كبشر؛ كانت وتظل القدرة على التواصل هي العامل الرئيسي في تكون المجتمع والحضارة كما نعرفها، فالأساس في أي صورة من صور الاتفاق والتعاون أو الاختلاف هو القدرة على ترتيب الآراء والمعارف في شكل لغوي مفهوم ونقلها في صورة ما لشركاء المجموعات التي نعيش بها.
هذا التواصل هو الأساس في خلق تكتل لرأس المال الاجتماعي يكفي لتغيير واقع حياة البشر في مكان وزمن ما، وقبل ذلك هو الأساس في خلق وحدة الجماعة البشرية بما بها من انتماء ووحدة أو غيرية واختلاف.
نحاول في هذا المقال إلقاء نظرة على دور وأشكال التواصل المواكبة لتطور الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر فيما يتعلق بثورة يناير 2011، تأتي هذه النظرة بعد صدور خبر على لسان مارك زوكربرج مؤسس فيسبوك عن عمل الموقع الشهير على تطوير زر على النقيض من زر الإعجاب الشهير بالموقع.
ما يربط الخبر السابق بالواقع السياسي المصري يعدو في حقيقة الأمر مجرد الارتباط الشهير بين مواقع التواصل الاجتماعي والثورات العربية ككل، السبب الحقيقي في هذه النظرة هو شبهة مجازية تتعلق بتطور أساليب التعبير والاعتراض البشرية ككل، نبدأ هذه النظرة بتتبع وسطي التواصل الأكثر تأثيرًا على الواقع في المجتمع المصري حاليًا؛ التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي، ثم ننطلق بعد ذلك لاستخلاص بعض الاستنتاجات مما وصل إليه الأمر حاليًا.
الملك الرئيسي للإعلام في الشارع المصري بلا شك هو التلفاز؛ تلفاز القمر الصناعي تحديدًا، مع التدهور الحاد في توزيع الصحافة المكتوبة والتقدم المتزايد لصحافة الشبكات الاجتماعية والإنترنت، يبقى تلفاز القمر الصناعي هو النجم الأقوى في ساحة الإعلام المصرية بلا منازع حقيقي، ونظرة سريعة على الدور الذي لعبته قنوات ونجوم هذا الإعلام في خلق الوعي الشعبي المصري والواقع السياسي منذ ثورة 2011 وحتى يومنا هذا كفيلة بترسيخ هذه القناعة.
كيف أصبح للتلفاز هذه القدرة المبهرة والسريعة على تشكيل الوعي؟ هذا سؤال يمكن للإجابة عليه أن توضح الكثير عن واقعنا الثقافي والسياسي.
حتى بداية الألفية الثانية حافظت الدولة المصرية على احتكار كامل للإعلام المصري المرئي والمسموع عبر هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهنا يجب الإشارة إلى أن هذا عنى احتكار الدولة للترفيه المعروض على قنواتها تمامًا كاحتكارها لتقديم الواقع السياسي والاجتماعي للبلد في صورة أخبار، وللترفيه في هذا السياق أهمية كبرى سنعيد الرجوع إليها على طول هذا المقال.
أدى التطور التكنولوجي ورغبة نظام مبارك في خلق صورة عامة جيدة إلى الدفع نحو تأسيس شركة النايل سات وإطلاق أول أقمارها عام 1998، أتت هذه الخطوة بعد مرور 13 عامًا على البداية الحقيقية للتواجد العربي في مجال تلفاز الأقمار العربية بإطلاق عرب سات عام 1985.
بدأ الانتشار الحقيقي لأجهزة تلفاز الأقمار الصناعية في المنازل المصرية مع بداية الألفية الثانية، واقترن هذا الانتشار بثلاث أمور:
– هبوط تكلفة تركيب الأجهزة.
– زيادة المحتوى العربي المبثوث بشكل كبير.
– تزايد عدد الأسر المصرية العاملة بدول الخليج التي انتشرت بها الأجهزة بشكل كبير قبل مصر.
