لبنان في عيون السوريين

nnnn

قد يرى البعض أن أزمة اللاجئين السوريين تقتصر على الدول الأوروبية المانعة والمستقبلة لهم؛ بين استقبال ألمانيا وعنف المجر، وبين استقبال البريطانيين المؤقت للاجئين وترحيب ألمانيا بالأطفال، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي الذي احتوى 1500 لاجئ سوري داخل أراضيه منذ احتدام الحرب السورية عام 2011، ومع زيادة توافد أعداد النازحين على أقدامهم من اليونان وحتى ألمانيا، احتوت القارة العجوز منذ يناير الماضي وحتى شهر أغسطس من السنة الجارية ما يقرب من 350.000 لاجئ استطاعوا الدخول إلى أوروبا، خاصة دول الغرب الأوروبي، إلا أن الأزمة لا تقتصر على أوروبا فقط، بل أن الدول العربية التي لا تحتوى على موارد كافية لمواطنيها، مازلت ولا تزال تستقبل أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، أهم واحدة من أصغر تلك الدول هي “لبنان”.

أزمة اللاجئين السوريين هي أسوأ مآساة إنسانية في العصر الحديث، فقد صرّحت الأمم المتحدة أن أكثر من أربعة ملايين سوري، أي نحو سدس عدد السكان الأصلي، قد فروا من الصراع الدائر في بلادهم إلى الخارج، وأوضحت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن حشود الفارين التي عبرت الحدود التركية قادمة من سوريا خلال الأشهر العشرة الأخيرة أضافت نحو مليون لاجئ جديد إلى مجمل عديد اللاجئين السوريين، وهناك أكثر من سبعة ملايين من النازحين الذين اضطروا إلى مغادرة مناطق سكنهم نحو مناطق أخرى داخل سوريا منذ بدء الانتفاضة الشعبية في مارس2011 .

دخل القارة العجوز العام الجاري ما يقارب 350.000 لاجئ سوري مقارنة بـ 280.000 لاجئ في العام الماضي، بين استقبال حار من ألمانيا، ومنع عنصري عنيف من المجر ببناء سور يمنع اللاجئين من عبور حدودها، تولت ألمانيا القيادة في حملة “الترحيب باللاجئين”، حيث قطعت وعدًا أنها ستعمل على استضافة نصف مليون لاجئ خلال السنوات القادمة.

استقبلت الولايات المتحدة مجتمعة 1500 لاجئ منذ اندلاع الحرب، كسرت هذا الرقم قرية “كترمايا” في لبنان، والتي تتوقع زيادة هذا العدد إلى 5000 بحلول نهاية العام، صرّح الرئيس “أوباما” بأنه قد أبلغ السلطات المعينة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمضاعفة عدد اللاجئين السوريين في أمريكا بحلول عام 2016.

إذا عقدنا مقارنة بين الموقف الغربي والعربي، سنجد أن جهود الغرب تُعتبر نقطة في محيط إذا تم مقارنتها بما تفعله الدول العربية المستضيفة للاجئين، خاصة التي لا يكون فيها مستوى الانتعاش الاقتصادي كالموجود في الدول الغربية المتقدمة مثل ألمانيا، والتي تعاني من أزمات مع مواطنيها الأصليين، من قبل وصول اللاجئين.

الوضع في لبنان

يوجد نصف السوريين اللاجئين في لبنان، وعدهم 1.7 مليون، في أماكن إيواء دون المستوى المطلوب، أو في مخيمات غير رسمية، حيث يُقدر عدد اللاجئين المسجلين في لبنان رسميًا بمليون لاجئ سوري، إلا أن العدد أكبر من ذلك بكثير، لوجود الكثير منهم خارج السجلات الرسمية، حيث يُقدّر العدد الإجمالي لهم بربع الكثافة السكانية للبنان، فمنطقة “جبل الشوف” والتي تقع فيها قرية “كترمايا”، تحتوي على أكثر من 600.000 لاجئ سوري، ازداد الأمر تعقيدًا بسبب خلو لبنان من المخيمات الرسمية للاجئين، مما جعلهم يبنون ملجأ لهم في أي أرض يستحسنوها للمعيشة المؤقتة عن طريق دفع مبلغ معين لصاحب الأرض، أو عن طريق المكوث فيها حتى يتم ترحيلهم منها بالإجبار.

تحتوي قرية واحدة في لبنان على عدد  من الاجئين السورين أكثر مما تحويه الولايات المتحدة

قرية “كترمايا”، التي تقع جنوب جبل لبنان، وتحيطها الأراضي الزراعية، هي من أكثر القرى التي استقبلت آلاف اللاجئين السوريين منذ اندلاع الحرب، على الرغم من أنها ليست من المناطق الغنية في لبنان.

