تتواصل المحادثات في ليبيا بين طرفي النزاع المحلي برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها ليون بهدف تحقيق تسوية سياسية عنوانها الأبرز حكومة وحدة وطنية تنهي ازدواجية السلطة وتمهد الطريق لعملية تركيز سلطة دائمة، محادثات دامت أشهر وتتواصل في ظل شد وجذب كبيرين رغم حرص المبعوث الأممي على بث ما أمكن من الإيجابية على المشهد العام.
ليون يواصل التعبير عن تفاؤله
وكما جرت العادة عقب كل جولة مفاوضات، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، السبت، أن الأطراف توافقت بشأن ثماني نقاط من أصل تسع، متوقعًا تحقيق اتفاق قريب بشأن حكومة الوحدة خلال اليومين المقبلين بعد ترشيح الأسماء، خاصة مع ما قيل عن استطاعة المشاركين في الحوار الوطني الليبي بمدينة الصخيرات المغربية تجاوز خلافاتهم بشأن النقاط الجوهرية.
وأوضح أن البعثة ستقوم صباح الأحد بتوزيع مسودة الاتفاق النهائي على الأطراف، متضمنة التعديلات على الاتفاق الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى في يوليو الماضي، بعد الموافقة عليها من جميع أطراف الحوار، وكشف أن التعديلات خاصة بالمجلس الأعلى للدولة وببعض الإجراءات الإدارية للتعيين في المناصب العليا في الدولة، معربًا عن ثقته في أن النسخة الجديدة ستكون توافقية وستحظى بدعم الجميع.
وأشار المبعوث الأممي إلى أن وفد المؤتمر الوطني العام أمامه مهلة يومين من أجل عرض الاتفاق في طرابلس والعودة بأسماء المرشحين لحكومة الوحدة الوطنية، باعتبار أنه لم يقدم أسماء عقب محادثات جنيف، على عكس برلمان طبرق الذي قدم 14 مرشحًا.
وتوقع ليون أن المرحلة المتبقية من الحوار ستكون صعبة، لكنه أوضح أنه “سيكون من الممكن التوقيع على اتفاق نهائي في الموعد المحدد في 20 سبتمبر الجاري.
وكانت أطراف ليبية من بينها مجلس النواب، وعمداء مجالس بلدية أبرزها المجلس البلدي في مصراتة، وقعت بالأحرف الأولى على وثيقة الاتفاق السياسي بالصخيرات المغربية في يوليو الماضي، غير أن المؤتمر الوطني العام في طرابلس، اعترض على بعض بنودها وطالب بتعديلات عليها.
المؤتمر الليبي يرحب بتعديلات الاتفاق السياسي
أولى ردود الفعل حول المسودة الجديدة كانت من طرف رئيس وفد المؤتمر الوطني الليبي للحوار في المغرب عوض عبد الصادق، الذي رحب بتضمين التعديلات التي طالب بها المؤتمر، وقال عبد الصادق، في بيان تلاه الأحد، بعد تسلمه مسودة الاتفاق المعدلة في الصخيرات المغربية، إن الاجتماعات مع بعثة الأمم المتحدة وسفراء الدول المشاركين في الحوار السياسي الليبي صريحة وواضحة، وهو ما ترتب عليه تضمين التعديلات بطريقة إيجابية، وهو ما اعتبره خطوة هامة تتفق مع وثيقة المبادئ والثوابت التي وقّع عليها أعضاء المؤتمر الوطني، ودعا البيان جميع المشاركين في الحوار إلى التحلي بروح المسؤولية وتقديم مصلحة الوطن خصوصًا في هذه المرحلة الحرجة.
وبحسب مصادر إعلامية، تتكون المسودة الجديدة من 75 مادة تشمل كل التعديلات التي ضمها رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون بعدد من القضايا من بينها الحكم القضائي الصادر في نوفمبر من العام الماضي بحل مجلس النواب.
برلمان طبرق يرفض المسودة الجديدة
ترحيب المؤتمر الليبي بهذه المسودة يبدو أنه كان وراء رفض غريمه لها، حيث صوت أعضاء مجلس النواب الليبي المنحل بالأغلبية على رفض التعديلات المقدمة من المؤتمر الوطني الليبي العام، التي تم إدخالها على مسودة الاتفاق النهائي لحل الأزمة الليبية الذي ترعاه الأمم المتحدة، وقرر المجلس استدعاء فريق الحوار فورًا من مدينة الصخيرات المغربية للتشاور.
ونقلت وكالة الأناضول عن عضو مجلس النواب المنحل محمد أمير عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن التعديلات ستؤدي لإقصاء اللواء المتقاعد خليفة حفترعن قيادة الجيش المنبثق عن البرلمان المنحل، وأنها تهدف لإلغاء أي قرارات أصدرها مجلس النواب في الشأن العسكري.
وأعلن البرلمان به الذي يعقد جلساته في مدينة طبرق شرق ليبيا في بيان تلفزيوني عقب جلسة خصصت لمناقشة المسودة المعدلة، الثلاثاء، أنه متمسك بالمسودة التي وقعها وفده في يوليو ويرفض إجراء أي تعديلات أو إضافات على بنود الاتفاق الموقع، وبالتوازي مع الرفض الصريح، أبقى البرلمان الباب مفتوحًا أمام إمكان التوصل إلى تسوية، مؤكدًا موافقته على دراسة الملاحق من حيث التعديل والإضافة بما لا يتعارض مع وثيقة الاتفاق السياسي المبرم، ما يعني الانفتاح على تعديل الملاحق التي ترافق مسودة الاتفاق دون المساس بالمسودة نفسها.
أنت توافق .. أنا أرفض!
المحصلة إذن هو مشهد العادة، أحد الأطراف يرحب فيرفض الطرف الآخر ليبقى ليون هو والمواعيد التي يحددها كتواريخ قصوى لتشكيل حكومة الوحدة في التسلل، وبالنظر إلى عدد المسودات التي صيغت في خضم هذا الحوار يبدو الإشكال أعمق من بعض البنود التي تتغير بين النسخة والأخرى، هو إشكال انعدام الثقة بين المتحاورين.
فرغم نجاح الأمم المتحدة في جر أطراف النزاع للجلوس على نفس الطاولة وهو ما لم يكن يسيرًا بالمرة، تشير ردود الفعل المتكررة إلى أن أرضية الثقة الدنيا التي تحتاجها أي تسوية بين طرفين أو أكثر أضعف من أن تكون رافعة لها.
ورغم ما قيل سابقًا عن أن المتدخلين الخارجيين يقفون وراء تعطل الحوار، وبالنظر إلى ما تعيشه هذه الدول من رهانات داخلية ليست بالهينة، يبدو تبرير العجز الحاصل في المضي نحو تحقيق المصالحة بالعامل الخارجي فاقدًا للمعنى ومنافيًا للمنطق؛ نعم ساهمت الأحلاف المختلفة في تأزيم الوضع سابقًا إلا أن المشكل الليبي اليوم أطرافه ليبيون وجوهره ليبي بحت: ما تحتاجه ليبيا اليوم هو بناء ثقة قادرة على احتواء المسودات الأممية، وبدونها ستدون مسودات أخرى وستظل مسودات.