تعديلات قانون “الإرهاب”.. وتهديد الحريات الإعلامية ومواقع التواصل

9659c0cd7f665fd9b606d1ac2bb751bd_fca42a3dc9bf6abfd0e96bbec993a3ee83066744

ما زال التخوف من تعديلات قانون منع الإرهاب سيد الموقف في الشارع الأردني، وقد وجد المواطن في مواقع التواصل الاجتماعي متنفسًا في التعبير عن طموحاته وما يعانيه.

وبحسب مراقبين تعدى القانون بمواده التضييق على حرية الرأي والتعبير للوسائل الإعلامية، وانخفاض سقفها، إلى أبعد من ذلك بتجريم من ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من آراء خاصة تحت بنود “تقويض نظام الحكم” و”تعكير صفو العلاقات”.

هذا الملف الخاص يقدم صورة أكثر وضوحًا حول تعديل القانون وأهم ما نشر حوله من قراءات وانتقادات محلية ودولية، بتتبع أهم التقارير والمقالات الإعلامية والبيانات التي نشرت في وسائل الإعلام.

نواب يستهجنون تعديل القانون

أقر مجلس النواب بالأغلبية القانون المعدل لمنع الإرهاب لسنة 2014 في 24 أبريل من العام ذاته، وقد وجد القانون ردة فعل نيابية معارضة أثناء مناقشته.

رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب النائب محمد السعودي وصف محاولة الالتحاق بالتنظيمات بمثابة العمل الإرهابي “بالدعارة التشريعية”، مؤكدًا أن نص هذا القانون يحاسب على “النوايا”، داعيًا النواب إلى التريث قبل إقرار هذا النص، ومطالبًا بعدم الإقرار قبل القراءة الجيدة، وتساءل النائب موسى أبو سويلم هل عمل “like” في “الفيسبوك” على إحدى الصفحات لتنظيم متشدد، يعتبر من قام بذلك إرهابيًا؟ بحسب تقرير صحفي لموقع المقر.

من جانبها، أكدت النائب رولا الحروب على وجوب إعادة النظر في قانون منع الإرهاب من قِبل مجلس النواب، وقالت الحروب لـjo24  إنه ثبت وبعد إقرار القانون نية الحكومة ترهيب المواطن الأردني في أي موقع كان من إبداء رأيه أو التعبير عنه.

وشددت على أن الدولة تتجه إلى مزيد من قمع الحريات، حيث بات العديد من المواطنين يهابون التعبير عن آرائهم نظرًا لازدياد حالات الاعتقال بين صفوف المعارضين لسياسات الدولة أو المعبرين عن آرائهم حيال قضايا الأمة العربية، مشيرة إلى أن مصلحة الدولة العليا تتطلب إعطاء مساحة أكبر من الحريات وليس التضييق على الأردنيين، وأوضحت أن القمع لا يجلب إلا الاحتقان، وحرية التعبير كفلها الدستور.

كنس مخلفات الربيع العربي

في مقاله المنشور تحت عنوان “الأردن يكنس مخلَّفات الربيع العربي” في 16 أبريل الفائت قال الكاتب عبدالله المجالي إن “السلطات الأردنية بدأت بالتراجع عن المكتسبات التي حصّلها الشعب الأردني في ذروة الربيع العربي”.

ورأى المجالي في مقاله الذي نشرته صحيفة عربي 21 الإلكترونية
“من خلال قانون منع الإرهاب الذي تم تمريره بسرعة، باشرت السلطات على الأرض خطة لإعادة بناء الخطوط الحمر من جديد”، وجاء ذلك عقب الانقلاب العسكري في مصر، وما آلت إليه أوضاع جماعة الإخوان المسلمين هناك، خصوصًا في مجال حرية التعبير، فسنَّت الدولةُ قانون منع الإرهاب، وهو القانون الذي حاصر وضيَّق من هامش الحريات، كما رأت منظمات حقوق الإنسان، وأضاف “اليوم يقبع في السجون الأردنية حوالي 20 سجينًا سياسيًّا، أبرزهم نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني أرشيد، والذي حُكم عليه بالسجن 18 شهرًا لانتقاده حكام دولة الإمارات العربية”.