ترتب على التزايد المضطرد لقاعدة المشاهدين تزايد مقابل في عدد مقدمي الخدمة.، أصبحت الوفرة هي العنصر الأكثر تمييزًا لتلفاز الأقمار الصناعية.، قنوات تعمل على مدار الساعة بلا توقف، مقدمة أشكال لا تنتهي من الترفيه في صور أفلام ومسلسلات ورياضة وبرامج حوارية وحتى أخبار بتوجهات مختلفة.
تمكنت الوفرة من ترسيخ وتوسيع قائمة المشاهدين بشكل مستمر، كما تمكنت تدريجيًا من تحويل نفسها إلى المصدر الأوحد والأكثر عملية للترفيه لأسرة ذات دخل متوسط، مستهدفة كل فرد من أفرادها بما يناسبه ويعجبه من أشكال الترفيه.
أدت هذه التطورات إلى توسع أفقي ورأسي في مساحات التعبير، أصبحت أعداد القنوات أكبر بما يسمح بوجود قنوات تعبر عن أغلب الأطياف السياسية والاجتماعية، ويمكن التعرف على هذا برؤية تواجد طيف قنوات يبدأ أحد أطرافه بقنوات تقدم محتوى شبه جنسي، بينما لا ينتهي طرفه الآخر بقنوات تبث حسينيات شيعية أو منشورات لحزب العمال الكردستاني، كل هذا على قمر النايل سات المصري.
أصبح التنوع في القنوات وما تقدمه تنوعًا لا يتعداه سوى تنوع المحتوى المنشور على الإنترنت.
هنا يجب الإشارة إلى أن هذا التنوع لا يعني بأي شكل من الأشكال كسر هيمنة اتجاهات محددة من الإعلام على وعي المستخدمين، يمكن بسهولة ملاحظة تلازم قدرة المجموعات الإعلامية على تقديم محتوى ترفيهي ناجح وشعبيتها، نجاح مجموعات قنوات كـ إم بي سي عربيًا، والحياة وسي بي سي مصريًا يدين بشكل مباشر لهذا النجاح.
وبالطبع لا يصح عدم الإشارة إلى كون المجموعات السابق ذكرها جميعًا مملوكة لمجموعة من رجال الأعمال ذوي العلاقات شديدة الجودة بالأنظمة السياسية العربية.
من السابق يمكن استنتاج أنه بالرغم من التوسع الشديد لإمكانيات التعبير عبر التلفاز الفضائي، إلا أن النتيجة الحقيقية في نهاية الأمر لا تعدو خلق خطاب رئيسي مهيمن وتنويعات مشابهة له على يمينه ويساره، حدث هذا نتيجة لتحلل السيطرة المباشرة للدولة على الإنتاج الإعلامي نتيجة لتراجع قدراتها الفنية والمالية على إنتاج المواد الترفيهية الناجحة؛ وبالتالي أصبحت الهيمنة الإعلامية في يد مجموعة من رجال الأعمال ذوي رأس المال الكافي لصناعة برامج ترفيهية عملاقة، وذوي توازن وتوازي علاقات مع النظام الحاكم ونخبته السياسية.
اتضحت الإشكاليات السابقة مع هجوم ثورة يناير المباغت على ثوابت السياسة المصرية، اتضحت هذه الإشكاليات بسبب كون الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي هي مركز القلب من هذا الحراك، نوع من أنواع التواصل والإعلام جديد كليًا على السلطة وقطاعات واسعة من السكان، وفي هذا السياق يمكن النظر على قطع السلطات المصرية للوصول إلى شبكة الإنترنت بطول أيام الثورة الأولى كحل جذري بمنع وسط التواصل من الأساس عوضًا عن محاولة السيطرة عليه.
بطبيعة الحال لا ينطبق هذا التحليل على الأيام التالية التي اتسع فيها استكشاف واستخدام هذا وسط الشبكات الاجتماعية من قِبل قطاعات جديدة من السكان عرفت الشبكات بالأساس نتيجة للحراك الثوري.
