أعقب الانقلاب العسكري بمصر في الثالث من يوليو 2013 حملات ممنهجة وغير ممنهجة لاستهداف التيارات الدينية في مصر، لا سيما تلك التي رفضت عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي أحد القيادات السابقة لكبرى الجماعات الإسلامية في مصر والعالم العربي “جماعة الإخوان المسلمين”.
هذه الحملات كان هدفها في المرتبة الأولى النيل من البقية الباقية من شعبية الإسلاميين في مصر أو المتعاطفين معهم، وقد تم ذلك بدعم من السلطة عن طريق غض الطرف عن إشاعة وبث الكراهية تجاه التيار بأكمله ووصمهم بالإرهاب، وذلك للقضاء على أية فرص لتواجدهم في الحياة السياسية المصرية مستقبلًا.
بالرغم من حرص مديري مشهد الانقلاب في مصر على تصدير صورة تواجد قيادات حزب النور السلفي كداعمين لتحركات الجيش بعد أحداث الـ30 من يونيو، كانت هناك حملات موازية تتهم الحزب بالطائفية والعنصرية والقيام على أساس ديني، ضمن حملة كبرى تطالب بحل كافة الأحزاب التي قامت على أساس المرجعة الإسلامية، وهو ما دعا الحزب في أحيان كثيرة للتنصل من مواقف كثيرة لإظهار مدنية الحزب على حساب هويته الدينية التي لطالما روج لها منذ إنشائه.
فيما أرجع بعض المحللون هذه الازدواجية في التعامل مع هذه الأحزاب ذات الخلفية الدينية إلى سياسة العصا والجزرة التي يستخدمها النظام معهم، حيث يُخرج صورة انقلابه على الإسلاميين بأنه بمشاركة طيف إسلامي كحزب النور، وتخرج الحملات من رحم النظام تارة أخرى تُهدد أحزاب الإسلاميين المتبقية بالحل على خطى حزب الحرية والعدالة المنحل الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، لمنع التضامن مع الجماعة، حيث سارت بعض هذه الأحزاب في ركاب تحالف دعم الشرعية الذي يرفض الانقلاب ويُطالب بعودة مرسي.
هذا وقد نجحت السلطة في تهديد بعض هذه الأحزاب بالفعل وإرغامها على التراجع خطوات للخلف، لئلا تلقى مصير الحل، فقد خرجت بعض الأحزاب من عباءة تحالف دعم الشرعية بأسباب ظاهرية كالاختلاف مع نهج التحالف الذي تديره جماعة الإخوان المسلمين، وكان على رأس هذه الأحزاب حزب الوطن السلفي وحزب الوسط، ويؤكد متابعون أن خلفية قرارات الانسحاب كانت التهديد بالحل.
ومع اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر عاد النظام لترويض هذه الأحزاب ذات المرجعية الدينية المؤيدة له والمعارضة، فقد خرجت محكمة القضاء الإداري بقرار يُلزم لجنة شؤون الأحزاب بدراسة الموقف القانوني لـ11 حزبًا سياسيًا مصريًا ذات مرجعية دينية إسلامية.
وشمل هذا القرار حزب “النور” السلفي، المنتمي لمعسكر السلطة، البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، الوطن السلفي، الوسط، الفضيلة، الأصالة، الحضارة، مصر القوية، العمل الجديد، الإصلاح، والفتح.
كما يتزامن هذا القرار مع شن حملات إعلامية على هذه الأحزاب لا سيما حزب النور السلفي الذي يلقى تواجده في معسكر السيسي معارضة من النخبة المدنية التي تدعو دائمًا إلى نبذه وحله، كما انطلقت حملة شعبية تقودها حركة “تمرد” المقربة من الأجهزة السيادية في مصر التي جمعت توقيعات في السابق لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في عهد الرئيس السابق مرسي، ولكن هذه المرة شاركتها بعض الشخصيات المحسوبة على ما يُعرف بالتيار المدني وادعوا جمع توقيعات لحل الأحزاب الدينية في مصر.