وأشار المجالي إلى أن معظم المتهمين يحاكَمون بتهمة “تقويض نظام الحكم” وهي “تهمة سياسية بالأساس، خصوصًا إذا علمنا أن الأدلة المُقدَّمة هي عبارة عن تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي، وخطب هنا وهناك”.

وألمح إلى وجود شبه انقلاب، فالمكتسبات التي حصّلها الشعب الأردني في ذروة الربيع العربي، والمتمثلة في التعديلات الدستورية التي رفعت من شأن حرية التعبير، آخذة في التقلُّص وهناك شبه انقلاب، وكأننا أمام عملية كنس ممنهجة لكل مكاسب الربيع العربي، أو قُل إن شئت “مخلَّفات الربيع العربي”.

وختم المجالي بقوله “إن أعظم مكتسبات الربيع العربي حرية التعبير، التي لم تعد مصونة بالشكل الكافي والعادل في الأردن، وذلك رغم الخطابات الرنَّانة التي تتغنى بحرية التعبير، لكنها تبقى خطابات على الورق فقط، واليوم بات الأردنيون يتخوَّفون من معارضة وانتقاد السلطات، أو انتقاد حكام دول عربية حليفة، وباتوا يُراجِعون ما يكتبون على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي؛ خوفًا من توجيه تُهمٍ لهم من خلال قانون منع الإرهاب الذي بات يتربَّص بهم”، على حد تعبيره.

التضييق على الصحافة والنشر

نضال منصور، الرئيس التنفيذي لمركز حماية حرية الصحافيين قال في حديثه لصحيفة القدس العربي إنه “لا يجوز لأي قانون أن يرهق أو يشكل ضغطًا على ممارسة هذه الحرية”.

ورأى منصور أن الدستور الأردني لا يجيز بعد تعديلاته إحالة المدنيين لقضايا حرية التعبير والإعلام لمحكمة أمن الدولة باعتبار أن الجرائم في الأساس والتي تحال لهذا النوع من القضاء تتمثل في قضايا كالمخدرات وغسيل الأموال والإرهاب، وإن قضايا حرية التعبير لا تنطوي بأي حال من الأحوال تحت هذه الجرائم أو تحت مسمى “فعل إرهابي”.

وأشار منصور أن المشكلة الأساسية هي في توسيع فهم النص القانوني لقانون منع الإرهاب، أو ما تسمى باللغة القانونية غير المنضبطة هي التي تتيح تطويع النص من أجل ملاحقة النشطاء في قضايا حرية التعبير، وهذا ما يعارضه المركز بشكل مطلق.

وأوضح “في قضايا الصحافة لا يجوز محاكمة أي فعل تم نشره سواء في الإعلام الإلكتروني أو المطبوع أو الإذاعة والتلفزيون إلا بموجب قانون المطبوعات والنشر، وذلك لا تخضع له وسائل التواصل الاجتماعي”، لذلك يعتقد منصور أن الإحالة بموجب قانون منع الإرهاب أو قانون العقوبات يخالف قانون المطبوعات والنشر، وطرح مثالاً حيث تم إيقافه في قضية نشر مقال على المواقع الإخبارية الإلكترونية، وأُحيلت لمحكمة الدولة، ما اعتبره متعارضا مع النص القانوني.

وقد شهدت حرية الصحافة في الأردن تراجعًا ملحوظًا في مؤشر حرية الصحافة في العالم وصل لسبع درجات وفقًا لتقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود” للعام 2014، حيث حصل الأردن على المرتبة 141 بعد أن كان في المرتبة 134 عام 2013 من 180 دولة تقيسها سنويًا منظمة مراسلون بلا حدود، بحسب القدس العربي.

اعتقالات وقضايا أمام المحاكم

سردت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومقرها بريطانيا، في تقريرها الحقوقي الصادر مؤخرًا عدة قضايا منظورة أمام المحاكم الأردنية وأهمها محكمة أمن الدولة.

