جزيرة فاضل هي أكبر قرية فلسطينية موجودة في مصر، في محافظة الشرقية، منذ عام 1948، فرّ إليها الفلسطينيون على الجمال مرورًا بصحراء سيناء، حاملين معهم أقل ما يمكن من الأمتعة، وجاءوها 40 فردًا في ظل ترحيب من الحكومة المصرية واستقبال دافئ من الرئيس جمال عبد الناصر، حيث قرر جمال عبد الناصر في حينها رفض تسجيلهم واعتمادهم كلاجئين فلسطينين في وكالة الأونروا، وهي الوكالة المختصة بشؤون اللاجئين الفلسطينين منذ عام 1949، ومنحهم حق الحياة في مصر وأن يتم معاملتهم كمواطنين مصريين.
على الرغم من الاستقبال الحار الذي وجده من التمس منهم حق اللجوء في مصر، وتوطينهم في جزيرة فاضل منذ ذلك الحين، ظل اللاجئون الفلسطينيون في حياة مؤقتة، مع وعود الحكومات المتغيرة والحكومات الثورية، وحتى بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2014، في استمرارية الوعود الكاذبة من قِبل المسؤولين في إعادة توطينهم ونقلهم إلى أماكن أفضل من جزيرة فاضل، إلا أن بعد وصولهم إلى 3000 لاجئ فلسطيني في القرية، لم يتغير الوضع عما كانوا عليه في 1948 وقت مجيئهم، وتم تدخلهم بمجهودات فردية لتحويل الخيام إلى بيوت سكنية بسيطة تأويهم، ليصل الحال في جزيرة فاضل إلى تجمع فلسطيني يُشبه إلى حد كبير “العشوائيات” المصرية الفقيرة.
يظهر في الصورة الحاج “حمدان”، يزيد عمره عن الـ 90 عامًا، وهو من آخر من تبقى من اللاجئين القادمين في عام 1948، يتذكر في حديثه كل ذكرى عاشها منذ 65 عامًا، يروي حمدان روايته لموقع “ميدل إيست آي” عن المدة الطويلة التي انتظرها اللاجئون في جزيرة فاضل لينتقلوا إلى أماكن تليق بهم، يقول بأنهم انتظروا الكثير بعد أن ظنوا أنها مسألة شهر أو شهرين، فرحل الملوك، وتغير النظام السياسي في مصر ليتتابع معه الرؤساء العسكريون، فهجر اللاجئون خيامهم بعد ست سنوات من المكوث فيها، ليبدأوا في بناء بيوت لهم بأنفسهم، يقول الحاج حمدان: “يبدو أننا لم نتعلم الدرس بعد، حكام العرب لا يوفون أبدًا بوعودهم”.
تعيش القرية في أقصى حالات الفقر، حيث تهيمن مهنة جمع القمامة على معظم رجال القرية ليستطيعوا توفير متطلبات الحياة الأساسية، كما يعمل البعض الآخر في زراعة أراضي الغير بالأجرة اليومية، أو في مهن الميكانيكا والسباكة، بدخل يومي للعائلة يقارب الـ 10جنيهات مصرية (2 دولار) يوميًا، كما تعيش القرية في أفقر حالة من حالات التأسيس العمراني أو الصحي، حيث يندر فيها مصادر المياه، ولا يوجد فيها شبكة للصرف الصحي، مما يُشكل تحديًّا على كثير من نساء القرية في الخروج يوميًا من القرية للحصول على مياه نظيفة صالحة للاستخدام.
تبعد أقرب مستشفى عن القرية مسافة ساعة، وبسبب غياب وسائل المواصلات المناسبة؛ فشلت العديد من حالات الولادة داخل القرية، والبعض الآخر من اللاجئات يلدن في طريقهن إلى المستشفى، كما تبعد أقرب مدرسة للقرية مسافة 3 كيلومتر، الأمر الذي أثار قلق العديد من الأمهات على صغارهن وهم في طريقهم الشاق إلى المدرسة يوميًا، نظرًا لغياب وسائل المواصلات الأمر الذي يضطرهم لقطع المسافة على أقدامهم؛ مما جعل نسبة المتعلمين متدنية للغاية داخل القرية حيث يندر فيها خريجو الجامعات والمعاهد العليا، ويتوقف أغلبهم عند الشهادة الإعدادية.
