ترجمة وتحرير نون بوست
أسفرت الغارة الجوية التي ضربت مركز الشام لتعبئة المياه في نهاية الوردية الليلية، عن مقتل 13 عاملًا كانوا على بعد دقائق فقط من الوصول إلى منازلهم سالمين، وبعد أيام قليلة من الغارة الجوية، كان ابراهيم رزوم، مالك المركز، يقف هنا وسط الزجاجات المتناثرة، الصناديق المشتعلة، والآلات المهشمة، محاولًا، عبثًا، البحث عن السبب الذي حذا بطائرات التحالف العسكري الذي تقوده السعودية لمهاجمة هذا المكان.
على عكس مزاعم المتحدث باسم قوات التحالف، لا يوجد بين الأنقاض ما يثبت استخدام هذا المصنع لتصنيع القنابل، كما أنه بعيد عن أي مرفق عسكري، مما يستبعد احتمالية استهدافه نتيجة لخطأ فادح بالتصويب، فلأميال من حول المصنع، لا يوجد شيء سوى الصحراء القاحلة، “لم يخطر ببالي أن يتم استهداف المصنع”، قال رزوم.
من بين الأخطار العديدة التي تواجه المدنيين في اليمن خلال فترة الستة أشهر الأخيرة من الحرب، كالمجاعة التي تلوح في الأفق، وانهيار المدن تحت وطأة الأسلحة الثقيلة، لا يوجد خطر قاتل مشابه لخطر الضربات الجوية للتحالف العسكري؛ فالحملة التي بدأت قبل حوالي الستة أشهر كحملة جوية بقيادة سعودية ضد الحوثيين، حركة الميليشيا المتمردة التي طردت الحكومة اليمنية من السلطة، أصبحت واسعة النطاق ودخلت في حيز الفراغ لدرجة أصبح معها المنتقدون يتهمون الائتلاف بمعاقبة الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بشكل جماعي.
استهدفت ضربات التحالف الخاطئة الأسواق والمباني السكنية ومخيمات اللاجئين، كما سقطت قنابل أخرى في أماكن بعيدة للغاية عن أي هدف عسكري، كتلك القنبلة التي استهدفت مصنع رزوم، واليوم تقول جماعات حقوق الإنسان بأن تلك الضربات الجوية ترقى إلى درجة جرائم حرب، حيث يُعتقد بأن الضربات الجوية أسفرت عن إزهاق أرواح أكثر من ألف مدني، وهذه الحصيلة في ارتفاع مطرد بالتلازم مع استمرار الصمت الدولي المطبق.
بدلًا من تأليب المزيد من اليمنيين ضد الحوثيين، ساعدت ضربات التحالف على بلورة الغضب في جميع أنحاء البلاد ضد المملكة العربية السعودية وشركائها، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدمت إدارة أوباما مساعدات الاستخبارات العسكرية والمساعدة اللوجستية لقوات التحالف، كما تم استخدام الأسلحة الأمريكية على نطاق واسع في خضم الحملة الجوية الجارية على اليمن، ومن ذلك الذخائر العنقودية الأمريكية الصنع التي وجدها محققو هيومن رايتس وتش في حقول المزارعين اليمنيين، كما أنه وبالقرب من موقع الهجمات الجوية التي أسفرت عن مقتل 11 شخصًا في مسجد، وجد المحققون العاملون مع منظمة العفو الدولية، قنبلة أمريكية بوزن 1000 باوند لم تنفجر، وحاليًا تضع الولايات المتحدة اللمسات الأخيرة على اتفاق لتقديم المزيد من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، بما في ذلك صواريخ لطائراتها المقاتلة من طراز F-15.
في أجزاء من شمال اليمن، الذي يقطنه أغلبية من المسلمين الشيعة، يخبر السكان الصحفيين، خلال زياراتهم النادرة للمنطقة، بأن حملة القصف من قِبل قوات التحالف السني تبدو في كثير من الأحيان وكأنها تهدف لممارسة التطهير الطائفي؛ فالضربات الجوية القريبة من الحدود مع المملكة العربية السعودية كانت عنيفة لدرجة اضطرت معها السكان للجوء إلى الكهوف الجبلية، أو للسفر جنوبًا، سيرًا على الأقدام غالبًا، حيث أسسوا هناك لمعسكرات هشة على جانب الطريق.
أحياء مدينة صعدة الشمالية قُصفت بكثافة لدرجة أصبح معها السكان المحليون يتهكمون بقولهم “لم يعد يوجد مبانٍ لاستهدافها من قِبل طائرات التحالف”، وتقلّص عدد الأهداف الحيوية في العاصمة صنعاء، لم يثنِ طائرات التحالف، التي تجوب سماء المدينة على مدار الساعة، عن قصف ذات المباني الأمنية مرارًا وتكرارًا بتواتر محير ومخيف.