بتاريخ 18 أغسطس 2015 أوقف رئيس تحرير صحيفة السبيل عاطف الجولاني بعد استدعائه من قِبل المدعي العام بسبب مقال رأي كتبه في يونيو، انتقد فيه السلطات الأردنية لرفض استقبال شحنة أسطوانات غاز قادمة من الهند، ورغم الإفراج عنه بكفالة، إلا أنه تم توجيه اتهامات جنائية ضده.

وفي 22 أبريل 2015، اعتقل الكاتب الصحفي جمال عبدالنبي أيوب، ومكث في السجن لمدة أربعة أشهر قبل الإفراج عنه؛ بسبب كتابته مقال رأي والتهمة الموجهة إليه هي “تعكير العلاقات مع دولة أجنبية”، بموجب قانون الإرهاب.

وفي 8 يوليو 2015، اعتقل الصحفي غازي المرايات الذي يعمل بصحيفة الرأي الحكومية، بتهمة خرق حظر النشر في قضية إحباط مخطط إرهابي، فيما قالت الصحيفة إنها لم تتلق إشعارًا خطيًا قبل النشر، واحتجز المرايات لمدة أربعة أيام من دون تهمة، قبل أن يطلق سراحه بكفالة، مع مواجهته اتهامات جنائية.

 وفي 12 يوليو 2015 اعتقل الكاتب جهاد المحيسن، فور عودته إلى الأراضي الأردنية قادمًا من بيروت، ليتم تحويله إلى محكمة أمن الدولة؛ بسبب انتقادات وجهها للنظام الأردني عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

كما انتقدت المنظمة اعتقال أستاذ الصيدلة في جامعة العلوم التطبيقية، الدكتور إياد قنيبي بتاريخ 15 يونيو2015، وإيداعه منذ ذلك الحين في زنزانة انفرادية بسجن “موقر2″، حيث وجهت له تهمة “التحريض على نظام الحكم السياسي في الأردن”، بسبب مقالة كتبها على صفحته في “فيسبوك”، تحت عنوان “الأردن يسارع إلى الهاوية”.

وفي 10 أغسطس2015، قرر مدعي عام عمّان تحويل عضو مجلس النواب طارق خوري إلى محكمة أمن الدولة بتهمة “تعكير صفو العلاقات الأردنية مع دولة أجنبية” بموجب قانون منع الإرهاب؛ وذلك لمهاجمته الكيان الصهيوني، عقب حرق المستوطنين منزلًا في قرية دوما قرب نابلس، أدى إلى وفاة طفل ووالده، وإصابة والدته وشقيقه بحروق من الدرجة الثالثة، بحسب تقرير صحيفة السبيل المنشور في 3 سبتمبر الحالي.

ويضاف إلى هؤلاء زكي بني أرشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والذي حكم عليه بالسجن في 15 فبراير الماضي، لمدة عامٍ ونصف العام، مع الأشغال الشاقة، بعد إدانته بـ “الإساءة للعلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة”، بسبب منشور له على “الفيسبوك”.

ومؤخرًا أوقف مدعي عام عمان، المدون الساخر عمر زوربا لأسبوع على ذمة التحقيق، بعد قضية رفعها عليه نجل رئيس الوزراء الأسبق نادر الذهبي، بعد أن نشر كتابات ساخرة عن زفاف نجل الذهبي، على الفيسبوك أيضًا.

“أي مواطن مشروع إرهابي”

يرى النقيب الأسبق للمحامين الأردنيين صالح العرموطي أن تعديل قانون منع الإرهاب فيه توظيف سياسي للخارج، بعد تعهدات الأردن للولايات المتحدة الأمريكية بمقاومة الإرهاب وتقاضي المملكة أموالاً نظير ذلك.

وقال العرموطي لموقع “عربي 21” إن القانون الجديد هو “خدمة للمشروع الصهيوني، واستقواء على المواطن الأردني، حيث أُقر القانون المؤثر على الحريات العامة خلال نصف ساعة فقط من عمر الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة”.

وقد جرم القانون “استخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة نشر أو إعلام أو إنشاء موقع إلكتروني لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم جماعات أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج لأفكارها”.

