جذب علم نفس الأطفال انتباه العلماء والأطباء النفسيين منذ ما يقرب من مائة عام، وخاصة منذ اندلاع كل من الحرب العالمية الأولى والثانية، كما حاذ قسم رسومات الأطفال وما يخطه الأطفال من خطوط عشوائية وألوان غير مرتبة، أو ما يرسموه من رسومات منظمة بأشكال هندسية أو عشوائية، على اهتمام العديد من الدراسات العلمية؛ لينشأ علم جديد اهتم به الغرب على وجه التحديد، وهو رسومات الأطفال الواقعين تحت الصدمة، من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة لتلك الصدمة، سواء كانت صدمة ناتجة من عنف جسدي أو جنسي، أو حادثة مروعة، أو المرور بتجربة الحرب، وغيرها من الصدمات التي يمر بها الطفل حتى ينضج.
ما هي الصدمة؟
الصدمة هي حدث غير مُتوقع، أو غير مألوف بالنسبة للإنسان، من الممكن أن يكون عنيفًا بدرجة الصدمات الناتجة عن الحروب أو العنف الجسدي أو الاغتصاب، حيث يصعب التعافي من أثره، أو من الممكن أن ينتج بسبب المرور بحدث مؤلم بالنسبة للإنسان مثل الوفاة أو حدوث جرح له إثر حادث أو بسبب التدخل الطبي الجراحي، تسمى الصدمة في علم النفس بالهزة النفسية القوية الناتجة عن حالة صدمة نفسية والتي من الممكن ألا يستطيع الإنسان تحملها أو التعامل معها.
المؤلفان الألمانيان “فيشر وريدسر” يعرفان الصدمة في الكتاب التعليمي لعلم الصدمة النفسية على النحو التالي:
“تناقض حيوي بين تهديد العوامل الظرفية والإمكانيات الفردية للتغلب عليها، التي ترافقها مشاعر العجز والاستسلام الأعزل وهكذا تتسبب في اهتزاز فهم الذات والعالم عند المصاب”.
تفترض الأنثروبولوجية المتطورة أن مرحلة الطفولة توازي مرحلة الإنسان البدائي في تفكيره، الرسم بالنسبة للطفل هو نفسه بالنسبة للإنسان البدائي، والذي اشتهر بالنقش والنحت على الجدران في أقدم الحضارات، والغرض من الرسم تلبية حاجات نفسية، لأنه لا يستطيع التعبير عنها لعدم امتلاكه للغة، فيلجأ الطفل إلى إسقاط أفكاره ومشاعره ومخاوفه على اللوحة، لذلك اعتُبر الرسم من إحدى الوسائل المهمة عند الأطباء النفسيين لاكتشاف مخاوف الطفل وصراعاته الداخلية.
تكشف رسومات الأطفال، مشاعرهم العاطفية ومستوى ذكائهم وشخصياتهم، كما يفعل ذلك خط اليد بالنسبة للبالغين بحسب التقارير العلمية لمحللي الخطوط، كل شيء في رسم الأطفال له مدلول، بداية من اختيارات الألوان وحتى سُمك الخطوط المستخدمة، ويرجع ذلك إلى المرحلة العمرية واختلاف الجنس، حيث يُعبر العلماء عن اختلاف اللوحات المرسومة من قِبل الصبي والفتاة في مراحل عُمرية معينة، فتشير الأبحاث العلمية المتطورة أن رسومات الأطفال معقدة أكثر مما تبدو بسيطة وسهلة الفهم، فقد أصبحت تُستخدم ضمن الوسائل التحليلية لشخصية الطفل ومعالجته النفسية مثل الوسائل التقنية الحديثة.
إن لغة الرسم للأطفال للمصابين باضطرابات نفسية تعتبر وسيلة الاتصال التلقائية بالنسبة لهم أكثر من الكلام، حيث تبدأ المرحلة التصويرية للطفل منذ ثلاثة أعوم، إلى أن تصل إلى مرحلة التعبير الواقعي بين سن التاسعة والثالثة عشر.
هناك بعض الدلالات الرمزية للرسومات، والتي كتب عنها علماء النفس الخاص بالأطفال في مختلف الكتب، منها سيكولوجية رسوم الأطفال، دار المعارف 1985، والتي تختلف بين الرمز الهندسي أو الخطي أو اختيار الألون، فمثلًا، إذا مرر الطفل الخط أكثر من مرة في نفس المكان في اللوحة، ذلك دليل على وجود مصدر للقلق في حياته، أو إذا أخفى جزء منه بشكل فجائي، دليل على وجود تهديد في حياته أو انزعاجه من أشخاص ما في عائلته، أما بالنسبة للألوان فإن استخدام الطفل للونين أو ثلاثة لا أكثر يشير أحيانًا إلى رغبته في الانعزال أو ضعف اتصال الطفل مع الواقع، كما أن موقع الرسم على الورق له نظريات عدة، منها إن أخرج الطفل الرسم خارج الورقة يدل على عدم الثقة بالنفس، وذلك يختلف بالطبع عما إذا كان الطفل يُعاني من اضطرابات ذهنية أو إلى صغر سنه الذي يمنعه من تحديد حدود الورقة.
مثال من العصر الحديث لحروب أصابت جيل كامل من الأطفال باضطرابات نفسية
رسومات أطفال سوريا
يوجد داخل سوريا ما يزيد عن 5.6 مليون طفل سوري يحتاج للمساعدة النفسية، بالإضافة إلى 2 مليون غادروا البلاد منذ الحرب السورية عام 2011.
في مشروع لإعادة التأهيل النفسي لأطفال سوريا، والذي تقوم به الهئية العالمية الكاثولكية لمشروعات التنمية في كل من سوريا، وكذلك لبنان والأردن و تركيا، وضّحت فيه الهيئة الأثر النفسي الواقع على الأطفال السوريين، من مرّوا بتجارب نفسية مروعة إثر الحرب، من خلال لوحات رسموها بأيديهم حين طُلب منهم التعبير عن مخاوفهم من خلال الرسم.
وكانت النتائج كالآتي؛ رسومات لجنود بزي عسكري، دبابات، صواريخ، أسلحة، وأماكن اللجوء الأمني من مستشفيات ومدارس تم قصفها، ومحاولة الهروب من سوريا في سبيل حياة آمنة.
“تُظهر هذه الصوركيف تبدو الحياة لجيل كامل من الأطفال في سوريا، حيث دام الصراع في سوريا أكثر ما دامت الحرب العالمية الأولى، لتصبح الصواريخ وصوت القنابل جزءًا مألوفًا من الحياة اليومية لدى الأطفال، حيث تُظهر الرسومات السبب الرئيسي لخوض السوريين رحلات الموت في البحر، من أجل حياة آمنة لأطفالهم، بعد أن تمّ تشويه طفولتهم”، مدير مشروع إعادة التأهيل النفسي لأطفال سوريا.
“جيل كامل يقع تحت الخطر، يجب أن تُضاعف المنظمات الدولية جهودها من أجل إاحتواء الأزمة، والعمل من أجل وضع حل في سبيل السلام”، كاثرين كولي، منسق الإنتاج للمشروع.
“الأطفال كالإسفنج، يمتصون كل آلام الحرب وصورها ويحفظوها داخل ذاكرتهم، يملأ القتل والتدميروالخوف من خسارة الأقربين قلوبهم البريئة، فكيف سيكون مستقبلهم إذا كان ماضيهم بهذا الشكل؟”، أطفال سورياساندرا عوّاد، من مشروع إعادة التأهيل النفسي.