رأت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن سقوط الرافعة في الحرم المكي، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص يوم الجمعة الماضي، “يفضح الطفرة العمرانية الزائفة التي يشكو بعض السعوديين من أنها تخرب المدينة المقدسة”.
وقالت الصحيفة إن انهيار رافعة الحرم كشف عن مخاطر عمليات التوسعة المتسارعة غير المطابقة للمواصفات.
لسنوات، عاش سكان مكة المكرمة في حالة من البناء المستمر الساعي لتوسعة المشاعر المقدسة، التي استقبلت أكثر من 2 مليون حاج في موسم الحج الماضي، ولتطوير المدينة أيضا.
يقول أحد الناشطين “كل عامين يعلنون عن خطة جديدة لا علاقة لها بسابقتها”، هذا الناشط يعبر عن العديد من السعوديين.
تظهر أعمال البناء المحمومة في كل مكان في مكة المكرمة، وفي المقام الأول في المسجد الحرام، الذي وقع به الحادث يوم الجمعة، ووعد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بمعرفة سبب سقوط رافعة البناء أثناء هبوب عاصفة رعدية.
وذكرت الصحيفة أن الحج لن يتأثر بالحادث، بيد أن السكان المحليين ذاقوا مرارة الحادث، إذ أوضح الناشط السعودي: “وقعت بعض الحوادث البسيطة، وأسفرت عن مقتل العمال، لكنها لم تصل أبدًا إلى الصحافة، أما هذه المرة فلا يمكنهم إخفاؤها”.
ويشرف على مشروع تطوير مكة المكرمة – البالغ تكلفته 100 مليون ريال سعودي – واحدة من أبرز شركات التطوير العقاري في المملكة، وهي مجموعة بن لادن السعودية، وبدعم من الحكومة.
ويشير الداعمون إلى أن المشروع يتضمن بناء مساكن جديدة وإنشاء طريق دائري ومواقف سيارات ونظام مترو جديد.
وقال عرفان العلاوي، المؤسس المشارك لمؤسسة أبحاث التراث الإسلامي ومقرها مكة: “مكة ليست مدينة عادية”، لافتا إلى أن ناطحات السحاب الكثيرة تجعل المدينة “تبدو وكأنها مانهاتن”، ولاسيما برج الساعة الملكي البالغ ارتفاعه 76 طابقا، ومجمع أبراج البيت المرفق به.
وتابع علاوي “لم تُتخذ إجراءات للسلامة والصحة في المكان. في لندن مثلا إذا كان هناك بناء، فإن العامة يتم إبقاؤهم بعيدا، لكن في مكة، رافعات البناء تقف فوق رؤوس المصلين”. وأكد علاوي أنه ليس هناك متطوعون كفاية لإبعاد الأطفال مثلا عن الأماكن الخطرة، وحتى بعض المهندسين لا يرتدون أدوات الوقاية الأساسية مثل الخوذات أو القفازات، لأن درجة الحرارة في الصيف تتجاوز 45 درجة.
“هناك أكثر من 15 من أطول الرافعات في العالم تقف مطلة على الحرم، هذه الرافعات تقف هناك منذ ثلاثة أعوام، وإذا سقطت واحدة، فما الذي يمنع غيرها من أن يسقط -لا قدر الله-، أتمنى أن تقوم الحكومةالسعودية بتعزيز إجراءات الأمن والسلامة لكن هذا أمر لم يتم فعله على مدار السنوات الماضية”
ومن ناحية أخرى، يشتكي النشطاء من نقص الرقابة والإشراف بشكل مثير للقلق، وعادة ما يتم التستر على الحوادث، ويظهر مقطع الفيديو المنشور على الإنترنت لسقوط الرافعة عدم وجود احتياطات للسلامة في المكان.
بالإضافة إلى ذلك يتداول النشطاء مقاطع تظهر تجاوزات في أعمال الهدم وكلها غير مسجلة بشكل رسمي، كما أنها لم تظهر في الإعلام.
كما يشعر السكان المحليون بقلق بالغ إزاء تخصيص مجموعة بن لادن مناطق عشوائية كبيرة لأعمال الهدم، ويخشون عدم تلقيهم تعويضا مناسبا أو مكانا جديدا للعيش فيه.
وتتفاقم المشكلة نظرا لحقيقة أن الجاليات المهاجرة في مكة تتداول ملكية العقارات فيما بينها منذ سنوات، في حين أن المملكة لا تعترف بالأوراق التي يستخدمونها في هذا الإطار.
ورأى ناشط آخر من مكة المكرمة: “يعتبر مشروع التطوير في المقام الأول وسيلة للأسرة الحاكمة لتوزيع الثروة النفطية والمحسوبية بين دائرة محدودة من الأمراء وحاشيتهم، فلا أحد يتوقع أن تحقق هذه التوسعات فائدة ملموسة”.
ولفتت الصحيفة إلى أن العقارات المحيطة بالمسجد الحرام هي من بين الأكثر غلاء في العالم، لكن هناك أيضا مناطق مزرية ليست بعيدة عن وسط المدينة.
يعتبر شارع منصور أحد الأحياء الفقيرة في المدينة، ويقع على بُعد ميل من المسجد الحرام، ويسكنه في الأساس مهاجرون من ثلاث قبائل نيجيرية، وهناك أيضا حي النكاسة الفقير المكتظ بالسكان البورميين، والمبني على منحدر جبلي غير مرصوف.
وتتسم العديد من شوارع هذه الأحياء بأنها ضيقة وشديدة الانحدار، وداخل المتاهة المتشابكة من الأزقة، تطفح مياه الصرف الصحي وتتراكم القمامة في الشوارع، والقليل من المنازل فقط لديها الغاز والماء والكهرباء، على حد وصف الصحيفة.
ولا توجد دلائل واضحة على البرامج والإعانات الاجتماعية – المقدرة بـ110 مليار دولار – التي أعلنها الملك منذ بدء الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة قبل أربع سنوات، بحسب الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن نشطاء قولهم إن التركيبة الاجتماعية لمكة المكرمة كفسيفساء متنوعة يُسهل من جهود السلطة للسيطرة عليها. ونظرا للدور التاريخي الذي لعبته مكة في تاريخ المسلمين، يضم سكانها قطاعات كبيرة من مجتمعات مهاجرة يواجه مسلموها اضطهادا وتمييزا في دولهم الأصلية.
يقول أحد السعوديين للغارديان “آل سعود خبراء في اللعب على كل الأطراف”، ويضيف “إذا تسبب مجتمع بمشاكل من أي نوع، فإن السعوديين يمارسون الضغط في أكثر الأشياء أهمية لهم: وظائفهم، وهذا يحافظ على ولاء الناس!”
تصاريح الإقامة وتأشيرات العمل هي أيضا وسيلة قوية للسيطرة الاجتماعية. فيمكن للحكومة ببساطة تكميم أفواه الجاليات المهاجرة بالتهديد بالترحيل الجماعي، وهو عقاب مورس بالفعل في السابق.
يقول سعودي آخر للصحيفة “أبق كلبك جائعا وسوف يتبعك!، هذا ما حفظه آل سعود عن والدهم”
المصدر: الغارديان