يقول علي تافيش، رجل أعمال لبناني في “كترمايا” لموقع “جلوبال بوست”، “لدينا تاريخ في استضافة اللاجئين، لقد استقبلنا اللاجئين منذ عام 2006 عندما تم غزو الجنوب اللبناني”، عرض علي الأراضي التي يملكها على اللاجئين، وعندما زاد عددهم، بدأ في عرض بيته الخاص لهم، حيث تم بناء أول خيمة لعائلتين، وبعدها بدأت الخيام تزداد حتى لم تعد تكفيها الأرض.

استقبل علي على أرضه 330 سوريًا، أعفاهم من دفع مبلغ للإيجار، إلا أن علي من القلة الذين يتعاملون بود مع اللاجئين، حيث بنى لهم مصرفًا صحيًا ووفر لهم الغذاء من مزارعه الخاصة.

سوريون يواجهون خطر البرد في لبنان

يمكنك أن ترى باستمرار المخيمات المبنية بطريقة بدائية على جوانب الطرق، والتي لا تستمر طويلًا في فصل الشتاء بسبب العواصف والأمطار، حيث أعلنت المواقع الإخبارية عن وفاة أربعة أشخاص بالإضافة إلى رضيع عمره شهرين في  قرية “شيخا” في العاصفة الثلجية التي أصابت لبنان في العام الماضي.

لا يجد الكثير من اللاجئين الأغطية الكافية التي تقيهم من البرد، كما ضربت العاصفة الثلجية الكثير من المخيمات غير الرسمية وأزالتها من على الأرض، نتيجة لبنائها بطريقة بدائية وتغطيتها بالورق المقوّى أو البلاستيك.

تعاني المفوضية السامية الخاصة بشؤون اللاجئين من أزمة التمويل النقدي للاجئي لبنان، مما يدق ناقوس الخطر في إمكانية مداومة اللاجئين على ظروف الحياة القاسية بعد أن ينخفض الراتب الشهري الذي تمنحه المفوضية للاجئ، والذي يتأرجح بين 10-13 دولارًا شهريًا للفرد الواحد.

ميزانية المفوضية السامية للاجئي لبنان منذ عام 2011

كما أعلن البنك الدولي للطعام عن عدم قدرته على خدمة 1.7 لاجئ سوري في لبنان بعد الآن، نظرًا للنقص الحاد في التمويل وتزايد أعداد اللاجئين المستمر، والذي لن تستطيع هيئات الإغاثة مواكبته بدون التمويل اللازم، حيث تتلقى المفوضية في دول الجوار “لبنان”، “الأردن”، “العراق” و”مصر”  نصف التمويل اللازم لإغاثة اللاجئين الغذائية في تلك الدول، وتحذر من وقف الإمداد الغذائي كليًا في العام المقبل إذا استمر الوضع المتردي للتمويل.

أنشات منظمة إغاثة الأطفال Save the Children مدرسة لتعليم الأطفال في كترمايا، إلا أنها توقفت عن العمل منذ عام لقلة التمويل، ولكن من المتوقع عودتها للعمل في العام الجاري وبداوم تعليمي كامل للأطفال حتى سن الثانية عشر.

حذرت الأمم المتحدة من أن مئات الآلاف من السوريين في لبنان معرضون لخطر فقدان وضعهم كلاجئين بسبب قوانين التأشيرة الجديدة، حيث يطلب النظام الجديد، الذي يسري تدريجيًا مع انتهاء التأشيرات الحالية للاجئين، من السوريين توفير مجموعة من الوثائق التي يصعب الحصول عليها والتعهد بتجنب مزاولة أي عمل ودفع مبلغ 200 دولار للشخص الواحد.

وقالت دانا سليمان، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الاحتفاظ بوضع قانوني أصبح الآن “أمرًا مستحيلاً” بالنسبة للكثيرين، وأضافت قائلة: “هناك خطر جدي في أن يفقد معظم اللاجئين وضعهم القانوني بسبب القوانين الجديدة المرهقة لتمديد إقامتهم كل ستة أشهر، وبعد ذلك سيكونون عرضة للاعتقال والاحتجاز”.

الاهتمام الدولي بخطر تغيير الديموغرافية الأوروبية يدق ناقوس الخطر أيضًا على لبنان، فاللبنانيون يخشون تغير الديموغرافية اللبنانية ومحو كينونتها بوجود اللاجئين السورين، حيث من المتوقع إن طالت الحرب السورية، أن يصير عدد السوريين مماثلًا للبنانين الذين يبلغ عددهم 4 مليون لبناني، إلا أن في النهاية، وقع اللاجئ السوري ضحية خوف وقلق اللبنانيين، والقيود الصارمة من سلطات البلاد، وتدهور أوضاع اللاجئين بدون مخيمات رسمية تأويهم.

يقول أحد اللاجئين، وهو معلم يقوم بتعليم أطفال في قرية كتر مايا، لموقع “جلوبال بوست”: إنه لا يرغب أبدًا في الذهاب إلى أوروبا، حتى وإن استطاع، بالنسبة إليه ذهابه إلى أوروبا يعني أنه لن يعود إلى سوريا في يوم من الأيام، أنا فقط هنا لأنني أريد لأولادي الأمان، إذا توقف القصف في بلادي، سأعود فورًا.”.