ويتضح أيضًا من السابق أسباب حالة استمرت لفترة طويلة بعد حراك يناير، وهي حالة تضارب الحقائق المزعومة، لا يمكن لعدد كبير من الناس نسيان تركيز كاميرات التلفاز المصري على مياه نهر النيل زاعمة عدم تواجد أي متظاهرين في القاهرة، بينما في خلفية المشهد تشتعل شبكات التواصل الاجتماعي بطلبات العون بالمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج مصابي موقعة الجمل الدامية في ميدان التحرير.
يمكن تفهم إيمان مشاهدي قنوات التلفاز الخاصة في مصر بأن ميدان التحرير فارغ من المتظاهرين، أو أن متظاهري التحرير يأكلون وجبات المطاعم الأمريكية، فكيف يمكن لمصدر الحقيقة أن يكذب.
في حلقة من حلقات مسلسل فريندز الشهير تساءل أحد الأبطال بشكل جاد عن كيف يقوم من لا يملكون تلفاز في بيوتهم بترتيب أثاثهم، أين يصبح مركز البيت الذي يتم توجيه كافة الكراسي نحوه.
بالتدريج بدأت قطاعات كبيرة من سكان مصر بالتعامل بشكل دوري مع شبكات الوسائط الاجتماعي، وترتب على ذلك اكتشاف أوساط تواصل ذوات قواعد مختلفة تمامًا، مساحات مفتوحة تمامًا للتعبير والحوار والتكتل، تفتقد هذه المساحات بالأساس للحراسة الفكرية والسياسية المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية من تلفاز وصحف.
ربما يصبح من الحكمة هنا لفت النظر إلى مصطلح المجال العام الذي صكه الفيلسوف الألماني يورجين هابرماس؛ يصف هابرماس المجال العام كمساحة للنقاش العام يمكن للأفراد والجماعات الوصول فيها لمواقف مشتركة تجاه الواقع السياسي، حدد هابرماس الصحف كالاختراع الأهم في تشكيل نوع الحوارات الدائرة داخل المجال العام، ويمكن أن نزعم أن التلفاز كان على قدر أكبر من الأهمية من الصحف حتى.
كيف يمكن للدولة أن تسيطر على المجال العام بما يسمح بضمان مصالحها وبقائها؟ يمكن ذلك عبر خطوتين:
– تحديد حركة الوعي والمعلومات التي تصب في المجال العام عبر السيطرة على وسائل الإعلام ومصادر الأخبار.
– تحديد قدرة المواطنين على التجمع والتعبير العام عن الرأي بمصادرة المساحات العامة وحقوق الاجتماع والتظاهر.
أعلاه تحدثنا عن ربط الإعلام بالإنتاج الترفيهي لضمان ولاء المواطن لوسائل الإعلام التقليدية، وهنا نتحدث عن قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على خلق مجال عام افتراضي موازي لما تستطيع الدولة السيطرة عليه.
في القلب من شبكات التواصل الاجتماعي افتراض بندية ومساواة المستخدمين يسمح لهم باستخدامها كمنصات للتعبير عن الرأي، ونظرًا لليسر الكبير في انتقال الرسائل والأحاديث عبر هذا الوسط الإلكتروني غير المحدود بالمكان، يمكن لهذه المعلومات أن تصل بشكل كفء للمهتمين بها في سرعة كبيرة، يشبه هذا في عصر تنتشر فيه الهواتف الذكية أن عددًا كبيرًا جدًا من الناس المهتمين بموضوع ما مجتمعون في مكان واحد على مدار الساعة، اجتماع أفراده على أتم استعداد لتناول الموضوع محل الاهتمام بالنقاش والخلاف في أي لحظة.
إلا أن الإغراق في النظر إلى شبكات التواصل الاجتماعي على أنها الحل الديموقراطي الأمثل لكل مشاكل المجال العام يتنافى مع كون الحادث فيها نشاط وممارسات اجتماعية كغيرها الحادث في أي مكان، فالواقع أن هذه الممارسات (التعبير والنقاش) تفتح مجالات أخرى لتوظيفها ماديًا وسياسيًا يختلف كثيرًا عن التصور الطوباوي لها كمجال للنقاش البناء.
