتولون زمام السلطة لفترة طويلة، سيعمل على إشعال فتيل الصراع السياسي الشديد أو الاضطرابات العامة التي قد تغرق تلك البلدان في موجة عارمة من الفوضى، وحقيقة أن معظم القادة الطاعنين بالسن، مثل رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الكاميرون بول بيا، ورئيس السودان عمر البشير، لم يحددوا حتى الآن من يخلفهم سياسيًا، يبدو بأنها تضفي المزيد من المصداقية على هذه المخاوف.
كلا المنظورين يبدوان معقولين، ولكن بحثنا الذي أجريناه حول الموضوع يظهر ضآلة فرص حدوثهما؛ فمن خلال بحثنا واستعراضنا لـ79 طاغية لقوا حتفهم وهم على رأس عملهم ما بين عامي 1946 و2014، وجدنا بأن وفاة الديكتاتور لا تفسح المجال – بشكل عام – لصعود الديمقراطيات، كما أنها لا تتسبب بانهيار وسقوط النظم الاستبدادية، بل بدلًا من ذلك، يتوضح بأن الغالبية العظمى من الحالات، 92% منها تمامًا، تتضمن استمرار النظام بعد وفاة الحاكم المستبد، وهذا الاتجاه يلقى صداه من خلال معاينة ما حدث فعلًا إبان وفاة هوغو شافيز في فنزويلا في عام 2013، ووفاة ميليس زيناوي في إثيوبيا في عام 2012، ووفاة كيم جونغ إيل في كوريا الشمالية في عام 2011.
وبالمقابل بمقارنة عواقب وفاة الحكام الديكتاتوريين مع أشكال أخرى من الاستيلاء على القيادة ضمن الأنظمة الاستبدادية، مثل الانقلابات أو الانتخابات، أو انتهاء مدة الحكم، نجد بأن الحالات الأخيرة تؤدي إلى انهيار النظام في 50% من الحالات، مما يجعل وفاة الحكام الديكتاتوريين غير ذات قيمة حقيقية في نطاق صعود الديمقراطيات.
وفاة الحكام الديكتاتوريين وهم على رأس الحكم لا يقتصر أثرها على ندرة صعود الديمقراطيات فحسب، بل أيضًا لا تعمل هذه الحالات على تحسين التوقعات بتحرير تلك البلدان على المدى الطويل، كون القادة الذين يأتون إلى السلطة في أعقاب وفاة الحاكم المستبد والذين يسعون لتغيير الوضع الراهن للبلاد، غالبًا ما يستثيرون مقاومة من “الحرس القديم”، وهم رجالات النظام القديم الذين يُحكمون سيطرتهم على مقاليد السلطة ويجدون أن من مصلحتهم الحد من التغييرات التحديثية الجارية ضمن النظام الجديد؛ فمثلًا، نحن غالبًا ما نغفل بأن الديكتاتور السوري المتوحش، بشار الأسد، جاء إلى السلطة بعد وفاة والده في عام 2000 بآمال عريضة لتحرير بلاده، وبعد فترة وجيزة من توريثه السلطة، بدأ الأسد بسلسلة من الإصلاحات السياسية، تتضمن جهودًا لزيادة حرية الصحافة، إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوسيع نطاق استخدام الإنترنت في البلاد، ولكن قدرة الأسد على تغيير النظام تم كبح جماحها من قِبل الشخصيات المؤثرة المنحدرة من نظام والده، والذين استغلوا سلطتهم السياسية ونفوذهم لمنع التغييرات السياسية وتعطيل تنفيذها.
الدراسة الاستقصائية التي أجريناها تبين أيضًا بأن الانقلابات والثورات العامة تقع في حالات نادرة إبان وفاة الحكام الديكتاتوريين؛ فخلال سنة واحدة من وفاة هؤلاء الزعماء وهم على رأس عملهم، حدثت انقلابات في 6% فقط من الحالات، مقارنة مع 32% من حالات الإطاحة بالحكام المستبدين من السلطة بطرق أخرى والتي نجم عنها انقلابات، وبالمثل، يتوضح بأن الحالات التي اندلعت فيها الثوراث العامة في أعقاب وفاة الزعماء الديكتاتوريين هي أقل بكثير من حالات اندلاع الثورات العامة التي تنجم عن الإطاحة بهؤلاء الزعماء بطرق أخرى، وهذا النمط يبقى صحيحًا حتى عندما عمدنا إلى تعديل الإطار الزمني ليشمل فترة الخمس سنوات التالية لانتقال السلطة.