وفي مقارنة مع التعريف السابق للقانون الذي سُن في عام 2006 بعد تفجيرات فنادق عمان أضافت الحكومة المصطلحات العامة التالية على المشروع “إحداث فتنة”، أو “الامتناع عن أو تعطيل تطبيق الدستور”.

وبموجب القانون أصبح كل من يلتحق بالجماعات الإسلامية التي تقاتل خارج الأردن سواء في سوريا أو العراق “يعد إرهابياً” ويحاكم أمام محكمة أمن الدولة.

وزاد القانون الجديد من صلاحيات محكمة أمن الدولة فعليا إلى ما يقارب الـ 150 قضية، بعد إضافة تهم مختلفة، تحت مظلة قانون منع الإرهاب الذي تلزم محكمة أمن الدولة بتطبيقه، وتزامن ذلك مع تجريم السلطات السعودية لكل من يقاتل في سوريا مع فصائل إسلامية، بحسب تقرير لـ عربي 21 نشر في 1 أكتوبر من العام الماضي.

الملكة نور وتقرير تضييق الحريات

نشرت الملكة نور الحسين عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تقريرًا لموقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، حول تضييق الخناق على حرية التعبير في الأردن، بعد إصدار قانون مكافحة الإرهاب في العام الماضي.

وجاء في التقرير المنشور باللغة الإنجليزية، وترجم نصه صحيفة “عربي21” الإلكترونية، أن المراقبين حذروا من تعديل الأردن لقانون مكافحة الإرهاب، وخاصة مع وجود مخاوف من استغلال هذا القانون لإسكات المعارضة.

وبيّن التقرير أن هذا القانون قام بتوسيع مفهوم “الإرهاب” ليشمل أي فعل يهدف إلى خلق فتنة، والضرر بالممتلكات، والضرر بالعلاقات الدولية، واستخدام شبكة الإنترنت أو وسائل الإعلام بهدف نشر ما يسمى “الفكر الإرهابي”، مشيرًا إلى أن تعديل القانون “زاد في درجة العقوبات، لتصل في بعض الأحيان إلى 10 سنوات سجنًا، وأحيانًا إلى عقوبة الإعدام”.

وأضاف أن الحكومة الأردنية أكدت أن هذه التعديلات باتت ضرورية لحماية البلاد، نظرًا لتزايد تهديد تنظيم الدولة في سوريا المجاورة، في حين حذر معارضون من أنها يمكن أن تؤدي إلى حملة ضد المعارضة، مع فرض قيود على حرية الإعلام، كما جاء في تقرير صحيفة السبيل 31 أغسطس 2015.

وقد صدر في عام 2014 تقرير عن “منظمة بيت الحرية” الأمريكية، حول حرية شبكة الإنترنت، نشرته صحيفة القدس العربي في 2 مايو الفائت، أشار إلى هبوط الأردن درجتين في هذا المؤشر، وبحسب تقرير المنظمة غير الحكومية، فإنه “من بين الدول الخمس والستين التي تم تقييمها، شهدت 36 دولة منحنى سلبيًا في حريات الإنترنت لديها منذ مايو 2013، كانت أسوأها روسيا، وتركيا وأوكرانيا.

وكانت كل من إيران وسوريا والصين هي الدول الأكثر انتهاكًا لحريات الإنترنت بشكل عام، فيما سجل الأردن انخفاضًا بمقدار درجتين خلال الفترة التي قيمها التقرير، إلى جانب لبنان والمغرب والسودان والولايات المتحدة، في حين سجلت روسيا وتركيا انخفاضًا بمقدار ست درجات، كان هو الأعلى.

وجاء الأردن من بين الدول التي قال التقرير إنها “استخدمت ذريعة الأمن القومي من أجل وضع إجراءات قانونية تسمح بإمكانية وضع قيود على الخطاب المسموح قانونيًا على الشبكة”.

وقال التقرير إن “الأردن وسع تعريفه للنشاطات الإرهابية غير المشروعة، لتشمل أعمالًا يمكن أن تلحق ضررًا بعلاقات البلد مع بلدان أجنبية، بما في ذلك نشر التعليقات المنتقدة للقادة الأجانب على الإنترنت”.

المصدر: أردن الإخبارية