تمثل الشبكات الاجتماعية فرصة كبيرة للتكسب الاجتماعي والسياسي، فهي وقبل كل شيء مساحة إعلانية ومستخدمها لا يعدو في نظر مديريها جمهور مستهدف، تمامًا كما في سياسات الإعلان والربح في التلفاز.
كما أن توسع شعبية الشبكات في كافة الأوساط الاجتماعية داخل مصر عنى بالضرورة زيادة التنوع الفكري والثقافي داخل مجتمعات كفيسبوك وتويتر، بعد أن كانت الشبكات في مرحلة ما حكرًا على أفراد قلة من شرائح سكانية معينة، مستخدمين يمتازون ببعض الصفات كصغر السن ومعرفتهم ببعضهم البعض بشكل مبكر نسبيًا، جلبت الثورة المصرية هذا المجال العام الوليد لسمع وبصر قطاعات عريضة جدًا من الشعب المصري.
أصبح إدراك الوضع السياسي الملتبس في البلد غير ممكن إلى حد كبير من دون الدخول إلى هذه الشبكات وفهم عادات وأفعال سكانها.
في الأغلب أدى تدفق سيول من المستخدمين الجدد إلى هذه الشبكات إلى وصول مجموعة جديدة من عادات استخدام المجال العام معهم، وبالتالي يمكن تفهم أن تم جلب مقولات قيمية مما يستعمل لتكميم المجال العام في الأحوال العادية، فلم يكن من الغريب في مرحلة ما انتقال مصطلحات أنتجها التلفاز كحوادث “إيه اللي وداها هناك” و”اعتبره أبوك” إلى مجالات حوار جادة في أوساط الشبكات الاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك بدأ انتزاع الصفة الشبكية اللامركزية للتواصل على هذه الشبكات في مقابل تصدير رموز معينة دائمًا ما لديها رأي لتبديه فيما يخص أي شأن.
تتمظهر في شخصية المحلل الإستراتيجي الشهيرة واحدة من أهم الصفات المنتقلة إلى شبكات التواصل بعد الثورة المصرية، اشتهرت شخصية المحلل الإستراتيجي على شاشات التلفاز بكونها الشخص المستضاف في أي ظرف، غالبًا ما يكون من خلفية ما (كثيرًا ما تكون عسكرية) ولديه رأي يقوله في أي تطور من أي نوع.
هذه العملية من إبراز وتقديم هذه الشخصية على شاشات التلفاز التقليدية مفهومة لكونها استخدام لرأس المال المتحكم في القناة لتقديم رأي معين واكسابه قداسة مجيئه من شخص خبير ملم بالأمور.
أما في حالة الشبكات الاجتماعية فالأمر مختلف قليلًا؛ رأس المال ليس على قدر كبير من الأهمية في هذه الحالة، وإنما تأتي السلطة والثقل من قبل رأس مال اجتماعي هو عدد الأصدقاء والمتابعين على هذه الشبكات، فهذا شخص له أكثر من نصف مليون متابع على فيسبوك؛ لا بد أن ما يقوله ذي أهمية ويحوي الحقيقة داخله.
واقع الأمر أن توافد المستخدمين السريع على شبكات التواصل الاجتماعي بعد الثورة قد سمح بإظهار التكتلات الاجتماعية بشكل واضح عمليًا، معسكرات أيديولوجية تتمترس خلف مجموعة من الرموز ذات العدد الضخم من المتابعين، يتقارع رموز المعسكرات المختلفة عبر المنشورات والتعليقات، بينما يهلل أفراد المعسكرات عبر مشاركة المنشورات والضغط على زر الإعجاب.
كل هذا يحدث بينما تفهم السلطة والدولة قواعد اللعبة الإلكترونية وتتسلل إليها تدريجيًا، وإذ يمكن فهم قواعد الصراع داخل هذا المجال؛ يصبح تحييده واحتواءه كما حدث مع ما قبله من وسائط ممكنًا أكثر فأكثر.
بالرغم من أن هذه الوسائط والشبكات قد نجحت في تقديم بديل للبث أحادي الاتجاه لوسائل التواصل والإعلام الأقدم، إلا أنها فشلت في الحفاظ على ما بدأت به من تقديم رفض جذري للوضع كما هو عليه.