في بعض الحالات، مثل الكويت أو المملكة العربية السعودية، عكست مرونة هذه الأنظمة الاستبدادية متانة الأنظمة الملكية عقب وفاة قادتها، حيث ضمنت مأسسة عملية الخلافة استقرار الأنظمة الحاكمة عبر الأجيال، وفي حالات أخرى، تبدت مرونة الأنظمة وقدرتها على التعافي من خلال قدرة الآباء على توريث السلطة لأبنائهم، كما هو الحال في سورية في عام 2000، أذربيجان في عام 2003، وتوغو في عام 2005، ولكن مع ذلك، استطاعت الدول التي تمتلك آليات أقل رسمية أو وضوحًا في أنظمة الخلافة، مثل فنزويلا في عام 2013، زامبيا في عام 2008، وتركمانستان في عام 2006، أن تجتاز أيضًا محنة وفاة قادتها.
ربما علينا أن لا نتفاجأ بضآلة فرص التغيير التي قد تطرأ إبان وفاة الزعماء الديكتاتوريين وهم على دفة القيادة، لأن هؤلاء يميلون لأن يكونوا سياسيين بارعين، واستطاعوا النجاة من تهديدات لا تعد ولا تحصى تحوق بحكمهم، ومن الأرجح أنهم أسسوا لنظم سياسية راسخة ومتوطدة قادرة على الاستمرار حتى بعد وفاتهم؛ فوسطيًا، الطغاة الذين يموتون وهم على رأس حكمهم يقضون بالمتوسط حوالي 16 عامًا في السلطة، أما باقي الزعماء الذين يتم الإطاحة بهم بطرق أخرى فيقضون وسطيًا 7 سنوات في السلطة.
هذه الاستمرارية بالحكم الاستبدادي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تعيين دائرة مقربة من النخبة المؤيدين للزعيم الذين يستثمرون بشكل كبير ضمن الوضع الراهن بالبلاد، ويتم تجهيزهم بمؤسسات قادرة على الدفاع والحفاظ على هذا الوضع، وبعبارة أخرى، ذات الإستراتيجيات التي كانت مفتاح قدرة الديكتاتور للبقاء والاستمرار في منصبه حتى وفاته، تزيد من مرونة نظامه وقدرته على التعافي بعد الوفاة.
وجود حزب فاعل وداعم للديكتاتور، هو من بين أهم الإستراتيجيات التي تعزز متانة الأنظمة الاستبدادية وتسهل عملية الخلافة، حيث توضح مجموعة موثوقة من الدراسات الأكاديمية علاقة السلطة طويلة الأمد للأحزاب السياسية بترسيخ السلطة الاستبدادية، فهذه الأحزاب تضطلع بوظائف مهمة في الأنظمة الاستبدادية، مثل موازنة تدخلات القوات المسلحة، توزيع المنافع على المواطنين، وتعزيز أيديولوجية النظام، وعلاوة على ذلك، فإن الأحزاب السياسية الفاعلة قادرة على استمالة الأفراد من ذوي التطلعات السياسية أو أولئك الذين يسعون للوصول إلى غنائم السلطة، وبمجرد دمج هؤلاء الخصوم السياسيين المحتملين ضمن بوتقة النظام، يخدم الحزب الحاكم حينئذ بوصفه نقطة محورية للمفاوضات بشأن اختيار زعيم جديد قادر على الاستمرار بحماية مصالح الحزب وأعضائه.