قوات التحالف التي تقودها السعودية نادرًا ما تعترف بقتلها للمدنيين عن طريق الخطأ، حتى إبان الهجمات الأشد فتكًا، مثل الهجمة التي أدت إلى تفجير مجمع سكني للعاملين في المخا في يوليو، مسفرة عن مقتل 63 شخصًا على الأقل، وبدلًا من تحمل المسؤولية عن ذلك، يلوم الائتلاف الحوثيين، متهمًا إياهم بالقتال ضمن المناطق المأهولة بالسكان.
“لماذا يجب أن نعترف بشيء لا وجود له؟” قال العميد أحمد العسيري، المتحدث باسم التحالف السني، عندما سُئل عما إذا كانت الضربات الجوية قد قتلت أشخاصًا من غير المقاتلين، وأضاف بأنه ينبغي أن تعمل الحكومة اليمنية في المنفى أو مراقبو الأمم المتحدة للتحقيق في هذه الوفيات.
من جهته صرّح الكولونيل باتريك رايدر، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، بأن المسؤولين الأمريكيين طلبوا من “الحكومة السعودية التحقيق في جميع التقارير الموثوقة حول وقوع إصابات بين المدنيين ناجمة عن غارات التحالف الجوية، والعمل على معالجة العوامل التي أدت إلى ذلك، في حال تأكيدها”.
بعد أن أطاحت ميليشيات الحوثي بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، اندلعت أزمة سياسية متوترة انتهت إلى انطلاق الحرب في مارس، ويشير محللون بأن السعودية شنت هجومها بهدف معلن يتمثل بإعادة هادي إلى السلطة، ولكن الدافع الأكثر إثارة للقلق يكمن في مكان أعمق من ذلك بكثير.
السعودية المصدومة بالفعل بسبب اتفاق إدارة أوباما النووي مع منافسها الإقليمي، إيران، تنظر إلى الحوثيين، الذين يقودهم الشيعة، كوكيل إيراني يهدف إلى بسط السيطرة الإيرانية عبر الحدود السعودية، علمًا أن الحوثيين نفوا تلقيهم للأوامر من إيران، كما أن الحلفاء السعوديين، بما في ذلك الولايات المتحدة، صرحوا بأن المخاوف السعودية مبالغ بها لدرجة كبيرة.
حصيلة الحرب الجارية باليمن وصلت إلى حوالي 4500 قتيل، حيث قُتل المئات في معارك الشوارع التي نشبت بين الحوثيين وخصومهم بغية السيطرة على المدن اليمنية الهامة، مثل تعز وعدن، وحينئذ تم اتهام الحوثيين بشكل خاص بلجوئهم إلى القوة الوحشية والمفرطة، كما عملت الحرب البرية والقيود القاسية التي تفرضها السعودية على الواردات اليمنية على تعميق المعاناة الإنسانية في اليمن، مما تسبب في نقص الوقود والمياه والإمدادات الطبية، بالتلازم مع تضخم أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع.
معظم الضحايا المدنية في اليمن قضوا نتيجة لاستهداف طائرات التحالف، التي تعمل غالبًا على إسقاط الذخائر الأمريكية التي يتراوح وزنها بين 250 إلى 2000 باوند، وحتى اللحظة، لا يوجد إحصائيات شاملة عن عدد حالات الوفاة، ولكن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ذكرت يوم الجمعة بأن حصيلة القتلى المدنيين وصلت إلى 1527 مدنيًا لقوا حتفهم في الفترة الواقعة بين بداية الهجوم السعودي و 30 يونيو، وأضاف البيان بأن 941 شخصًا على الأقل قُتلوا جرّاء غارات التحالف الجوية.
ساعدت الغارات الجوية على تقدم قوات التحالف في جنوب اليمن، حيث تتعاظم هناك المشاعر المعادية للحوثيين، ولكن الحصيلة الكبيرة للقتلى المدنيين صعّدت المخاوف حول التكتيكات التي يعتمدها ائتلاف الجيوش العربية في القتال إلى جانب السعوديين، وسعي هذا التحالف لإثبات نفسه كثقل موازن إقليمي للنفوذ الإيراني، واليوم، مع حشد قوات التحالف لقواتها وأسلحتها في وسط اليمن تجهزًا لغزو بري محتمل على صنعاء، تصاعدت المخاوف أيضًا من تعرض المدينة التاريخية القديمة في صنعاء، لذات مصير الكنوز اليمنية النفيسة الأخرى التي تم تدميرها جرّاء النزاع.
تشير دولة الإمارات العربية المتحدة بأن طياريها لعبوا دورًا مركزيًا في الموجة الأخيرة من الهجمات الجوية، فيما يبدو وكأنه انتقام للهجوم الذي نفذه الحوثيون في 4 أغسطس، والذي أسفر عن مقتل 45 جنديًا إماراتيًا على الأقل في خضم الحرب الدائرة في اليمن، ومنذ ذلك الحين، تعرضت صنعاء لقصف يعد الأعنف منذ بدء الحرب؛ فإبان مقتل الجنود الإماراتيين، تم قتل 21 مدنيًا على الأقل جراء الغارات الجوية في جميع أنحاء العاصمة، وفقًا لأقارب الضحايا، حيث أسفر تفجير واحد في إحدى المناطق عن مقتل تسعة أشخاص، في نمط أصبح مميزًا للعديد من الهجمات الجوية الأخرى.
