رغم سطوة الجنرال عبد الفتاح السيسي على مشهد الإنقلاب، فإن سطوته تتأتى من قوة جنرالات آخرين يقفون خلفه وإلى جانبه ويستعين بهم أحيانا ويحركونه ويقررون له توجهاته في أحيان أخرى، فالجنرال محمد فريد التهامي، الذي عزله الرئيس المصري محمد مرسي من رئاسة جهاز الرقابة الإدارية وأحاله إلى التقاعد، عين بعد سويعات من تنفيذ الانقلاب العسكري، في مطلع شهر يوليو الماضي، على رأس جهاز المخابرات العامة.
ومحمد فريد التهامي، وهو صاحب فكرة توجيه تهمة “التخابر مع حماس” للرئيس المصري محمد مرسي، وحسب تقرير نشرته صحيفة النيويورك تايمز، كان صمام الأمان وضابط منظومة الفساد لدولة مبارك، فبعد توليه لمنصب “مدير المخابرات الحربية”، ثم ترأسه للحرس الجمهوري، عينه مبارك رئيسا للرقابة الإدارية، حيث كان عَينَ مبارك على الفساد، واستخدمه مبارك لتسهيل فساد المقربين منه، ولمعاقبة المعارضين له.
وخلال فترة حكم مرسي، نشرت تقارير عديدة عن تورط التهامي وتواطئه مع كل من أحمد عز وأحمد نظيف وعاطف عبيد، وذلك على صحف مصرية كثيرة من بينها صحيفتي الوطن والشروق، وكذلك على برنامجي عمرو أديب وعمرو الليثي، الذين طالبا الرئيس مرسي بمحاسبة الجنرال تهامي.
ورغم عزله وفتح تحقيقات رسمية في حقه، عاد التهامي بقوة لصناعة القرار الرسمي في مصر، فالنيويورك تايمز نقلت تصريحا لأحد الدبلوماسيين الغربيين الذين وفدوا إلى مصر للتفاوض مع الجنرال السيسي، قال للصحيفة أن التهامي كان حاضرا في اللقاءات التي جمعتهم بالسيسي، وقال أيضا أن التهامي عارض توجه السيسي إلى دمج جماعة الإخوان المسلمين في العملية الانتقالية، وقال للوفود الغربية أن “أعضاء الإخوان كلهم إرهابيون”، وأن “الجماعة يجب أن تقصى بالكامل من الحياة السياسية”، كما أعرب التهامي صراحة عن ضرورة “ضرب الجماعة وتفكيكها”، وهو ما يتعارض بالكامل مع تصريحات كل الوجوه الرسمية، بما في ذلك عبد الفتاح السيسي، الذين كرروا مرارا رغبتهم في أن تشمل عملية الانتقال الديمقراطي كل مكونات المجتمع المصري.
وصاحب فكرة اتهام محمد مرسي بالتخابر مع حماس، أي الجنرال محمد فريد التهامي، هو أيضا صاحب فكرة حل جماعة الإخوان المسلمين، حسب ما صرح به الدبلوماسي الغربي، الذي رفض ذكر اسمه بسبب نقله لمعلومات وتصريحات دارت في لقاءات خاصة وسرية، كما صرح أيضا أنه، ومن خلاله لقاءاته مع التهامي، شعر بأن “التهامي كان يتكلم بكل قوة وصلابة وبكل ثقة في قدراته، وكأنه لم يعزل من منصبه سابقا، وكأن تحقيقات لم تجرى في حقه، بل وكأن ثورة 25 يناير لم تقم بتاتا”.
حسام بهجت، وهو من الحقوقيين المصريين القلائل الذين تحدثوا عن الجنرال محمد فريد التهامي، أبدى استغرابه من عدم الحديث عن هذا الموضوع في مصر، فقال: “ما الذي حدث للنائب العام الذي فتح التحقيق في قضايا الفساد والتجاوزات القانونية المتعلقة بمحمد تهامي؟ لماذا تمت الإطاحة به –أي النائب العام- بتلك الطريقة المذلة؟ لماذا عين التهامي من جديد، رغم سنه المتقدم؟”، ثم أضاف: “لا أحد يجيب على أو يناقش هذه الأسئلة الخطيرة في مصر..”.
وفي الوقت الذي يوجه فيه كثيرون أصابع الاتهام للجنرال عبد الفتاح السيسي ولوزير الداخلية محمد إبراهيم، يرى المستشار السابق للرئيس المصري محمد مرسي، وائل هدارا، والمقيم حاليا في كندا، أن الجنرال محمد تهامي هو المنظر الحقيقي لمجازر فض اعتصامي رابعة والنهضة، حيث يقول هدارا أن “الانتقام من مرسي ومن الإسلاميين كان هو الدافع الرئيسي” الذي جعل تهامي يختار فض الاعتصامات باستخدام العنف، رغم وجود إمكانيات أخرى.
مسؤول غربي آخر، تجمعه علاقة جيدة بكل من السيسي والتهامي، قال للنيويورك تايمز، أن علاقة قوية جدا تجمع بين الرجلين، مشيرا إلى أنهما تتدرجا سويا في سلم الرتب العسكرية، وإلى أن التهامي الذي يكبر السيسي ببضع سنوات، كان بمثابة الأخ الأكبر للسيسي، مؤكدا أن التهامي هو من فتح الطريق أمام السيسي ليخلفه في منصب رئيس المخابرات الحربية، وهو الجميل الذي رده له السيسي إثر انقلاب 3 يوليو.
ويضاف اسم الجنرال محمد فريد تهامي إلى قائمة أسماء جنرالات آخرين، يفعلون الكثير في الخفاء، ويسطرون مستقبل مصر حسب أهوائهم، ولا تتحدث عنهم الفضائيات ولا الصحف، سواء كانت مؤيدة أو معارضة للانقلاب، ولا تذكر أسماؤهم حتى في تلك التسريبات التي تدور كلها حول شخص الجنرال عبد الفتاح السيسي، ولا تكشف شيئا عن عسكريين ربما كانوا أكثر قوة من عبد الفتاح السيسي، مثل محمد التهامي وآخرين