تم توصيل الكهرباء بالقرية لأول مرة رسميًا في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، كما بدأت حكومة مرسي في بناء مستشفى داخل القرية، إلا أن كل ذلك ضاع سُدى بحلول حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي لم يأمر بوقف بناء المستشفى فحسب، بل أمر بوقف كل المساعدات الحكومية الواردة من الحكومة المصرية للاجئي القرية بحجة أنهم ليسوا من المواطنين المصريين ولا يحق لهم الحصول على مساعدات حكومية مُدعّمة، حيث يعتبر اللاجئون أن يوم إصدار ذلك القرار هو يوم أسود عليهم، حينما ذهبوا كعادتهم للحصول على الخبز المُدعم من الحكومة، ليتم إخبارهم أن لا مزيد من الخبز للاجئي فلسطين.
وقعت مصر عام 1951 على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين وتوفير الحماية والملجأ لكل من التمس حق اللجوء في مصر، وصرح السيسي مؤخرًا بترحيب مصر باللاجئين من سوريا وحتى إرتيريا، قائلًا بأن مصر تحتضن خمسة ملايين لاجئ من مختلف الدول وترحب بالمزيد، فرغم معاناة مصر الاقتصادية وعدم توفيرها لحاجات مواطنيها إلا أن طبيعة الشعب المصري الودودة التي تستقبل إخوانها وتحيط بهم في الأزمات قادرة على التعايش بالقليل من أجل إعطاء اللاجئين.
على الرغم من تصريحات السيسي المتفائلة، إلا أنه لا وجود لتلك التصريحات على أرض الواقع، فجزيرة فاضل أكبر مثال على تردي وضع اللاجئين الفلسطينين في مصر، خاصة بعد توقف عمل وكالة الأونروا في مصر بسبب عدم حصولها على التصريحات اللازمة للعمل، لتبقى القضية معلقة على أكتاف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي لا تحتوي خارطة اهتمامتها على جزيرة فاضل، كما هو الحال بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان المصرية، وكذلك السفارة الفلسطينية، والتي كانت تصريحات السفير الفلسطيني منها تشير إلى الإهمال الجسيم الذي تمارسه سفارة دولة فلسطين بالقاهرة مع اللاجئين الفلسطنين.
كما صرح تقرير “هيومان رايتس ووتش” مؤخرًا عن وضع اللاجئين السوريين في مصر، حيث بدأت مصر حديثًا في منع دخول السوريين إلى أراضيها، ومن يستطيع الدخول منهم يتم السماح له بالدخول بتأشيرة سياحية فقط، ولا تسمح السلطات المصرية بدخول من لهم عائلات تقيم بالفعل داخل مصر، بالإضافة إلى التهديد الذي يعيشه اللاجئون السوريون من طرد وترحيل عدد كبير منهم في أي وقت من مصر، حيث حدث بالفعل ترحيل لأعداد ضخمة من السوريين في 2013-2014 بدون أسباب منطقية أو واضحة بحسب تقرير هيومان رايتس ووتش.
أقرت السلطة المصرية منذ سنة قانون جديد على اللاجئين الفلسطينين، وهو أن يتم تجديد أوراق إقامتهم كل سنة، ليزيدوا الضغط على لاجئي جزيرة فاضل، ليس فقط من الجانب المادي وتحملهم أعباء السفر إلى القاهرة، ولكن أيضًا لضياع ثلاثة أو أربعة أيام بين الروتين المصري الذي يجعلهم حائرين في شوارع القاهرة لمدة كبيرة ليستطيعوا في النهاية تجديد إقاماتهم.
يظهر في الصورة الحاج “فرحات” الذي يقول في التقرير إن أفضل حقبة مرت على اللاجئين الفلسطنيين كانت في زمن جمال عبد الناصر، والذي رفض اعتمادهم من قِبل الأونروا كلاجئين وصرّح بأن يتم معاملتهم كأنهم مواطنون مصريون، كما سمح لهم بتجديد إقامتهم كل خمس سنوات، وليس كل سنة كما أمرت حكومة السيسي.
يقول الحاج فرحات: “لقد تم تجاهلنا تمامًا في أيام الرئيس مبارك، وبعد الثورة المصرية زاد أملنا في تغيير سياسات الحكومة المصرية مع اللاجئين، وبالفعل حدث ذلك عندما بدأ مرسي في التغيير، إلا أنهم عزلوه قبل أن يتمم أي شيء”.
في بلد أعلن أنه في حالة حرب على الإرهاب وعلى جماعة الإخوان المسلمين وعلى الشباب الثوريين منذ ثورة الـ 25 من يناير، لا يُتوقع منه أن يهتم بشؤون اللاجئين، حيث أصبح اللاجئ الفلسطيني وغيره في مصر، لاجئ في لجوئه.