ركزت طائرات التحالف على الجامعة التي كان يستخدمها الحوثيون كقاعدة عسكرية لهم، حيث قصفت مستودعًا في الحرم الجامعي بدا وكأنه متخم بالأثاث المكتبي، ولكن في ذات الوقت، استهدفت الطائرات أيضًا منطقة سكنية تطل على الجامعة، من خلال ما لا يقل عن ثلاث غارات جوية منفصلة، ملحقة بذلك أضرارًا جزئية أو مهدمة حوالي ستة منازل.
“إنهم يقتلون الأبرياء ويزعمون بأنهم يقتلون الحوثيين، إنهم يستهدفون السكان”، قال آدم مجاهد عبد الله، البالغ من العمر 20 عامًا، وهو أحد الناجين من الضربات، والذي كان يتعافى من إصابته التي حرقت 65% من جسده في مستشفى الأسبوع الماضي، حيث أصابت القنبلة منزله وقتلت سبعة من أفراد عائلته، ولكن أصدقاءه، وأثناء زيارتهم له في المستشفى، لم يخبروه عن مقتل أفراد عائلته نتيجة للضربة، بما في ذلك والدته وأربعة من أشقائه، لأنهم كانوا قلقين للغاية حول حالته الحرجة.
على الطرف الآخر من المدينة، استهدفت غارات جوية أخرى محلات تجارية وشققًا سكنية، مودية بحياة سبعة أشخاص، وتحت الأنقاض، حفر السكان ليجدوا بقايا مهيب محمد، 26 عامًا، وهو الحلاق المحلي للحي، “وجدوا ساقيه فقط”، قال أيمن محمود، الذين وصل إلى الحي بعد وقت قصير من حصول الغارة الجوية.
وشملت ضحايا هذه الضربة مقتل تيسير عقبة، وهي فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا، التي كانت في ذاك الصباح في زيارة لمنزل جدتها، أمانة الخولاني، البالغة من العمر 65 عامًا.
يكتنف الغموض الاعتداءات المتكررة التي تمارسها طائرات التحالف على محافظة صعدة الشمالية، مسقط رأس حركة الحوثيين؛ فقبل أشهر، أعلن التحالف السعودي محافظة صعدة برمتها كمنطقة عسكرية، مما أثار غضب جماعات حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي لم يكن كافيًا لردع الطائرات الحربية.
وفي المناطق الحدودية التي استخدمها الحوثيون لشن هجمات ضد المملكة العربية السعودية، ضربت قوات التحالف عمق الأراضي اليمنية، حيث قصفت المستشفيات، الطرق، والمدن، حتى عند خلوها من أي مقاتلين حوثيين، كما تقول الدكتورة ناتالي روبرتس، التي كانت تعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في أحد العيادات القليلة الموجودة في المحافظة.
وتضيف روبرتس موضحة “الأمهات يلدن أطفالهن في مآوي الكهوف، المرضى يتوجب عليهم الانتظار لأسابيع قبل نقلهم إلى المستشفيات، ما هو هذا النوع من الحياة الذي تنتظر فيه داخل كهف لمعرفة ما إذا كان سيتم قصفك؟”.
في الطريق المؤدي إلى صعدة، أحدثت الضربات الجوية حفرًا كبيرة، كما دمرت أربعة جسور على الأقل، وطمست شاحنات كانت تحمل الوقود أو الماشية، وفي مدينة صعدة، تم قصف العديد من المنازل في أحد الأحياء، لدرجة اضطر معها جميع السكان للفرار بكل بساطة من الحي.
عمر محمد الغالي، 28 عامًا، يجلس في وسط المدينة بالقرب من أنقاض متجره الذي كان يبيع ضمنه الملابس، والذي دمرته الضربات الجوية التي استهدفت قطعة ممتدة من الأرض تضم بعض المباني الحكومية، القصف أسفر عن مقتل سيف أحمد سيف، الذي كان يملك متجرًا لبيع المظلات، والغالي احتفظ ببطاقة هوية سيف، ربما لإعادتها يومًا ما لابنته التي تعيش بعيدًا في محافظة تعز، “إنني أتردد دائمًا على هذه الأنقاض لأنني لا أملك مكانًا للذهاب إليه”، يقول الغالي.
صعدة، عانت بشكل كبير خلال العقد الماضي، عندما خاض الحوثيون ست حروب متتالية ضد الحكومة المركزية في اليمن في عهد صالح، ولكن تلك الصراعات تبدو باهتة وقليلة الأهمية بالمقارنة مع الأضرار التي تحدثها قوات التحالف اليوم، “إنها حرب تجري من السماء” يقول الغالي.
المصدر: نيويورك تايمز