رغم أنه من النادر أن تؤدي وفاة الزعيم وهو على رأس عمله إلى سقوط النظام أو حدوث حالة من عدم الاستقرار، ولكن هذه الحالات قد تحصل في بعض الأحيان؛ إذن متى يجب علينا أن نقلق بشأن احتمالات عدم الاستقرار؟
الأنظمة التي يحكمها الرجال “الأقوياء”، وهي الأنظمة التي تتركز فيها السلطة السياسية إلى حد كبير في يد فرد واحد، تميل لأن تكون أكثر عرضة لخطر عدم الاستقرار إبان وفاة القائد، ولكن حتى حين وقوع ذلك، فإن عدم الاستقرار يبقى أمرًا نادر الحدوث، لأن العديد من الأنظمة القائمة على شخصنة القيادة تحكم بمساعدة حزب سياسي، وعمق التدخل الحزبي في مناحي السلطة هو أمر مهم للغاية في هذا النطاق، والأنظمة التي استثمرت في تنمية هذا التدخل تميل للصمود والتعافي بشكل أكثر سلاسة إثر وفاة الزعيم؛ فعلى سبيل المثال، بعد وفاة كل من حافظ الأسد في سورية في عام 2000، وميليس زيناوي في أثيوبيا عام 2012، كان للأحزاب السياسية الحاكمة في هذين البلدين، حزب البعث في سورية والجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، دورًا محوريًا وهامًا في ضمان مرونة وتعافي هذه الأنظمة.
بالإضافة إلى البلدان التي يفتقر نظامها الاستبدادي لحزب حاكم فاعل، نجد بأن البلدان التي شهدت موجة من الاحتجاجات وعدم الاستقرار الداخلي قبل فترة قصيرة من وفاة الزعيم تكون في خطر أكبر للمعاناة من الانقلابات والاحتجاجات في أعقاب وفاة الزعيم، وهذه النتائج تتفق مع مجموعة من الأبحاث التي تشير إلى أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلدان قبيل وفاة الزعيم، من شأنها أن تعزز من احتمالات غوض البلاد في دوامة من عدم الاستقرار في المستقبل، كون فترات عدم الاستقرار تولّد شرائحًا من السكان تتمتع بخبرة وبشبكات اتصالات عميقة وممتدة، مما يساعد هذه الفئة على تعبئة المزيد من الاحتجاجات لمواجهة أي استياء خلال فترة انتقال السلطة؛ فعلى سبيل المثال، ساهمت حلقات عدم الاستقرار السابقة على تأجيج الاضطرابات في أعقاب وفاة الرئيس الغيني لانسانا كونتي في عام 2008، ووفاة الرئيس الغابوني عمر بونغو في عام 2009.
في مجموعة فرعية صغيرة أخرى من الحالات التي راجعناها، تبين أن موت القائد يؤدي إلى إطلاق ديناميات حركية تحفز حالة من عدم الاستقرار على المدى الطويل، وفي هذه الحالات، لا ينبع عدم الاستقرار من الخلافات المباشرة المتأتية عن تعيين القائد اللاحق، بل من التكتيكات التي يستخدمها الزعيم الجديد لتوطيد سلطته؛ ففي المجتمعات المنقسمة على أساس عرقي أو جغرافي، يمكن للقادة الانتهازيين الاستفادة من هذه الانقسامات لتعزيز شعبيتهم، وهذا ما كان الحال عليه في ساحل العاج، حيث تسببت وفاة الرئيس فيليكس هوفويه بوانيي في عام 1993 بتصاعد المشاعر الإيفوارية القومية التي زرعت بذور حرب الأهلية التي اندلعت بعد تسع سنوات.
في تقريرها المعنون باسم “الحرية في العالم” الصادر في عام 2015، ألمحت مؤسسة فريدوم هاوس إلى أن خطر التدهور الديمقراطي الواسع النطاق أصبح اليوم في أعلى درجاته أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الـ25 الماضية، ولسوء الحظ، تظهر نتائجنا بأن شيخوخة 11 طاغية من الحكام المستبدين في العالم وموتهم، لن يوفر أي أمل يذكر لعكس هذا الاتجاه؛ فبدلًا من خلق مساحة للتغيير، سيعمل موت هؤلاء القادة الحاكمين منذ فترة طويلة على الأرجح، إلى بقاء الأنظمة الاستبدادية المرنة التي قاموا بإنشائها في مكانها، ومن الواضح أن حالات تغيّر المناصب القيادية التي تولّد فرصًا للتحول السياسي الديمقراطي ضمن الأنظمة الديكتاتورية لا تشمل حالة موت الزعماء الديكتاتوريين؛ فموت الزعيم الديكتاتوري الحاكم، كما تبين، هو حدث عادي وغير استثنائي ولا يؤدي إلى أي تغيير ملحوظ في الأنظمة السياسية الاستبدادية.
المصدر: فورين بوليسي