في بداية الأمر نشرت الدولة ما تريد نشره في صحفها الحكومية، أرسل بعض القراء اعتراضاتهم عبر بريد القراء، رفضت الدولة نشرها، ثم صدرت بعض الصحف الخاصة التي أمكن لها النشر تحت سكين سحب النسخ من الأسواق يوميًا.
أنشأت الدولة قنوات التلفاز، اختارت ضيوفًا من الخبراء (الإستراتيجي منهم والعادي)، اتصل المشاهدون ليعترضوا، بدأت القنوات في تأجير المتصلين أو أن يتصل موظفوها ببرامج الهواء.
رفضت الشبكات الاجتماعية كل هذا، وصلت الرسائل ممن أطلقها إلى من أراد سماعها تحديدًا، حديث عن كثير مما لم يمكن له أن يحدث على التلفاز أبدًا، قامت الثورة من أماكن للحوار لم تكن للدولة أن تتخيلها أصلًا، صالات للدردشة ومجموعات للحوار على الهواتف الذكية.
وعلى العكس من التخيرية في النشر التي تميز سيطرة السلطة على وسائل التواصل التقليدية كالتلفاز والصحف، كان إغراق وغمر الشبكات الاجتماعية هو تمظهر سيطرة العقلية والنزعة السلطوية عليها، ملايين التعليقات والمنشورات يوميًا ردًا على منشورات مخالفة في حوار لا ينتهي، لكل رأي نقيض مخالف له يماثله في عدد المؤيدين والوجاهة الشعبوية.
إلا أن خيار الرفض والهجر بالكامل الذي قدمته الشبكات في مقابل التلفاز والصحافة لم يعد مطروحًا.
وهنا يمكن لنا أن نرجع مرة أخرى لخطورة ودلالة تطبيق زر “لا يعجبني” في موقع فيسبوك والتي ذكرناها أعلاه، مع التدفق الشديد على شبكات التواصل وتحولها لمساحة للخلاف والتراشق الشعبوي؛ أصبحت الدوائر العربية في شبكات التواصل الاجتماعي أقرب لما يعرف في علم الاجتماع بنظام “الأعمدة”، أعمدة من الناس المتشابهين المستظلين بسقف واحد من المعتقدات والآراء والمواضيع المتشابهة، يتقدم كل عمود مجموعة من السدنة والكهنة، أفراد يستطيعون تقديم مجموعة من التفسيرات للعالم وكل ما يحدث به وفقًا لمجموعة المعتقدات المذكورة أعلاه.
تشتبك الأعمدة في مثل هذه النظم الاجتماعية غالبًا بشكل يبقي على المؤسسة الاجتماعية كما هي بأي تغيير جذري، ومن هنا تنبع تسميتها بالأعمدة، فهي ضمانة بقاء هيكل المعبد سليمًا كما هو.
ما يطرحه زر “لا يعجبني” في هذه الحالة هو إمكانية شديدة الرمزية والصغر، إمكانية الرفض البحت غير المبرر، إمكانية الرفض دون الإغراق في السقوط في استخدام خطابات السلطة وما تنتجه من خطابات مقاومة هي صور مرآة لها.
ما يطرحه هذا الزر هو إمكانية إعطاء المرور الصامت على تصدر الخطابات العقيمة للمشهد وزنًا ملموسًا وكتلة واضحة، حالة تسمح بإظهار ضآلة تأييد سكان كل عمود لكهنته مقابل اتساع العالم.
قطعًا لن يقوم زر واحد بتغيير الواقع الاجتماعي لدولة بأكملها، بل ربما لن يستطيع تقديم أي تغيير على الإطلاق، لكن مجرد الإمكانية في حد ذاتها تمثل فرصة مناسبة للفت النظر لمجموعة التناقضات الموجودة في وضع سريع التغير، فرصة للتعرف على واقع الحياة اليومية وما يحدث بها بشكل أوضح، أي إجابة عن سؤال: كيف وصلنا إلى هنا؟