في المقابل أكدت قيادات بعض هذه الأحزاب أنهم غير معنيين بهذه التحركات لأن قرارات حل الأحزاب لا تصدر إلا بأمر قضائي، كما يُشير حزب حريص على الدولة المدنية الحديثة، ولا مجال لوصفه بالحزب الديني، كما أن الحزب يُجهز المستندات التي تثبت هذا الأمر في حال مخاطبته بشكل رسمي، أما حزب النور فقد هاجم التيارات المدنية التي تدعو إلى حله مذكرًا بموقف هذه التيارات من الحزب أثناء معارضته للرئيس السابق مرسي وأثناء عزله حيث كانت دعوات الترحيب تنهال على الحزب منهم.
النظام في تعامله مع الأحزاب الإسلامية هذه يعاملهم على مستويين، المستوى الأول هو مستوى الاستخدام كما يفعل مع حزب النور السلفي الذي قرر خوض الانتخابات البرلمانية القادمة. وبمثل هذه الضغوطات يريد نظام السيسي ألا يخرج الحزب عن طوع تأييد النظام، إذ تُشير التوقعات أنه بالرغم من الحملات التشويهية للحزب، فإن الحزب في مقدمة الأحزاب التي لها قواعد صلبة تستطيع المنافسة بشراسة في هذه العملية الانتخابية، وقد اتضح هذا الأمر في انتخابات برلمان 2012 المنحل.
السلطة في مصر تدرك هذا الأمر جيدًا ولربما أرادت تطويع الحزب لمواجهة تكتلات رجال الأعمال في الانتخابات التي ربما تضر بسلطات السيسي إذا تمكنوا من البرلمان، هذا على المستوى الأول من التعامل.
أما المستوى الثاني يشمل الأحزاب الإسلامية الأخرى المعارضة للنظام والرافضة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والداعية لمقاطعتها وفي مقدمتهم حزب الوسط، وحزب مصر القوية اللذين يُديرهما اثنين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين السابقين، ولربما مثل هذه الإجراءات والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الإدراي تكون بمثابة رسالة تخويف لهذه الأحزاب مما هو قادم.
حيث تعد هذه السابقة الأولى التي يلزم فيها القضاء لجنة شؤون الأحزاب بالتحقيق في مخالفات أي حزب، وقد ذكرت المحكمة في حيثيات قرارها أن اللجنة كان عليها المبادرة واﻻستجابة للتحقق في ما نُسب من مخالفات لهذه اﻷحزاب، وقد اتهم مقدم البلاغ هذه الأحزاب باستهداف الوحدة الوطنية ومحاولة تغيير نظام الدولة، كما ادعى أنها أحزاب طائفية إسلامية تقصر عضويتها على المسلمين دون المسيحيين.
أما لجنة شؤون الأحزاب فبدورها ستقوم بالامتثال لقرار المحكمة وستقوم بإحالة البلاغات المقدمة في هذه الأحزاب إلى النائب العام، لإصدار نتائج التحقيق القضائي، ومن ثم يقوم النائب العام بتحريك دعوى أمام المحكمة اﻹدارية العليا لحل أي حزب يثبت مخالفته لشرط من شروط إشهاره وفقا للقانون المنظم للجنة شؤون الأحزاب، وهي ما اعتبره البعض تلاعب قانوني لحل هذه الأحزاب في أي لحظة، كما حدث في السابق مع حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان.
هذه التحركات من جانب أجهزة الدولة في ملف الأحزاب الإسلامية هي أقرب للافتعال منها إلى الجدية، كما أن اللجوء في مصر إلى ديمقراطية التوكيلات هي وسيلة ضغط لا أكثر ولا أقل، حيث انطلقت في بعض المحافظات حملات تحت شعار “لا للأحزاب الدينية” لجمع توكيلات لحل الأحزاب الدينية، بينما هذا الأمر لا محل له من القانون الذي يُلزم حل الأحزاب عن طريق الأحكام القضائية وفقط، ولكن هذه الحملات لن تتجاوز شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد، حيث تُستخدم للترغيب والترهيب لهذه الأحزاب المعارض منها والمؤيد للنظام.